جيش نبوخذ نصر… وحكومة ماري أنطوانيت
توما عباس
لا يستطيع أيّ منا عند ذكر الجيش العربي السوري إلا الخشوع له… جميع الذكريات المرتبطة بأفراد هذا الجيش تجعلنا نتذكّر مدى التضحيات والشهداء والحصار والجوع والخطف والذبح والقتل الذي تعرّضوا له… ما مرّ على هذا الجيش لا يمكن أبداً أن يمرّ على غيره من الجيوش، فكلّ الجيوش حاربت جيوشاً إلا الجيش السوري حارب ما هو أكبر من هذا… مرتزقة وقتلة وإرهابيين وتمويل من عشرات الدول وحرب عصابات وشوارع… حرب إعلامية وانشقاقات وضغوط نفسية ولعب على أوتار الطائفية… هذا الجيش الذي يفوق بالتصوّر جيش نبوخذ نصر الذي كتبت عنه الروايات والأساطير القديمة…
جيشنا البطل الذي دافع عن كلّ شبر حارب في أقسى الظروف وعلى مساحة واسعة وحدود شاسعة، مجرمين من درجة الإرهاب لا قلب لهم ولا رحمة… أفراد جيش سقطوا دون الوطن فارتقوا منارات تعلّم الكون بأسره كيف يكون الوفاء للوطن وكيف تكتب الأساطير وترسم الأيقونات وتنزّل الأسفار وتنظم المعلقات…
وعند ذكر الجيش وشهداء الجيش لا بدّ للذاكرة من أن تعرّج على أهل هؤلاء الأبرار، أمهاتهم وآبائهم وأطفالهم وزوجاتهم أو حتى حبيباتهم وكلّ ما يمت لهم بصلة، صبرهم وجلدهم… كم من أهل شهيد دخل المعزون عليهم فوجدوا العزاء فيهم؟ كم من أمّ صرخت ولدي فداء للوطن؟ وكم من أطفال قالوا سنكمل المسير… شعبي العظيم… شعبي المقاوم… شعبي الرائع…
وعند ذكر الجيش والشهيد والشعب والوطن وشجون الوطن وآلام الوطن يجب أن نعرّج على حكومة الوطن الكريمة، الراعي الرسمي للقمة الشعب وليرة الشعب، واقتصاد الوطن، وهنا تبدأ الشجون الحقيقية… رحم الله ماري أنطوانيت ملكة فرنسا سابقاً، لربما شاءت الأقدار لتلك الملكة أن ترحم مراراً وتكراراً منذ الحرب على سورية حتى الآن… لأنني كلما سمعت تصريحاً أو تصرّفاً لمسؤول من درجة رئيس وزراء إلى وزير إلى مدير عام إلى موظف أترحّم على تلك الملكة وأقول: ربما كانت جاهلة لا تعلم أنّ «البيسكويت» الذي طلبت من أبناء شعبها تناوله في حال لم يجدوا كسرة خبز واحدة هو أغلى بألف مرة من الخبز، وانّ بلاطها وقصور نبلائها هم وحدهم من يملكون ثمنه، فأجد لها عذراً وأحزن لغبائها الشديد… لكن عندما يخبرني في بلدي مسؤول كان منذ أيام من عامة الشعب بأنّ عليّ أن أتناول الزيت والزعتر في حال لم أقدر على شراء البيض، فهذا من أين أستطيع الحصول له على أعذار؟ عندما لا يعرف سيادة الوزير انه بحساب بسيط ستكون تكلفة الزيت والزعتر أكثر بكثير من البيض… ألا يعلم السيد الوزير إلى كمّ وصل سعر صفيحة الزيت ولو من أردأ أنواعه؟ وألا يعلم أنّ الزعتر دخل في سباق الأسعار… آه عزيزي الوزير من قلبي أرغب في إيجاد عذر لك… لكني سأجد لك عزاء واحداً أنك لست وحدك في هذا… فإذا تركنا على سبيل المثال لا الحصر الوزارات التي صارت حيادية جداً مثل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلا في ما يتعلق بالمعونات… ووزارة الثقافة إلا في ما يتعلق بإلقاء الأمسيات الشعرية… ووزارة التموين والتجارة الداخلية إلا في ما يتعلق بالتصريحات الهزلية ودوريات التموين التي تمرّ لجباية المعلوم متجاهلة الأسعار وجنون الأسعار وفقدان الآلية الحقيقية للتسعير… ووزارة البيئة التي وزيرها أصابه الملل من الكلمات المتقاطعة وتحوّل إلى السودوكو على الرغم من الكوارث البيئية التي تحدث من جراء الكيماوي وتراكم الزبالة وتدني ثقافة الفرد البيئية… إلى آخره من الوزارات التي أصبحت