معايير النجاح والفشل

في خضم التدفق الإعلامي وهيمنة مؤسسات تملك إمكانات هائلة على التحكم بأدوات صياغة الرأي العام، وفي مشهد تتداخل فيه عناصر القوة والضعف والنجاح والفشل والخسائر والأرباح، على ضفاف الصراع المتقابلة، تصبح رواية نصف الحقيقة كافية لتشويش الرأي العام، لأن التركيز على خسائر طرف وأرباح خصمه وهي معطيات واقعية يُعطي صورة غير واقعية عن المنتصر والمهزوم، لأن هناك صورة ناقصة هي الخسائر التي تلقاها مَن وصف بالمنتصر والأرباح التي حققها مَن وصف بالمهزوم.
إقامة ميزان الأرباح والخسائر لطرفي الصراع ليست بالسهولة التي يمكن توقعها، خصوصاً عندما نتحدث عن عناصر غير قابلة للقياس، مثل الحالة المعنوية، وتماسك الجبهة الداخلية، أو اتجاهات الرأي العام، وسواها من عناصر تحتمل الاجتهادات المتعاكسة، ما يجعل مهمة تشكيل رواية موضوعية لدى الرأي العام حول حاصل الحرب أعقد مما يمكن افتراضه.
أمامنا ساحتان مثاليتان لصحة ما نقول، هما لبنان واليمن، حيث الرواية الرائجة هي أن المقاومة خسرت و”إسرائيل” تفوّقت وانتصرت بالتالي في لبنان، وكل ما يجري من اعتداءات بلا رادع يعتبر دليلاً على هذا النصر، بينما في اليمن فالرواية الرائجة هي أن واشنطن تحقق إنجازات هامة في ضرباتها لليمن وأنها تمكنت من ضرب مراكز الصواريخ والطائرات المسيرة وأنها أخرجت قيادات كثيرة من اليمنيين من ساحات القتال.
لتسهيل مهمة البحث عن جواب علمي نحتاج إلى امتلاك معيار لا يقبل الطعن، ويمكن رؤية نتائجه ومعادلاته بسهولة، ولا يمكن إنكار الوقائع التي يعتمد عليها، وهنا نكتشف أن قضية كيان الاحتلال منذ شن الحرب على لبنان كانت ضمان عودة النازحين الى المستوطنات الشمالية، بينما كانت قضية الأميركيين منذ شن الحرب على اليمن فتح البحر الأحمر أمام السفن المتجهة إلى كيان الاحتلال ووقف استهداف الكيان بالصواريخ اليمنية.
ببساطة نستطيع التعرف على حاصل الحرب من خلال فحص الحال بالنسبة لمستوطني شمال فلسطين وعودتهم، فنعرف إذا كان الكيان قد خرج منتصراً أم أن المقاومة رغم كل ما أصابها وبعض غيابها لا تزال سبباً كافياً لعدم عودة المستوطنين، كذلك يمكن النظر إلى حصار البحر الأحمر والتعرف على ما أنجزه الأميركيون في إنهائه، والنظر إلى تساقط الصواريخ اليمنية على عمق الكيان ورؤية مدى نجاح الأميركيين بإيقافها.
ما دام الحصار البحري على الكيان مستمراً، وما دام الحصار الجوي قد أضيف إليه كإنجاز جديد، فإن اليمن هو المنتصر، وما دام مستوطنو شمال فلسطين يرفضون العودة، وطالما أن نازحي جنوب لبنان يعيشون قرب ركام منازلهم تحت نيران الاعتداءات الإسرائيلية، فإن المقاومة هي التي انتصرت.