ماذا بعد الجولان!
هتاف دهام
تبحث «إسرائيل» عن حصة لها في التسوية المستقبلية للأزمة السورية. تريد عبر بوابة الجولان المحتلّ أن تفرض نفسها شريكاً محورياً في مفاوضات الحلّ السوري. هذه المفاوضات المحصورة بين روسيا وأميركا وسورية وإيران والسعودية.
اتخذت «إسرائيل» في 14-12-1981 قراراً بتطبيق القانون «الإسرائيلي» على الجولان السوري المحتلّ. ولم تمض ثلاثة أيام حتى أصدر مجلس الأمن الدولي في17-12-1981 القرار رقم 497 يرفض فيه إجراء الضم جملة وتفصيلاً ويعتبره ملغىً وباطلاً ويؤكد هوية الجولان السورية، معتبراً جميع الإجراءات والتدابير «الإسرائيلية» لتغيير طابع الجولان السوري ملغاة وباطلة.
قررت «إسرائيل» أول أمس، تحويل القرار من نظري إلى عملي، حيث عقدت حكومة بنيامين نتنياهو أول مرة جلستها الأسبوعية في الجولان السوري المحتلّ. أكدت فيها أنها باقية فيه وستبقى إلى الأبد ولن تتركه مطلقاً. سبقت ذلك زيارة لنتنياهو تابع فيها تدريبات عسكرية وتجوّل في المنطقة، معترفاً بالقيام بعشرات الهجمات في سورية ضدّ حزب الله، مطالباً الرئيس السوري بشار الأسد بـ«نسيان هضبة الجولان لأنّ تل أبيب، حسب قوله، لن تسلّم الجولان لأحد». وهدّد بالحرب في حال اقتضت الحاجة لذلك. تزامن ذلك مع إشارة مدير مجلس الأمن القومي «الإسرائيلي»، ياكوف أميدرور، إلى أنّ إعادة تيران وصنافير إلى السعودية اقتضت توقيع «إسرائيل»، بقوله إنّ «اشتمال الاتفاق المصري ــ السعودي على «إسرائيل» غير معتاد»، بمعنى أنّ المملكة أصبحت الملحق العسكري لاتفاقية «كامب دايفيد».
تقول «إسرائيل» إن لا حلّ من دون أن يلحظ مصالحها، ما يستوجب وضع الخطوات التصعيدية «الإسرائيلية» المتلاحقة منذ بدء الأزمة السورية، أولاً في تصرّف روسيا التي التقى رئيسها رئيس الكيان «الإسرائيلي» رؤوفين ريفلين الذي طرح سيناريو التقسيم، وأنه حال نجاح تنفيذ مخطط التقسيم في سورية على أساس فيدرالي، يجب أن يكون وفق بوصلة المصالح «الإسرائيلية»، وثانياً بتصرّف الإدارة الأميركية المدافع الأول عن القرارات الدولية، لأنّ ما صدر عن مجلس الأمن يؤكد أنّ الجولان سوري.
لا مفاعيل قانونية أو دولية لإعلان نتنياهو أنّ الجولان أرض «إسرائيلية»، لكن «إسرائيل» تريد الاستفادة من الواقع الجديد وتطورات المفاوضات التي تجري برعاية أميركية – روسية، وبعثت بإشارات ورسائل عدة لضرورة حفظ موقعها في أيّ تسوية. فهي أسقطت اتفاقية فك الاشتباك التي وقعت في أيار 1974 في جنيف، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق وتضمّنت آنذاك التزام الطرفين بدقة بوقف إطلاق النار والامتناع عن جميع الأعمال العسكرية، وتبرّأت من مفاوضات عام 1994 التي عقدت برعاية أميركية وتناولت الترتيبات الأمنية في الجولان بعد الانسحاب «الإسرائيلي».
يستفيد كيان العدو من الصراع الموجود في المنطقة منذ 5 سنوات ليقوم بالتخفّف من كلّ أعباء الصراع العربي «الإسرائيلي» ولضرب ذاكرة الحقوق العربية معه وتهويد القضية الفلسطينية وقطع كلّ شرايين الحياة عنها.
