خطاب دستوريّ مدروس يشرح الرئيس

في كلمة ألقاها رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في الإفطار الرمضانيّ الذي تقيمه الرئاسة، وهو تقليد دأب عليه الرؤساء، يحضره رؤساء الطوائف وشخصيّات من كل الطوائف والمناطق منهم رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ورؤساء سابقون، تعبيراً عن مكانة العيش المشترك في فلسفة لبنان الوطن والدولة، أظهر الرئيس فهمه لهذه الفلسفة اللبنانيّة وكيفيّة ممارستها، بحيث يمكن التوقف أمام مفاصلها رغم طلاء البلاغة الذي غلّف الكلمة بالبيان والبديع والجناس والطباق.
تعمّد رئيس الجمهورية تقديم معادلتين دستوريين أساساً لكلمته، هما معادلة لا شرعيّة لسلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، ومعادلة الرئيس رمز وحدة البلاد، ليدور في فضاء هاتين المعادلتين كمدخل لصناعة دور الرئاسة التي لا تلزم نفسها إلا بما يلزمها به الدستور، وفي كل ما عداه هي نتاج ما يوحّد اللبنانيّين أو يتوحّدون حوله أو يجب أن يتوحّدوا حوله. فالوحدة هي نقطة انطلاق وهي هدف ومآل وصول ومبتغى نهايات، وهي مضمون وشكل معاً، والوحدة سلاحُنا في الحرب وموضوعُنا في الحرب نفسها، نقاتل لأجلها ونقاتل بها، وهي غاية ووسيلة في وقت واحد، أن نخطئ موحّدين خيرٌ من أن ننقسم على تحديد الصواب، وأن نُهزم ونحزن موحّدين خير من أن ينتصر بعضنا على بعض، بل خيرّ من أن ينتصر بعضنا من دون بعض.
لا يطلب الرئيس من أحد سواه أن يجعل الوحدة في هذه المكانة التي يقدّمها هو فيها، فهذه هي مهمته، ومهمته وحده. ويحق للبنانيين أن يتصرّفوا من حوله وأن ينصرفوا من حوله كيفما يشاؤون وكيفما يرتأون، لكن عليهم أن يفهموا أنّه لا يحق لهم أن يطلبوا منه أي قول أو فعل ما لم يتوحّدوا حوله، إلا ما كان هدفاً صريحاً ملزماً وفق الدستور، كحال السيادة، التي تقول بحصر حمل السلاح بيد الدولة، كما تقول برفض كل احتلال وعدوان بل بالقتال للتحرير وحماية الأرض والشعب مهما كانت التضحيات، وتقول برفض إملاءات الخارج باعتبارها مصدر ذلّ وهوان، وما لم يتوصّل اللبنانيّون إلى صناعة وحدتهم حول كيف يديرون جميع معادلات السيادة معاً، وفق خطة يتّفقون عليها. فالرئيس لن يكون في جبهة ضد جبهة، بل داعية حوار لصناعة هذه الوحدة.
هذا معنى قول الرئيس «وحدتنا هي أغلى ما نملك وأعظم ما نملك. هي قوّتنا وحصانتنا ومنعتنا وقدرتنا. هي سلاحُنا الأمضى وثروتنا الأغنى وخيرنا الأبقى. بوحدتنا هنا، نحفظ وطننا من كل عدوان وأطماع. بوحدتنا هنا، نستعيد كل حقوقنا ونحرّر كل أرضنا ونستعيد كل أسرانا. بوحدتنا هنا، نحقق ازدهار شعبنا واستقرار مجتمعنا واستقلال بلدنا. بوحدتنا هنا، نعيد بناء ما تدمَّر».
ليس مجرد بلاغة قول الرئيس «إن شرعيّة أي سلطة في لبنان، لبنان الكيان والوطن والدولة، هي في أن نكون معاً. أن نحيا معاً وأن نحيي حياتنا معاً. أن نصلّي معاً وأن نصوم معاً ونفطر معاً. أن نقاوم معاً. وأن ننتصر معاً».