أولى

جولة جديدة في الحرب المتواصلة

 

 سعادة مصطفى أرشيد*

 

واهم مَن اعتقد أن الحرب قد انتهت، فقد كانت نارها لا تزال مشتعلة وأنها تحت الرماد، حتى عادت لتشتعل فجر أول أمس الثلاثاء وليأخذ القتال من طرف واحد ذروته. وللدقة فإن ما يجري هو قتل أكثر منه قتال، حيث لم يبقَ في غزة مَن يقاتل ولم يبقَ فيها بناء أو شارع، مدرسة أو مستشفى، جامع أو كنيسة. لم يبقَ فيها سوى أهلها الذين أصبح وضعهم أمام خيار القتل أو التهجير هو الهدف الوحيد المتبقي للحرب. من هنا تبدأ هذه الجولة وكأنّها الفصل الأكثر دمويّة في الحرب، وبما يفوق ما جرى على مدى 15 شهراً.
تفيد صحيفة ووال ستريت جورنال أن ترامب قد منح نتنياهو الضوء الأخضر لشحن الحرب وفعل ما يلزم، الأمر الذي أكدته أيضاً صحيفة معاريف العبرية. وبهذا يريدها ثنائي الحرب ترامب – نتنياهو جولة حاسمة إن استطاعا إلى ذلك سبيلاً، وهي ترتبط بالسياسة في مسألتين:
الأولى أن نتنياهو كان قد أعلن في بدايات الحرب أنه سيعمل على تغيير شكل الشرق الأوسط وإعادة تشكيله من جديد، وبما يختلف عن الشكل الحالي الذي تتحدّد في الجزء الثاني من الحرب العالمية الأولى من خلال اتفاقيات سايكس – بيكو ووعد بلفور واتفاقيّة سان ريمو ولم تجرِ عليه إلا تعديلات طفيفة منذ ذلك الحين.
الثانية هو ما طرحه ترامب في رؤيته لحل الصراع الدائر في فلسطين وعليها مرة واحدة وللأبد، ومشاريعه حول إعادة تشكيل غزة ما بعد الحرب، وذلك بتهجير أهلها إلى مصر والأردن وإلى أماكن أبعد، ومن ثم تحويلها إلى ريفييرا جميلة واستثمارات عقاريّة وسياحيّة، الأمر الذي جعل بعضاً منّا يظنّ أن هذه المشاريع ليست إلا فكرة عابرة تمّ تجاوزها والتخلّي عنها إما لعدم إمكانيّة تطبيقها أو للافتراض الخاطئ بأن الرفض الظاهريّ لها من الأردن ومصر كفيل بشطبها.
ثلاثة عوامل أشعرت نتنياهو بالقوة الزائدة:
العامل الأول الداخليّ بأن لديه حكومة مستقرة خاصة بعد عودة بن غفير إلى بيت الطاعة وهي حكومة من لون واحد، تمنح كامل صلاحياتها لرئيسها، وتقابل ذلك داخلياً معارضة تختلف مع نتنياهو لا مع الرؤى الإسرائيلية العامة، وهي ضعيفة، أما أصوات أهل الأسرى التي قد تكون مزعجة للحكومة ولكنها غير مؤثرة في عملية اتخاذ القرار.
العامل الثاني الدولي بأن الحكومة عموماً ونتنياهو خصوصاً يحصلان على دعم كامل من ترامب وإدارته، وهو أمر يختلف عن دعم إدارة بايدن الذي كان بدوره قوياً وغير محدود، لكن في الحالة القائمة يضاف إلى الدعم الانسجام في الرأي والأسلوب بين الرجلين وبين طواقمهما.
العامل الثالث هو الإقليمي فمحور المقاومة قد انكفأ ولم يبقَ إلا اليمن وهو مهم إن بعرقلته للملاحة في البحر الأحمر، وإن باحتمال تهديده لجواره الإبراهيمي المتصالح، وإن بصوته العالي والصادق، فيما تتراكم عناصر التردي والتهافت على النظام العربي ودول السنّة بشيوخهم وفضائيّاتهم التي ترقص على أنغام القصف الإسرائيلي وتتوضأ بالدم الفلسطيني المسموح، فيما لا تجد غزة من ناصر لها ينصرها او يشاركها الألم واحتمال الأذى إلا اليمن الشيعي الزيدي الذي يعتبره أهل السنة والجماعة رافضة وخارجاً عن الإجماع الإسلامي.
خلف الدخان المتصاعد من غزة يستمر نتنياهو في حربه على الأمة، وهذا ما ينتظر لبنان بالقريب وملامحه واضحة. وهذا ما يجري أيضاً في الشام بعد أن وصل عساكر نتنياهو إلى درعا في تنفيذ معلن لشقّ طريق داوود، ولإقامة دويلة وظيفيّة ذات طبيعة طائفية، وقد تجاوز ما احتله (الإسرائيلي) شرق الجولان مساحة لبنان، أما الضفة الغربية فها هي جرافاته تلتهم الشوارع والمباني خاصة في شمالها فيما مستوطنوه يقطعون الطرق ويصادرون الأرض ويسير المشروع (الإسرائيلي) المعلن بالضمّ والتهجير بسرعة قاطعاً أشواطاً وراء أشواط.
ماذا بعد؟
ونحن كاليتيم على مائدة اللئيم، ما الذي يمكن أن نأمله للخروج من هذا الواقع الكارثي في زمن لم تعد فيه معجزات نبوية أو خوارق غير متصوّرة، كما لا نستطيع التعويل على الصدفة كأن تسقط الطائرة بترامب أو أن يُصاب نتنياهو بسكتة قلبية، أو أن تهبط الهداية على ساسة النظام العربي. كل ما تقدّم لا يمكن التعويل عليه ولم يبقَ إلا أن نصمد ونبذل الدم واللحم والعظم من أجل الصمود والبقاء.

*سياسي فلسطيني
مقيم في الكفير ـ جنين – فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى