أيُّها النواب المحترمون: المساءلة هي الطريق مع وزير الخارجيّة لا المساجلة

ناصر قنديل
منذ تولّيه وزارة الخارجية آتياً من السلك الدبلوماسي السفير يوسف رجّي، والوزير يدأب على إطلاق تصريحات تدور حول فكرة الربط بين مطالبة العدو الإسرائيلي، كما تصفه الأدبيات اللبنانية الرسمية، بتطبيق موجباته في القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار، بما يعتبره موجبات لبنانيّة لم تطبَّق، وهي موجبات القرار 1559، والمقصود نزع سلاح حزب الله.
كلام الوزير ينمّ عن العداء للمقاومة، وهذا حقه كمواطن وسياسيّ، لكنه سوء استعمال للسلطة عندما يصدر عنه كوزير في حكومة لا تعتبر حزب الله عدواً، بل تمثله بوزيرين في الحكومة بالطريقة ذاتها التي يمثل فيها الوزير رجي حزب القوات اللبنانية، لكن الأهم أبعد من ذلك بكثير، فالوزير يكشف كعامل آتٍ من السلك الدبلوماسيّ عن جهل فاضح بأصول الدبلوماسية، وعن سوء فهم لمهمة وزير الخارجيّة، وعن ضعف في القدرة على استيعاب القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار، وعن شرود ذهني في قراءة البيان الوزاريّ للحكومة وفي فهم خطاب القَسَم لرئيس الجمهورية، ما يستدعي منّا نحن الذين نتابع الشأن العام ككتاب وباحثين أن نفكك نصوص ومفاهيم السيد الوزير ونكشف ضحالتها ومخالفاتها الدستورية والقانونية، لكن يملي على النواب أن يفعلوا شيئاً آخر.
قلنا إن الوزير يمارس سوء استعمال للسلطة عندما يخصّص خطابه للتعبير عن موقف حزبه بالعداء لحزب آخر في الحكومة، يتمثلان فيها بالمستوى ذاته، لأن سلطته كوزير للخارجية يحدّدها البيان الوزاري للحكومة وليس الموقف السياسيّ لحزب القوات اللبنانية، وموقف وزير الخارجية من السياسة الخارجية للبنان يشبه من زاوية حجم تحميل الدولة المسؤولية عن ما يقول، كلام رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ولو أنّه يأتي بعدهما من زاوية التراتبية، لكنه كرئيس للسلك الدبلوماسيّ يعبّر بدقة أعلى من سائر المسؤولين عن سياسة الدولة، وعندما يستغلّ هذه الصفة لتصفية حساب سياسي مع حزب خصم مشارك في الحكومة، بصورة تصيغ موقف الدولة على عكس حقيقته، يتعدّى الأمر سوء استعمال السلطة، الى سقوط الأهليّة لتولي الوزارة، لأنه مخاطرة بالتفريط بمصالح لبنان الوطنية، وإضعاف لقوة موقع لبنان التفاوضيّة، وإساءة لصورة لبنان الدبلوماسية ولمواقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التي يسهل اكتشاف اختلافها الجوهريّ عن مواقف الوزير.
القضيّة ببساطة ليست في الإقرار بأن القرار 1559 جزء من القرار 1701، ولا في النقاش حول حق الدولة بحصريّة حمل السلاح، فهذه قضايا لبنانية لا يختلف حولها اللبنانيون، بل يختلفون حول توقيت تطبيقها السياسيّ بالقياس لأولويات يجب تحققها قبل استحقاق هذه الموجبات، بين مَن يقول بأن استعادة الأراضي المحتلة وضمان وقف الاعتداءات أو امتلاك قوة ردع لمنعها، هي شروط واجبة للبحث بحصرية السلاح بيد الدولة وتطبيق سحب سلاح المقاومة المقصود بالقرار 1559، وهناك مَن يرى العكس ومنهم الوزير وحزبه، فماذا يقول القرار 1701 وماذا يقول اتفاق وقف إطلاق النار وماذا يقول البيان الوزاري وماذا يقول خطاب القَسَم؟
القضية تدور حول موجبات العدو الإسرائيلي بالانسحاب ووقف العدوان، وخطورة ربطها بموجبات لبنانية كمثل نزع سلاح المقاومة، بصورة تنسف كل مشروعية المطالبة اللبنانية بما تصفه خطابات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومعهما تصريحات وبيانات اليونيفيل واللجنة المشرفة على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، بالانتهاكات الإسرائيلية للقرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار، والوزير ليس أشدّ حرصاً من رئيس الجمهورية على خطاب القَسَم وحصريّة حمل السلاح بيد الدولة، ولا أشدّ حرصاً من رئيس الحكومة على تطبيق البيان الوزاريّ وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية، لكن خطاب القَسَم والبيان الوزاريّ قدّما خريطة طريق لبلوغ هذه الأهداف، تنسفها تصريحات الوزير وتحوّل خطاب القَسَم والبيان الوزاري إلى أدوات بيد العدو الإسرائيلي لاحتلال الأرض اللبنانيّة والاعتداء على السيادة اللبنانية، فما هي خريطة الطريق التي ينسفها الوزير؟