وصلت السياسة الصهيونية الممنهجة إلى حدّ أنّ «الإسرائيلي» أصبح يعتبر نفسه شريكاً في ما يجري بسورية. وتجلّت هذه الشراكة في مجموعة من السياسات التي اعتمدت عبر دعم الإرهاب التكفيري في المناطق المحاذية للأراضي المحتلة، بعد أن قام قبل ذلك بنسف اتفاقية الهدنة وطرد قوات «الأندوف» من خمسة مواقع ثابتة كانوا فيها في شريط فاصل يُعرف بما يسمّى منطقة وقف إطلاق النار، بهدف منع العيون الدولية أن تراقب مخططاته، وساعد ما يسمّى بـ«الجيش الحرّ» و«جبهة النصرة» على خطف جنود من «قوات حفظ السلام» التي تلقت تهديدات بقطع الرؤوس من قبل المسلحين ومحاولات طردهم من مواقعهم، ورتب لاحقاً عملية الإفراج عن الفيجيين التي وفرت لـ«النصرة» مساعدات قطرية كانت برعاية «إسرائيلية».
أمنت الحكومة «الإسرائيلية» تغطية نارية للمجموعات الإرهابية عندما هاجمت ما يُعرف بنفق التلال الذي بناه الجيش السوري عام 1973 تل الجموع، تل الحارة، وتل أم حوران، تل الجابية لتشكيله أهمية استراتيجية لأعمال التنصّت والمراقبة والرصد الروسي والسوري لنشاط جيش العدو «الإسرائيلي»، لا سيما أنّ هذه التلال كاشفة داخل فلسطين المحتلة.
شكلت «إسرائيل» على مدى السنتين الماضيتين غرف عمليات بالشراكة مع الأردن حتى أدخل «النصرة» إلى هذه التلال ولم يكن ذلك ليحصل من دون خيانة قائد اللواء 121 العميد محمود أبو عرّاج، ولم تتوانَ في السنوات الثلاث الأخيرة عن شنّ غارات على القواعد الاستراتيجية المحيطة بدمشق، مقرّ اللواء 105 حرس جمهوري، مبنى البحوث ــــ جمرايا، مقرّ اللواء 104 حرس جمهوري، مستودعات الحرس الجمهوري في قاسيون، ولواء الصواريخ في قاسيون . وشنّ الطيران «الإسرائيلي» كذلك عشرات الهجمات لمنع حصول حزب الله على أسلحة تكسر التوازن، واغتال مجموعة قيادات من المقاومة وإيران. هذه الأدلة وغيرها من إقامة المستشفيات لمعالجة مسلحي «النصرة» وتقديم المساعدات الطبية لهم، وحمايتهم في بيت جن يثبت أنّ الكيان الصهيوني يرى أنه شريك غير مباشر في الأزمة السورية.
لا مصلحة للعدو «الإسرائيلي» على الإطلاق في أن تبقى سورية موحّدة وأن ينتصر الخط الاستراتيجي، وهذا ظهر في مؤتمر هرتسيليا السنوي الاستراتيجي العام 2015 الذي أعلن «أنّ الدولة السورية لم تعد قائمة وأنّ وقت المبادرة حان لإعلان سيادة «إسرائيل» على مرتفعات الجولان وضرورة زيادة عدد المستوطنات فيه خلال الأعوام الخمسة المقبلة»، وكذلك تأكيد معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب «أن لاتفاق وقف النار آثاراً سلبية على «إسرائيل»، لجهة أنّ الوضع الذي تبلور في الميدان يعزز النظام السوري وحلفاءه، والهيمنة الإيرانية في سورية. وإذا استمرّ اتفاق وقف النار، فسيتمكّن حزب الله من التحرّر من عبء القتال في سورية، ونتيجة ذلك، سيصبح قادراً على تحدّي «إسرائيل» في الساحة الشمالية والعالمية»، في إشارة إلى قدرة حزب الله المتزايدة على مواجهة أيّ اعتداءات «إسرائيلية».