الفرقة الوطنية السورية للفنون الشعبية تعود بعد غياب قسريّ في «قمر على الشرق»
عشر لوحات راقصة قدّمتها الفرقة الوطنية السورية للفنون الشعبية، مستعيدة مجد «فرقة الرقة» التي عادت بِاسمها الجديد، معلنة لمعان نجمها واستمرارها بعد سبع سنوات من الغياب، كان لها أثر كبير في جمع شمل راقصيها ومغنّيها وفنانيها بقيادة مؤسّسها إسماعيل العجيلي، الذي افتتح عرضه في دار الأوبرا بتكريم وزير الثقافة عصام خليل، مقلداً إياه عباءة القصب تقديراً لدور الوزارة في الأخذ بيد الفرقة الاستعراضية الراقصة التي ذاعت شهرتها منذ تأسسها عام 1969 على مسارح الأرض العربية والعالم.
برنامج الحفل بدأ مع لوحة «راية العلالي» من تأليف موسى زغيب وألحان وغناء إيلي شويري ونادر خوري، تبعتها فقرة غناء فولكلوري للمطربة رنيم عساف والفنان عاصم سكر، بمشاركة عازف الأورغ رامي جنيد. لتأتي هذه المقدّمة كتمهيد للعرض المسرحي الراقص التي قدّمته الفرقة على المسرح الرئيس في دار الأسد للثقافة والفنون بعنوان «قمر على الشرق» من تأليف وأشعار الدكتور باسم القاسم وألحان الموسيقار اللبناني شربل روحانا وغناء سيمون عبيد وعلي حليحل وخولة الحسن وسمية بعلبكي.
العرض الذي حظي بحضور كثيف في دار الأوبرا احتفالاً بالذكرى السبعين لجلاء المستعمر الفرنسي عن تراب الوطن، بعث برسائل قوية عن متابعة مسيرة الأجداد الذين صنعوا الاستقلال ليكون الأحفاد على درب أسلافهم بتحقيق الجلاء المتجدد على يد جنود الجيش العربي السوري وتطهير الأرض السورية من دنس الإرهاب الأسود، وليأتي عرض «قمر على الشرق» مسلّطاً الضوء على العادات والقيم العربية الأصيلة والمتمثلة في الشجاعة والكرم والفروسية والاعتزاز بالأرض ودور المرأة العربية في الوقوف إلى جانب الرجل، ناقلاً بذلك إرث وادي الفرات من تراث لاماديّ ضمّته رقصات وأغنيات وسوالف لطالما ردّدها أهل الجزيرة السورية عبر رواة ومحدّثين وقصّاص للفلكور الشعبي اللافت بتنوعه الحركي والغنائي كجسر يصل البادية بالقرى والحواضر.
اللوحة الأولى جاءت بعنوان «يا خطار الليل» غناء خولة الحسن، وفيها شاهد الجمهور وصول الحبيبة على الهودج إلى مضارب قبيلة الحبيب. بينما جاءت اللوحة الثانية بعنوان «البداوية» بصوت علي حليحل وفيها تجسّدت رقصة البدو لتأتي اللوحة الثالثة بعنوان «مكحول» بصوت خولة الحسن حيث الحبيب يتذكر حبيبته لتدخل الراقصات حوله في جو من المواساة لحاله.
وجاءت «يا رمح الرديني» لتكون عنوان اللوحة الرابعة بصوت سيمون عبيد ليتابع الجمهور هذه الملحمة البدوية الراقصة دخول ما يدعى بـ«عقيد القوم» وإظهار الاحترام والطاعة له من قبل الفرسان الراقصين إذ استخدم الفنان إسماعيل العجيلي الرماح في هذه اللوحة تأكيداً لقوة المحارب وبأسه. في حين جاءت اللوحة الخامسة بعنوان «قومي العبن يالبنات» بصوت سمية بعلبكي وفيها تصوّر الفرقة الوطنية السورية للفنون الشعبية مشهد ورود الصبايا على البئر لأخذ الماء ومشاهدة الحبيبة حبيبها في رؤيا تناولت هذا الطقس الشاعري لبداة العرب والقصص السحرية التي نسجها الرواة عنها، إذ تظهر فرحة الحبيبة بلقاء الحبيب من خلال رقصها مع البنات.
اللوحة السادسة من «قمر على الشرق» جاءت بعنوان «يا يما قولي» بصوت سمية بعلبكي إذ تظهر هذه المقطوعة الغنائية الراقصة درامياً حياء المحبوبة وخجلها من أبيها. بينما أتت اللوحة السابعة بعنوان «المعركة»، وفيها شاهد الحضور غزو العدو للقبيلة. لتعقبها اللوحة الثامنة بعنوان «يا شروق الشمس» غناء سيمون عبيد وفرحة القبيلة بالنصر وصدّ المعتدي. أما اللوحة التاسعة فكانت بعنوان «حربي» غناء خولة الحسن، ليكون الحبيب شهيداً بينما تندبه الحبيبة في مقاربة ذكية لـ«فرقة الرقة» وتجسيدها التضحيات التي بذلها أهل الجزيرة السورية في محاربة الإرهاب بشتّى مسمّياته.
الخاتمة جاءت عبر لوحة «يا بنية العربان» وغنتها خولة الحسن أيضاً، وفيها شاهدنا وفاء الحبيبة للشهيد وتأكيدها على إكمال درب الفروسية والدفاع عن القبيلة ودخول الفتيات باعتزاز بأصولهن وأرضهن. ولتنهي الفرقة عرضها اللافت بلوحة وداعية جاءت بعنوان «يا مسابقين الخيل» غناء المجموعة، توّجت بدخول جميع الراقصين والراقصات للتأكيد على وحدة الصف في الدفاع عن الأرض والاعتزاز بها. حيث كان للموسيقى التي أعدّها الفنان سمير كويفاتي وتدريب كل من الفنانين قيس محفوض وعلي أسعد وطارق عيسى أثر كبير في تطوير الجملة الغنائية الراقصة ساندته أزياء الفنان علي الحايك.
يذكر أن الفرقة الوطنية السورية للفنون الشعبية أُسّست عام 1969 على يد الفنان إسماعيل العجيلي، وشاركت في غالببة المهرجانات المحلية والعربية والعالمية منها «مهرجان بصرى»، و«مهرجان طريق الحرير»، و«مهرجان الأغنية السورية»، و«مهرجان المحبة»، و«مهرجان دبي للتسوق»، و«مهرجان مسقط»، إضافةً إلى مشاركتها في «مهرجان الشرق يلتقي الغرب» في ألمانيا، و«أسبوع السياحة العالمي» في باريس، و«مهرجان الشباب» في كوريا، وعدد من المهرجانات الأخرى التي تعاونت الفرقة فيها مع عدد من الكتّاب والملحنين والمطربين الكبار كان أبرزهم عبد السلام العجيلي والشاعر طلال حيدر وزكي ناصيف.