في خطاب القَسَم والبيان الوزاريّ ثلاثيّة بديلة لثلاثيّة الشعب والجيش والمقاومة. هذا صحيح، لكنّها ليست ثلاثيّة الوزير بنزع سلاح المقاومة أولاً ثم مطالبة الاحتلال بالانسحاب وانتهاء باتفاق سلام وتطبيع، كما يصرّح كثيرون من زملاء الوزير في حزبه، ولو لم يصرّح بذلك بعد. وثلاثيّة خطاب القَسَم والبيان الوزاري، هي سيطرة الجيش اللبناني على منطقة جنوب الليطاني، منطقة تمارس فيها الدولة حصريّة حمل السلاح وتبسط سلطتها عليها كاملة بقواها الذاتية حتى الحدود الدوليّة، بما يعني انسحاب الاحتلال ووقف اعتداءاته أولاً، بعدما انسحبت المقاومة وأنهت وجودها المسلح لصالح الجيش اللبناني في هذه المنطقة، وبعد نجاح الدولة ببسط سلطتها بقواها الذاتية على كامل الأراضي اللبنانية بين نهر الليطاني والحدود المعترف بها دولياً، لتطبيق استراتيجية للأمن الوطني، تحدد مستقبل سلاح المقاومة من ضمن رؤية ترتكز على هدف حصريّة السلاح بيد الدولة وتوفير مقوّمات الدفاع عن لبنان. وهذه الاستراتيجية تأتي حصيلة حوار وطني نص عليه خطاب القَسَم وتبنّاه البيان الوزاري، ويأتي ثالثاً بعد الانتهاء من المراحل الانتقالية التي تلحظها الاستراتيجية الدفاعية وصولاً لتطبيق مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة، الذي يشبه كهدف وطني إلغاء الطائفية السياسية المنصوص عليها كهدف وطني في الدستور، لكن الدستور لحظ لها أحكاماً انتقالية لم تطبق بعد، ودعا لتشكيل هيئة حوار وطني لوضع خطة مرحلية لبلوغ هذا الهدف الوطني، والهيئة لم تشكل بعد، لكننا لا نجد وزيراً من مؤيدي إلغاء الطائفية كمثل تأييد وزير الخارجية لنزع سلاح المقاومة، ويخرج على هواه ويشكك بدستورية مؤسسات الدولة لأنه لم يتم بعد إلغاء الطائفية؟
بالعودة إلى القرار 1701 لا حاجة لإطالة النقاش، فإن النص واضح، وبدرجة وضوح الأهداف ذاتها ومنها القرار 1559 واتفاق الطائف مقترنين ببعضهما، ووضوح في تدرج التطبيق، حيث ينص القرار على ثلاث مراحل تبدأ بتدرج المرحلة الأولى من البنود 1 إلى 7 في عنوان وقف الأعمال الحربية والعدائية، على لبنان خلالها واجب نشر الجيش ووقف حزب الله لإطلاق النار، وعلى العدو الإسرائيلي الانسحاب الفوري من كل المناطق اللبنانية المحتلة حتى الخط الأزرق ووقف كل الأعمال العدائية الأخرى. وفي الفقرة 7 “يؤكد أنه على كل الأطراف السهر على عدم حصول أي عمل مخالف للفقرة الأولى، يمكن أن يكون مضراً بالبحث عن حل طويل الأمد». ثم بعد المرحلة المرفقة بمعادلة زمنيّة هي فوراً، تدخل المرحلة الثانية التي يسبقها تمهيد يتصل بالانتهاء من المرحلة الأولى، وهي مرحلة تهدف للبحث عن حل دائم وتتضمن إنشاء منطقة جنوب الليطاني الخالية من غير سلاح الدولة اللبنانية. ثم تدخل المرحلة الثالثة وفيها جمع ما تبقى من قضايا النزاع والحل الطويل الأمد، وعنوانها البدء بتفاوض غير مباشر يديره الأمين العام للأمم المتحدة لاقتراح حل حول المناطق المتنازع عليها خصوصاً في مزارع شبعا، ومعها مقترحات للأمين العام يستخلصها من الحوار مع الأطراف المعنيّة والجهات الدولية حول موجبات اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680.
أما اتفاق وقف إطلاق النار الذي بُني على القرار 1701، وهو في كل حال كما يفترض أن يعرف الوزير أدنى مرتبة من حيث القوة القانونيّة من القرار الأممي، فيختلف ببرنامجه التنفيذي عن القرار 1701 في نقطتين حصراً، حيث بدلاً من فوراً منح مهلة ستين يوماً لتطبيق موجبات وقف الأعمال العدائية وفي مقدّمتها الانسحاب، وعلى كل حال قد انتهت المهلة وانتهى التمديد الإضافي لها، وبدلاً من جعل مرحلة إنشاء منطقة جنوب الليطاني منطقة لحصرية لسلاح الدولة اللبنانية وقوات اليونيفيل مرحلة لاحقة لإنهاء الأعمال العدائية قام الاتفاق بدمجها بها، وهما تنازلان قدّمهما لبنان من موجباته في القرار 1701 تسهيلاً لتطبيق باقي بنود القرار، من جانب الاحتلال، وهو رغم ذلك لم يطبق، بينما طبّق لبنان كل ما عليه وفق القرار والاتفاق، كما يقول رئيس الجمهورية ويقول رئيس الحكومة وتقول بيانات الجيش اللبناني، وبيانات اليونيفيل، وبيانات وتقارير اللجنة المشرفة، ولا ينكر على لبنان ذلك إلا العدو الإسرائيلي ووزير خارجيتنا المفترض أنه حامي حمانا الدبلوماسية؟
مع كل الاحترام لمواقف النواب التي سجلت اعتراضاً على كلام الوزير، فإن ما يمثله هذا الكلام من خطورة يستدعي من الحكومة موقفاً صريحاً وواضحاً علنياً ومسلكياً، ويوجب على النواب التوجه إلى الحكومة بأسئلة واستجوابات وصولاً إلى طرح الثقة بالوزير، إذا اقتضى الأمر.