نقاط على الحروف

الحرب ليست انتقامية فقط وليست عبثية!

 

ناصر قنديل

 

– التزامن في التوقيت والتطابق في الأهداف بين الحرب التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اليمن والحرب التي أعلنها بنيامين نتنياهو على غزة ينفي أي مصادفة بين الحربين، ويؤكد أن إحدى الحربين في خدمة الأخرى، كما يؤكد أن ثمة خطة وراء الحربين وبنك أهداف ورؤية وحسابات، فما هي الوظيفة الأصلية للحرب الواحدة بفرعيها؟

– بدأ ترامب حربه على اليمن رداً على قرار العودة اليمنية الى الحصار البحري حتى يتمّ فك الحصار عن غزة وتدخل إليها المساعدات وفقاً للاتفاق الذي قامت واشنطن برعايته وشكلت الضامن لالتزام «إسرائيل» ببنوده، ورفع ترامب شعاراً أميركياً للحرب على اليمن يتصل بضمان الملاحة البحرية وسيطرة القوات الأميركية على الممرات المائية، لكنه عملياً أخفى الهدف الحقيقي للحرب، لأن الأهداف المعلنة كما يعلم ترامب وقادة جيوشه غير قابلة للتحقيق، لأن الملاحة البحرية لم يصبها الأذى إلا بعد إعلان الحرب على اليمن، وكان ما تضرّر هو حجم بسيط من هذه الملاحة يقصد الموانئ الإسرائيلية، أما استعادة السيطرة الأميركية على البحر الأحمر فقد بذلت لتحقيقه جهود ضخمة خلال سنة وعدة شهور وانتهت بالفشل. فما الذي تغير؟

– بدأ ترامب حربه قبل نتنياهو ليضمن تحييد الدعم اليمني عن غزة عندما يبدأ نتنياهو الحرب على غزة، فما تستطيعه القوات الأميركية هو خوض حرب استنزاف وإشغال وجذب الاهتمام والقدرات وتخفيض حجم قدرة اليمن على تقديم الإسناد لغزة، وهو إسناد يعلم ترامب ونتنياهو أنه يمسك نتنياهو من يده التي توجعه، وهي الجبهة الداخلية التي كانت تستفيق وتغفو على صفارات الإنذار وتهرع مذعورة إلى الملاجئ على إيقاع الصواريخ والطائرات المسيرة الآتية من اليمن، والمطلوب لإنجاح حملة نتنياهو الجديدة تخفيف هذا الإزعاج اليمني إلى أقصى حد ممكن. وهذا هو بالتحديد الهدف الأميركي من الحرب على اليمن.

– يدرك ترامب ونتنياهو أن سقف الحرب السابق بالقضاء على المقاومة فوق طاقة الحرب، وأن تهجير سكان غزة كذلك، وربما يكون هدف ترحيل مقاتلي حماس وقوى المقاومة وقادتهم وسلاحهم صعب التحقيق أيضاً، ولذلك في ما يجري اختبار الضغط بالقتل والتدمير والحصار والتجويع، وتفادي الحرب البرية منعاً للفضيحة التي يمثلها الفشل وعجز جيش الاحتلال عن تحقيق إنجاز حقيقي، ولذلك يجري التحضير لمبادرة تفاوضية تستوحي من اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان ما يمكن استنساخه في اتفاق غزة المعدل.

– ما دامت الشروط المحيطة بالمقاومة في غزة قد تغيّرت، فغاب القادة الرموز وتغير مشهد إسناد لبنان والعراق، ويتكفل الأميركي بالسعي الى تحييد اليمن، فلماذا لا يتم اختبار إمكانية أن يتيح الضغط بصيغته الجديدة التوصل إلى اتفاق يتضمن، إبعاد مقاتلي حماس إلى جنوب نتساريم، مثل إبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني، ويمنح جيش الاحتلال تحت شعار الدفاع عن النفس للطرفين، كما في اتفاق لبنان، فرصة مواصلة العمل العسكري والأمني على وتيرة أقل من الحرب، لكنها ربما تكون أفعل منها في ملاحقة المقاومين واصطيادهم.

– العقد التي تعترض الأميركي والإسرائيلي، تتمثل بضيق الوقت أولاً، حيث العالم مستنفر وجاهز للتحرك لوقف المذبحة في غزة، وقد بدأت التفاعلات الشعبية والسياسية تظهر على السطح مع الساعات الأولى للحرب، وضيق الوقت أيضاً يطال الداخل الإسرائيلي حيث قضية الأسرى تتحرك بقوة وتستجمع تيارات ومؤسسات وهيئات بصورة يتعاظم حجمها، خصوصاً مع مخاطر مقتل المزيد من الأسرى بفعل الحرب، ولعل عقدة اليمن حاضرة أيضاً لجهة انتباه اليمنيين إلى أولوية استهداف عمق الكيان السكاني والاقتصادي بهدف إسناد غزة، وتقديم هذا الهدف على استهداف القوات الأميركية رداً على الاعتداءات التي تشنها على اليمن، ويبقى الأهم هو ما يدركه الفلسطينيون منذ مجازر صبرا وشاتيلا أنه عندما يتركون سلاحهم فلا عهود أميركية قدّمها فيليب حبيب أو يقدمها ستيف ويتكوف سوف تحميهم.

– الحرب في جولتها الجديدة محكومة بتحقيق إنجازات سريعة قبل أن تتآكل قوة اندفاعها، ورغم صراخ ترامب ونتنياهو سيضطر صناع الحرب إلى وقفها بشروط لا تناسبهم ما لم تظهر فرص لتحقيق تقدم في مسارها، ووقف الاحتفال بعودة بن غفير الى صفوف الحكومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى