نقاط على الحروف

ما هي حسابات حربي اليمن وغزة؟

 

ناصر قنديل

 

– خلال شهرين من وقف إطلاق النار في غزة كان ثمّة ما يجري في كيان الاحتلال وبينه وبين واشنطن. ففي الكيان رغم الانقسام السياسي الحاد وتراجع شعبية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كانت التغييرات القيادية في المؤسسات العسكرية والأمنية على قدم وساق لضمان انضباط كامل برؤية نتنياهو، وبين واشنطن وتل أبيب كانت عملية نقل الأسلحة والذخائر تجري على قدم وساق أيضاً، بصورة كانت توحي أن تحضيراً تلتقي عنده الأحداث الجارية في الكيان وبينه وبين أميركا، عنوانه عمل حربيّ كبير مقبل.

– ليس ثمّة ما يحتاج للتدقيق كي نعلم أن حرب اليمن وحرب غزة تربطهما أجندة واحدة، وأن القضيّة ليست غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اليمن، ولا أن حماس رفضت مقترحات المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف فقرّر نتنياهو شنّ الحرب وقرأت واشنطن في ذلك عملاً مشروعاً، كما قال البيت الأبيض تعقيباً على العدوان الهمجي على غزة، ويكفي التزامن والترابط بين الحربين كي لا يبقى من مجال للشك في كونهما حرباً تكمل الأخرى، لكن السؤال الكبير هو ما الذي تريد هاتان الحربان فعله، وهما تأتيان بعد حربين شبيهتين لأكثر من سنة، دون النجاح في كسر معادلة اليمن في البحر الأحمر ومعادلة المقاومة في غزة؟

– ما جرى نهاية المرحلة الأولى كان واضحاً، أنه يجري بتنسيق أميركي إسرائيلي لعدم البدء بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، حيث المضي بالاتفاق تسليم بالانسحاب من قطاع غزة وإنهاء الحرب، وبالتالي فتح مسار تفكك حكومة نتنياهو. واللجوء إلى سلاح التجويع عبر وقف المساعدات الإنسانية كان بداية الخطة الجديدة، وذهاب اليمن إلى عودة الحصار البحري كان بداية الرد، وتولي الأميركي التحرّك فوراً ضد اليمن كانت مهمته فتح الطريق أمام الإسرائيلي للتحرّك ضد غزة، لأن اليمن صار هو قوة الإسناد التي تُربك داخل الكيان وتؤثر على أمنه وجبهته الداخليّة، ووظيفة الضربات الأميركيّة القاسية إضعاف قدرة اليمن على الإسناد باستهداف عمق الكيان من جهة ووضع القوى اليمنيّة في موقع الدفاع، فماذا في أجندة الحرب؟

– يعلم الأميركيّون والإسرائيليون أن أيّ حرب على اليمن وغزة محكومة بثلاث استحالات، استحالة أولى اسمها أن الشعب لن يستسلم، فأهل غزة لن يرفعوا الراية البيضاء ولن يقبلوا التهجير، وأهل اليمن لن يرفعوا الراية البيضاء ولن يتخلوا عن إسناد غزة، والاستحالة الثانية هي استحالة القضاء على المقاومة ومقدراتها، حيث قالت حرب السنة وربع على غزة واليمن أن المقاومة في البلدين تمتلك قدرة التمويه والإخفاء والتحصين والمناورة ما يتيح لها النجاة بما يكفي لمواصلة القتال، والاستحالة الثالثة هي استحالة كسر الإرادة، مهما قتل من القادة وتمّ التسبّب به من الخسائر فإن إرادة صناع القرار في البلدين لن تكسر ولن يتم التراجع عن سقوف التفاوض المعلومة. فهل بنى الأميركيون والإسرائيليون أهدافاً جديدة يسعون إلى تحقيقها؟

– امتلأت الصحف الإسرائيلية والأميركية في مطلع شهر تشرين الثاني 2023 بالكثير من المقالات والتحليلات التي تنقل عن خبراء أميركيين وإسرائيليين، والتي تتحدث عن تكرار التعاون الأميركي الإسرائيلي الذي شهدته الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982، وانتهت بإخراج مقاتلي وقيادات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وثمّة مَن يعتقد الآن أن هذا الهدف الذي كان مستحيلاً عامي 2023 و2024 أصبح ممكناً عام 2025 لعدة أسباب، الأول استشهاد القادة الرموز في حركة حماس، بعد اغتيال إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد ضيف، والثاني اغتيال السيد حسن نصرالله، والثالث إخراج لبنان والعراق من جبهات الإسناد، والرابع سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد وانتقال سورية إلى موقع جديد مختلف جذرياً عن محور المقاومة رغم العلاقة الثقافيّة بين حركة حماس والنظام الجديد، والخامس وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وبالتالي فإن جولة حرب قاسية لعدة أسابيع، يكون اليمن فيها تحت ضغط شديد ويكون القتل في غزة مفتوحاً بكل همجية ووحشية، يمكن أن تنتج مناخات تفاوضية تسمح بوضع تعديل إضافي على بنود اتفاق غزة، ولو بقي إنهاء الحرب وانسحاب الاحتلال ضمن بنود الاتفاق، مقابل إضافة البند الجديد وهو خروج البنية العسكرية والقيادية لقوى المقاومة وفصائلها من غزة.

– الفارق الجوهريّ بين عام 1982 وعام 2025 هو أن المقاومة الفلسطينية في غزة تقاتل فوق أرضها وليست في بلد آخر هو لبنان عام 1982، وهو ما لم يتمّ إدخاله على برامج الذكاء الصناعي التي نصحت باستنساخ النموذج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى