رونين بار رئيس حكومة الكيان المقبل

كانت الصفات القيادية لشخصية بنيامين نتنياهو مقابل فقدانها لدى منافسيه أحد عوامل بقائه في رئاسة الحكومة وعودته المتكررة إليها، إلى حدّ أنه في الانتخابات المعادة بسبب استعصاء تسمية رئيس حكومة وتشكيل حكومة وصل إلى رئاسة الحكومة أشخاص بلا مقومات قيادية من أمثال يائير لبيد ونفتالي بينيت، تكفل وصولهما بالتناوب إلى رئاسة الحكومة لفترة حكومية واحدة بإقناع الناخبين بالعودة إلى نتنياهو.
من عائدات الحرب الأخيرة على كيان الاحتلال أنها كانت فرصة اختبار كشفت عقم الكيان وعجز الوسط السياسي فيه عن إنتاج شخصيات قيادية جديدة. وهكذا انتهى شخص مثل بني غانتس إلى الهامش وآخر مثل يوآف غالانت، وثالث مثل جدعون ساعر، إلى هامش الحياة السياسية، وتسبّبت حالة الشك بمصير الكيان القاتم في ظل رئاسة نتنياهو بإعادة طرح اسم شخصيات خفيفة متواضعة الإمكانات مثل بينيت وأفيغدور ليبرمان.
في أزمات مشابهة كانت الحروب تضيء على شخصيّة رئيس الأركان في جيش الاحتلال كشخصية مستقبلية لقيادة الكيان مع تهاوي مكانة رئيس الحكومة وعجز المعارضة، وهكذا لمع رموز مثل اسحق رابين وإيهود باراك اللذين وصلا إلى رئاسة الحكومة بعد العبور بوزارة الدفاع وبرز اسم موشي أرينز الذي بلغ وزارة الدفاع لكنه لم يصل إلى رئاسة الحكومة.
في الحرب الكبرى التي عصفت بالكيان، وتسبّبت بزعزعة أركانه، وأثارت جدلاً وجودياً حول بقائه، وأعادت النقاش حول علاقته بالغرب وموقع المستوطنين المتطرفين فيه، سقطت شخصيات تعاقبت على رئاسة الأركان ودخلت السياسة مثل بني غانتس وغادي ايزنكوت ويوآف غالانت، ولم تتأهل شخصية رئيس الأركان هرتسي هليفي للسياسة رغم الكثير من المعلومات المتداولة عن خلافاته مع نتنياهو، بسبب ضعفه أمام نتنياهو وخضوعه له خشية المساءلة عن مسؤوليته في أحداث طوفان الأقصى.
يصعد نجم رئيس الأمن العام الشاباك رونين بار كرمز للاشتباك مع نتنياهو من موقع الدفاع عن المصلحة العليا للكيان، وفي مفصل حساس عنوانه التفاوض حول ملف الأسرى، وفي الملف الكثير من قضايا السياسة والحرب والنظرة للوجود وألوان الطيف السياسي والعقائدي في الكيان.
تكشف معركة نتنياهو مع رونين بار حجم نفوذ رئيس الشاباك بما تثيره قضية إقالته في مستويات عديدة داخل الكيان، لم تتسبّب بمثلها إقالات لشخصيات يفترض أنها أشدّ أهميّة، فاتخذت هيئات اقتصادية مثل البورصة وهيئات أكاديمية مثل جامعة تل أبيب وسواهما من تجمّعات شكلت إطاراً للتظاهر الحاشد الذي ملأ المدن والساحات في الكيان بالمتظاهرين، وصولاً إلى ما أثارته القضية في المحكمة العليا، وما يمكن أن يترتب عليها لاحقاً.
ليست هناك سابقة وصول رئيس أحد الأجهزة الأمنية إلى رئاسة الحكومة، أو الدخول في معادلات السياسة، لكن عقم الكيان وخصوصيّة ما يمثّله رونين بار قد يكسران القاعدة. وفي حرب كهذه قد يبدو للكثيرين أن نتنياهو بطل منتصر فيها، يبدو لمن يتعمّق في تداعياتها، أنها آخر حروب «إسرائيل»، وأن لا مكان لنتنياهو بعدها في السياسة، وأن خليفته يجب أن يوحي بالثقة على قيادة الكيان بهدوء وبلا مبالغات نحو استقرار سياسيّ وأمنيّ يحاكي حقيقة موازين القدرة على خوض الحروب، ينتمي إلى النخبة ذاتها التي لا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، لأن الكيان إن كان قد نضج للخروج من الحروب فهو لم ينضج بعد للانخراط في التسويات، ولهذه المهمة يتقدّم اسم رونين بار.