مجرّد تسميات بدون برامج وإعلام ومحاولات لدرء الأخطار ولو نسبياً عن المجتمع… فلن يكون من المناسب أن نترك مثلاً وزارة الكهرباء التي تتلقى الصدارة في رفع الضغط فمثلاً سيدي وزير الكهرباء لا اعتراض على حكم الله وعلى قلة موارد الوزارة من الفيول بأنواعه ولا على التخريب المتعمّد لمحطات الكهرباء من قبل المسلحين، لكن كان أضعف الإيمان هو الالتزام بمواعيد القطع والإعلان عن المواعيد الجديدة على المحطات التلفزيونية والراديو ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد أصبحنا كالأطرش بالزفة وتفاجئك الكهرباء على حين غرة بأنها انقطعت بمعدل أربع لخمس قطعات في الساعة، معرّضة المواطن والأجهزة الكهربائية لديه للانفجار… السيد وزير الصحة ما أخبار الأدوية وأسعار الأدوية والطرق التي تصل بها الأدوية كم صرنا نحتاج لقرص دواء للانتحار على فرض أنّ المادّة الفعّالة في قرص الدواء أصبحت متدنية جداً، وبما انّ إيجاد بديل في المكان والتسهيلات للمصانع اللي تخرّبت هي شيء تتشاركه مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية… السيد وزير التربية العزيز ماذا بشأن المناهج التي تتجدّد مثل أوراق الشجر في كلّ فصل، وماذا عن الأخطاء التي تتواجد في كلّ كتاب؟ وماذا عن أسعار الكتب الذي أرتفع بشكل كبير؟ وماذا عن الكذب الذي يدرّس في مادة التاريخ وعن مادة الإسلامية التي تضطر الطالب المسيحي إلى الخروج من الحصة؟ على الأقلّ عليكم مراعاة المؤاخاة بين الأديان، وهذا أمر تتشارك فيه وزارتكم الكريمة مع وزارة الأوقاف التي صرفت من المال الكثير لبناء جامع يسمّى مريم بدلاً من صرفه على تحديث المناهج وتوفير الكتب وتحديث التعليم وطرقه وأساليبه، أليس ذلك أقرب الى الله سيادة وزير الأوقاف… السيد وزير الإعلام هل أدركتم بعد أننا نعاني ويلات الحرب بما لا يتناسب مع المسلسلات الشامية القديمة و«تغطي يا حريمة» و«الواه الواه» وخناقات النسوان و«هيدي شواربي» وعنتريات شرقية لا طعم لها ولا لون ولا رائحة ولا حفلات الفقش والرقص والغناء وحتى ضعف الأداء في نقل المعلومة ووضع اليد على الفساد وإلقاء الضوء على المخالفات والأخطاء وإيصال صوت المظلومين وأقلّ الأيمان سيدي عدم اعتبارنا مغفلين… ضعف الليرة أمام الدولار وارتفاع مشتقات النفط وضعف الدعم المقدّم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي كانت ستشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد والكثير من الأشياء التي تحتاج إلى مقال خاص بها… إضافة إلى تدني المستوى الوطني المطلوب والمسؤولية لدى كلّ مسؤول منكم… والكثير الكثير من الممارسات أوصلتنا إلى حدّ اليأس والقنوط والغضب… أصبح وضعاً لا يطاق، أرجوكم لا تغرّدوا خارج السرب ولا ترحلوا بعيدا في الضباب… أنتم كنتم يوماً ما منا، أنتم من هذا الكوكب لا ترتقوا أبراجكم العاجية، الوطن ليس مسؤولية الجندي في أرض المعركة فقط، بل هناك معركة أخرى أكثر شراسة أنتم جنودها… هناك الكثير من الدول خرجت من أزماتها منتصرة باقتصاد قوي بالرغم من كلّ العقوبات والصعوبات، فما الذي لا يجعلنا واحدة من تلك الدول؟
أعذروني فلكلّ ما قلت دافع وحزن كبير فعندما أرى أيقونة الجيش والشعب والقائد… وأسطورة الشهيد وأهل الشهيد… ومعاناة الفقير وصمته ووقوعه بين سندان التاجر اللئيم ومطرقة الحرب المجرمة… أجدني غير قادرة على الصمت… لوطننا السلام… لشعبنا النصر… لشهيدنا الخلود… لجيشنا الصمود… ولكم تحية.