اليمن وحده يكسر الصمت المريب!

د. محمد سيد أحمد
قبل بدء العدوان الصهيونيّ مجدّداً على غزة، كانت اليمن قد قامت بخطوة استباقية، بعدما تلكّأ العدو الصهيوني في تنفيذ الاتفاق في ما يخصّ المرحلة الثانية، ووضع العراقيل أمام المقاومة الفلسطينية، وحصار وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة، حيث أعلن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي «أنّ اليمن لن يقف متفرّجاً على ما يقوم به العدو «الإسرائيلي» من تجويع لأهل غزة، وأنه من المؤسف أن يكون الموقف العام للأنظمة في العالم الإسلامي في أغلبها وفي العالم العربي موقفاً بارداً، فليس هناك أيّ تحرك جادّ لمنع ما يقوم به العدو «الإسرائيلي» من تجويع تامّ لأهل غزة، بل وصل الحال بالعدو الآن إلى السعي لتعطيش أهل غزة والسعي لمنع الماء عنهم، فمن يتابع ما يجري في غزة يلحظ حجم المعاناة الكبيرة والمأساة الكبيرة، لذلك فهناك مسؤولية على أمتنا قبل غيرها، وعلى كلّ شعوبنا للتحرّك الجادّ لمنع جريمة التجويع في غزة، وحينما تفرّط الأمة في مسؤوليات كبيرة وعظيمة ومقدسة ومهمة وضرورية فإنّها تفتح الأبواب للشر على نفسها، فالأميركي و»الإسرائيلي» أصحاب أطماع كبيرة ومشاريع عدوانية إجرامية يستهدفون بها أمتنا، لذلك كان موقف بلدنا وقراره في الإسناد للشعب الفلسطيني هو حظر الملاحة «الإسرائيلية»، بهدف الضغط على العدو «الإسرائيلي» من أجل فتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وإنهاء التجويع، نحن شعب يمن الإيمان والحكمة لا يمكننا أبداً أن نتفرّج تجاه ما يجري في غزة».
وبناءً على هذه الخطوة الاستباقية تحرّك العدو الأميركي وأعلن عن جولة جديدة من العدوان على اليمن مسانداً للعدو الصهيوني، حيث نفذ عدة غارات وعمليات قصف بحرّي على المنازل والأحياء السكنية في العاصمة صنعاء وفي عدد من المحافظات الأخرى، أسفرت عن ارتقاء العشرات من الشهداء والجرحى. ولم يرهب هذا العدوان الأميركي اليمن، وجاء الردّ اليمني باستهداف حاملة الطائرات الأميركيّة هاري ترومان وعدد من القطع التابعة لها في شمال البحر الأحمر، وذلك بعدد من الصواريخ الباليستية والمجنّحة والطائرات المُسيّرة في اشتباك استمرّ عدة ساعات. ونجحت القوات المسلحة اليمنية في إفشال هجوم معادٍ واضطرت الطائرات الحربية الأميركية المحلّقة إلى العودة من حيث انطلقت. وفي تلك الأثناء وجهت لي دعوة من قناة «النيل» للأخبار، وكان سؤال المذيع هل سيؤدي العدوان الأميركي على اليمن لتحييده ومنعه من مساندة الشعب الفلسطيني في غزة؟ وكانت إجابتي السريعة والقاطعة أنّ اليمن مهما كان حجم العدوان لن يتوقف عن دعم فلسطين، ولمن لا يعرف اليمن عليه تأمّل السطور التالية…
اليمن هي أصل العرب وشعبها هو الأنبل على الإطلاق، اليمن واحدة من أعرق الحضارات في تاريخ البشريّة، وهي الدولة العربية التي عجز الاستعمار عن احتلالها في عصرنا الحديث نتيجة لعدة عوامل إيكولوجية وثقافية وجغرافية، فمن بين ما هو إيكولوجي تلك التركيبة السكانية الفريدة للشعب اليمنيّ، فرغم الحضارة والتاريخ والتقدّم التكنولوجي المذهل الذي طرأ على العالم وحوّل كوكب الأرض إلى قرية كونية صغيرة تغلب عليه ثقافة العولمة التي هي ثقافة الغالب الحضاري وهو الولايات المتحدة الأميركية المستعمر الجديد في العالم الذي يمتلك مشروعاً يسعى لتقسيم وتفتيت الوطن العربيّ على أرضية طائفية ومذهبية وعرقية، إلا أنّ التركيبة اليمنية لم تتأثر بهذه الثقافة الوافدة التي فرضت على مجتمعاتنا بل هيمَنت على الأجيال الجديدة بشكل كامل نظراً للتكوين القبائلي والعشائري المتماسك.
وبالطبع تلك التركيبة الإيكولوجيّة تتمتّع بالعصبية الشديدة والعند والثأر، لذلك فالشعب اليمنيّ شعب مسلح، فامتلاك السلاح وحيازته في إطار التركيبة القبائلية والعشائرية ليسا حكراً على المؤسسات الأمنية (شرطة ـ جيش) للدولة، بل هما متاحان لكلّ السكان وأحد مظاهر التباهي فلا يوجد بيت ليس فيه قطعة سلاح أو أكثر لدرجة أنّ التقديرات المتاحة لقطع السلاح تقول إنها تقترب من مئة مليون قطعة سلاح، لذلك ليس من السهل وفقاً لهذه المعطيات الإيكولوجية والثقافية غزو اليمن أو إرهابه أو احتلاله، أضف إلى ذلك البعد الجغرافيّ حيث الطبيعة الجبليّة الوعرة التي تمنع أيّ تدخل عسكري برّي لأنه سيكون ورطة كبيرة للمعتدي على الأرض اليمنيّة.
وقد سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى تقسيم وتفتيت اليمن العربية ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد قبل عقد ونيّف ولم تجد غير الورقة الطائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة لتعمل بها في الداخل اليمني، هذا إلى جانب ورقة الجماعات التكفيرية الإرهابية، والجنرال إعلام كان جاهزاً دائماً، وأموال النفط الحرام حاضرة لتنفيذ المؤامرة كالعادة، وحين ظهرت بوادر الربيع العربي المزعوم والذي أكدنا في حينه أنه ربيع عبري بامتياز كان الشعب اليمني لديه من الأسباب والمبرّرات الكثيرة للخروج ضدّ نظام سياسيّ حاكم يتصف بالدكتاتورية والفساد والتبعية، وكما حدث في بعض الدول العربية التي تحرّكت شعوبها ضدّ هؤلاء الحكام مسلوبي الإرادة والذين رسخت سياساتهم الفقر داخل مجتمعاتهم، كان الأميركان جاهزين للتدخل السريع لإجهاض الثورة وتحويلها إلى حرب أهلية مستغلّين التنوع الطائفي والمذهبي والعرقي داخل المجتمع اليمني، ذلك التنوع المتعايش منذ آلاف السنين والهدف معروف تقسيم وتفتيت اليمن للاستيلاء على خيراته من ناحية واستغلال موقعه المتميّز والسيطرة على مضيق باب المندب أحد أهمّ المنافذ البحريّة في البحر الأحمر، ورغم كلّ المحاولات الأميركية إلا أنّها فشلت في الإطاحة بالحوثيين أحد أهمّ مكونات المجتمع اليمني التي تمكنت من السيطرة على الحكم، وخاضت حرباً دامت ما يقرب من عقد فشلت معها عاصفة الحزم المدعومة أميركياً من إسقاط النظام الجديد الذي تقف خلفه الآن الغالبية العظمى من الشعب اليمني.
وعندما انطلقت عمليّة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، وبدأ العدوان الصهيونيّ على غزة، أعلنت القيادة الجديدة للشعب اليمنيّ دعمها الكامل للمقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة، وفرضت سيطرتها الكاملة على البحر الأحمر وباب المندب، في ظلّ وجود العدو الأميركيّ وأعوانه بأساطيلهم البحريّة، وانطلقت المُسيّرات اليمنيّة صوب كلّ سفينة ترفع أعلام العدو الصهيونيّ، وضدّ كلّ سفينة تحاول الاقتراب من السواحل الفلسطينيّة المحتلة، وأصابت الصواريخ اليمنيّة الموانئ الصهيونية، وشكلت المقاومة اليمنية جبهة إسناد قوية للمقاومة الفلسطينية، وأعلنتها صراحة بأنّها لن تتوقف عملياتها العسكرية قبل وقف العدوان الصهيوني على غزة، وكان ردّ فعل العدو الصهيونيّ ومن خلفه العدو الأميركي توجيه بعض الضربات العسكرية لليمن، لكن الردّ اليمنيّ كان جاهزاً في كلّ مرة، وعندما تمّ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة توقفت العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر، وعادت الملاحة إلى وضعها الطبيعي، واليوم ومع عودة العدوان الصهيوني مرة أخرى على غزة، كانت اليمن وحدها القادرة على كسر حاجز الصمت المريب سواء عربياً أو ودولياً، وأمطرت سماء تل أبيب بوابل من الصواريخ الفرط صوتية، وأخرجت مطار بن غوريون من الخدمة، ولا يزال الشعب اليمني يقول وبشكل عمليّ نحن أصل العرب، ونحن الأنبل على الإطلاق، اللهم بلغت اللهم فاشهد.