العبث بالتسويات مخاطرة غير محسوبة
ناصر قنديل
– بات واضحاً أن المشاريع التي حملها كل من الأطراف المعنية بالملف الحكومي لا تشبه التسوية التي باتت على الطاولة اليوم. فالحل النموذجي بالنسبة لتيار المستقبل ورئيسه رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري كان عودته لرئاسة الحكومة بشروطه، ومضمونها حكومة طوع بنانه يحكم بواسطتها ويتحكم بها وعبرها برسم السياسات الاقتصادية والمالية، ويستقبل عبرها المساهمات المالية التي تعوّم نموذج إطلاق يديه في الحكم، تمهيداً لتوظيف ذلك في معاركه السياسية والانتخابية اللاحقة بوجه الغالبية النيابية، التي يسعى ويأمل باستعادتها عبر انتخابات مبكرة بقانون جديد يناسبه ويناسب حلفاءه يستند إلى النسبية والمحافظات الخمس، ولا يمكن لثنائي حركة أمل وحزب الله رفضه؛ بينما الحل النموذجي بالنسبة لثنائي حركة أمل وحزب الله كان بعودة الحريري وحكومته التي استقالت بنسخة منقحة، لا يتعدى تنقيحها حدود القبول بوزراء اختصاصيين يمثلون مكوّنات الحكومة ويحفظون توازناتها، خصوصاً لجهة حجم وصيغة تمثيل التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل؛ أما التيار الوطني الحر ورئيسه فكان الحل النموذجي عندهما استثمار فرصتي شراكة الحريري في التلاعب بمصير الحكومة مع قيادة الحراك على حساب شركائه في الحكومة والتسوية الرئاسية، ووجود أغلبية نيابية يملكها التيار وحلفاؤه، لترجمة ذلك بتدفيع الحريري ثمن فعلته، والمجيء برئيس حكومة وحكومة يستبعد الحريري منهما وتتيح للعهد الرئاسي ممارسة صلاحياته في نصف العهد الثاني بصورة تتيح تحقيق إنجازات وتفتح الباب للانتخابات النيابية والرئاسية أمام التيار.
– المفاوضات التي جرت خلال كل الفترة السابقة، وما تم تداوله خلالها من مرشحين، كانت تتم تحت إيقاع سعي كل فريق لفتح الباب أمام ما يراه حلاً نموذجياً، ومشكلة الحل الذي يريده الحريري أنه يعني تنازلات من ثنائي حركة أمل وحزب الله، وخصوصاً حزب الله، تطال وجوده المباشر في الحكومة، لكنها تصيب أكثر حليفه التيار الوطني الحر. وهذا غير مقبول عند حزب الله. والرهان على التهويل بالانهيار لإضعاف عزيمة الحزب في غير مكانه، بينما مشروع الثنائي فدونه قبول الحريري وتخلّي التيار عن مشروعه الخاص، فيما مشروع التيار يحتاج للغالبية لتطبيقه، وبالتالي لاقتناع حزب الله وعبره الحلفاء بأن لا فرص تفاهم مع الحريري، وهكذا كان الحريري يخوض التفاوض لينتزع التنازلات ويراكمها وصولاً لترجمتها في حكومة برئاسته، لكنه لم يصل. وكان الثنائي يخوض التفاوض ليثبت للحريري أن بمستطاعه التراجع عن انسحابه بعدما تخلى الغرب عن شروطه، وأن الفرصة مفتوحة لعودته، بينما يفاوض التيار ليثبت لحزب الله أن لا جدوى من التفاوض مع الحريري.
– في قلب التفاوض كان الوضع الدولي يدخل على الخط منعاً للتصعيد، لأن البديل كما وصفه المسؤولون الغربيون مكاسب لخصوم الغرب الاستراتيجيين على المدى الطويل، فينخفض سقف الشروط التي تبلّغها الثنائي من الغرب نفسه فما عاد الحريري قادراً على رفع سقوفها لتلاقي سقوفه المعلنة. وكان الخليج يدخل على الخط لتسمية تتيح تجسير العلاقة مع سورية بعيداً عن تعقيدات تحكم الحريري في هذه العلاقة بسورية، فصار بين أيدينا مشروع جدي لتسوية. وصار الجميع أمام التحدي العملي، جواب الثنائي كان عملياً ونهائياً باعتبار المشروع يستحق الترصيد ما لم يقبل الحريري بترؤسه في اللحظة الأخيرة دون شروط جديدة، وجواب التيار لا يزال التشكيك بصدقية الحريري واتخاذه سبباً وعذراً لإبقاء مشروع تسمية أخرى لحكومة غالبية بوجه الحريري على الطاولة، وجواب الحريري لا يزال نعم للتسوية، لكن مع التشكيك بصدقية سير التيار بها واتخاذه عذراً للتساؤل عن فرصها الحقيقية.
– التخريب على التسوية لايعني عملياً سوى الإطاحة بفرصة حكومة ،يحتاجها لبنان، بعدما تم الاتفاق على العناصر التي تفجر الحكومات، والفشل سيعني انقلاباً مباشراً من أحد الأطراف على شروط التسوية ويضعه في مأزق، لذلك سيبقى السؤال الحالي، هو ماذا سيفعل الثنائي كبيضة قبان في تشكيل غالبية مع التيار أو مع الحريري، إذ ااستحال الجمع بينهما؟والجواب أن الثنائي متمسك بالتسوية وأن الانقلاب عليها من أي طرف سيعني فتح الباب لمشروع خصمه ويعزز وضعه التفاوضي، والتسوية سلة متكاملة تبدأ بتسمية رئيس مكلف وتتوّج بتشكيل حكومة مشاركة بشروط تم تحديدها