أوباما فجّر قنبلة.. وأبو الغيط آخر الرصاصات..
جمال محسن العفلق
بكل هدوء ينقلب القادة الأميركيون، من ذئاب شرسة تريد أكل كل شيء إلى حملان وديعة تبحث عن الحنان ومن معتدٍ إلى صاحب مظلمة.. والتصريحات الأميركية كانت خلال السنوات الخمس الماضية برأي البعض متقلبة وغير حاسمة، ولكنها في جوهرها كانت تهدف إلى إطالة الحرب على الشعب السوري، فبكل الأحوال أميركا تريد تنفيذ مشروع التدمير الممنهج لسورية وفق نظرية إضعاف الدولة والشعب، حتى إذا انتهت الحرب تكون فترة إعادة الإعمار والبناء طويلة تثقل كاهل الشعب.
فالخطة ب ليس لها وجود، حسب تصريحات جون كيري.. أما ضرب سورية فكان مشروعاً يريد حلفاء أميركا توريطها فيه، على حد تعبير باراك أوباما الذي أراد تسجيل سطر جديد في تاريخه أنه أنقذ الولايات المتحدة من حرب طائفية أراد الحلفاء توريطه فيها.
وعلينا نحن أن نصدق أن من يدير اللعبة هم حلفاء أميركا ورغماً عنها وأن الحرب على سورية ما كانت لتكون لولا حلفاء واشنطن الذي يعيشون دوراً ليس دورهم اليوم ويتصرّفون وكأنّهم بالفعل دول تمتلك قرار الحرب والسلم في المنطقة. فتصريحات السيد أوباما تأتي في إطار صبّ الزيت على النار وإذكاء الفتنة من جديد فالدول الحليفة لأميركا أصبحت عارية تماماً ولن تستطيع التراجع عن تصريحاتها النارية، في وقت تشعر فيه هذه الدول أن الإدارة الأميركية تتخلى عنهم في أصعب الأوقات ولا يستطيعون انتقادها. فانتقاد السياسة الأميركية اليوم والتطرق لتصريحات أوباما يعني فتح ملفات كبيرة لا طاقة لتلك الدول عليها، فالسعودية منشغلة في حرب اليمن والتقارير عن الخروق الإنسانية لا تتوقف، وتركيا متورطة بدعم داعش والنصرة وقضايا اللاجئين التي لا تنتهي، أما الأردن فلديه نار تحت الرماد اسمها الخلايا النائمة والتي أتت من سورية أو تم تجهيزها في الأردن لوقت تختاره أميركا يكون مناسب لإشعال الفتنة.
وما أعلن عنه الرئيس أوباما أخيراً هو نصف الحقيقة، لأن النصف الآخر الذي لم يصرّح عنه هو أن الولايات المتحدة هي التي دفعت بالدول الحليفة لها في المنطقة لهذا التصعيد، وكانت تلك الدول تعطي الوعود بأن العملية ستنتهي خلال أشهر معدودة وإن طالت فلن تكون أكثر من سنة، لهذا دفعت المليارات على تنفيذ العملية واستخدمت كل وسائل الإعلام لتصوير انتصاراتها على الأرض. وأقصى ما وصلت إليه دول العدوان على سورية هي قرارات جوفاء أكثرها يستعدي الشعب العربي وآخر هذه القرارات وصف حزب الله بالمنظمة الإرهابية دون الأخذ بعين الاعتبار أن هذا القرار يجعل لبنان البلد العضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية بلداً إرهابياً لكون حزب الله حزب له تمثيل برلماني وحكومي في لبنان. عدا عن القاعدة الشعبية العريضة للمقاومة داخل لبنان وخارجه. ومع قنبلة أوباما هذه قررت الجامعة العربية إعادة أحد أركان نظام مبارك السابق إلى الحياة السياسية من بوابة الأمانة العامة للجامعة العربية. تلك المنظمة التي لم يعد لها أثر يُذكر على الحياة السياسية العربية وكان السيد أحمد أبو الغيط قد صرّح بعد الإعلان أنه سيسعى لتقريب وجهات النظر العربية العربية، وكي لا أظلم الرجل قبل تسلّمه أعماله بشكل مباشر نستذكر تاريخه، خصوصاً خلال عمله كوزير خارجية مصر في عهد مبارك ومواقفه الشخصية من المقاومة ومن العدوان على غزة ومن قضايا عربية كثيرة، لا بد أن نقول أن أبو الغيط في تلك الفترة كان يمثل خط حكومته وقد يكون في الجامعة العربية له دور إيجابي، ولكن هل لمنصب الأمين العام في المنظمات الدولية أي دور غير الإعراب عن قلقه في القضايا الدولية الكبرى؟؟
المشكلة ليست في اسم الأمين العام، ولكن في اختيار الأعضاء لشخص الأمين العام يعكس ما يريدونه منه للمرحلة المقبلة، فالسيد أحمد أبو الغيط صديق لما يسمّى «إسرائيل»، رغم أن الصحافة «الإسرائيلية» نشرت تصريح عنه يقول إن «إسرائيل» عدوة لمصر ولكن ما شاهدناه نحن، خصوصا في العدوان «الإسرائيلي» على غزة يقول عكس ذلك. ويذكر للسيد أبو الغيط انه افشل الدعوة إلى مؤتمر قمة حول العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، ويذكر له أيضاً أنه من أوائل السياسيين العرب الذين تحدثوا بشكل طائفي عن المقاومة في لبنان وهاجم التصريحات الإيرانية واتهم حزب الله وإيران بدعم المقاومة في فلسطين المحتلة.
وإن كانت الشعوب العربية اليوم غير معنية بالجامعة العربية وقراراتها، وإن كانت الجامعة نفسها تعلم أنها تحت سيطرة المال وليس المصالح السياسية العليا للشعوب العربية، فقد يكون اختيار أحمد أبو الغيط كورقة أو رصاصة أخيرة تطلَق في صدر الجامعة العربية التي ما إن تدخل بشأن عربي حتى تدمّره وليبيا اليوم تعتبر الصورة الأكثر وضوحاً لقرارات الجامعة العربية. طبعاً إذا فكرنا أن ننسى العراق وسورية والسودان الذي تم تقسيمه على نار هادئة.
وتبقى رغبتنا كشعوب عربية تطلع إلى المستقبل أن يعيد العرب حساباتهم والغرب وأميركا لا يريدون أن تمر الذكرى المئوية لما سُمّي اتفاق سايكس بيكو والخارطة العربية على ما هي عليه الآن. وعليهم أن يتذكروا أن الأميركيين لا يؤمنون بالتحالف السياسي إنما بمصالحهم الاقتصادية ومصالح أميركا اليوم في تنشيط الصناعة العسكرية وتدوير عجلة الاقتصاد الأميركي. ولو كان هذا على حساب مئة مليون عربي!