عاد الحريري والتسوية إشاعة أوباما يقصف «داعش»
كتب المحرر السياسي
بعدما صار ما قبلته الحكومة اللبنانية واقعاً بينما رفضت أحسن منه بمرات مقاومة غزة، انهارت هدنة غزة من دون أن تتحوّل حرباً لأنّ الرهانات على التوصل لتفاهم وقف النار لا تزال تتفوّق على الرغبة بالعودة للحرب، بينما بقي اللبنانيون يحبسون أنفاسهم على ذهول، كيف يفرحون بنصر وهمي، ومسلحو داعش والنصرة يتقاسمون جرود عرسال اللبنانية ومخطوفو الجيش وقوى الأمن الداخلي مجهولو المصير؟
لا حل ولا حسم في عرسال، ولا قرار بكيفية التعامل مع وضع بدا أن إسماً على الفايسبوك كنبيل الحلبي يقرر فيه مصير دولة بأمها وأبيها كلبنان، ويضحك على الجميع، ويوزع الوعود بالإفراج عن المخطوفين كما فعل يوم مخطوفي إعزاز، مع فارق أنه يومها لم يكن يصدقه أحد.
عاد الرئيس سعد الحريري من دون تفسير لماذا غاب وهل زالت أسباب الغياب، خصوصاً التهديد الأمني الذي دأبت أجهزة إعلامه بنسبته لسورية وحزب الله، فهل تم التفاهم معهما، أم أنهما صارا أشد تساهلاً بعدما صارا أشدّ قوة، وحلت العودة من مطار بيروت الدولي بدلاً من مطار دمشق على أجنحة «الثورة المنتصرة»، أم أن خبرية راجح عن التهديد ومصدره انتهت وصدر قرار العودة بأمر ملكي بعدما تهاوت إمبراطورية المستقبل بين جناحي السنيورة وداعش، وجاء المليار دولار لترميم الزعامة التي تشكل الرصيد الوحيد للمشاركة السعودية المستعصية في الحرب على الإرهاب في سورية والعراق، بينما واشنطن تعلن بلسان رئيسها ويستنفر إعلامها للدخول بطائراتها في استهداف مواقع وقيادات ومرابض داعش في العراق، بعدما صار لبنان الدفرسوار الخطير بالعيون الأميركية لتسرب الإرهاب نحو الغرب، وصار لزاماً على المتعهد لجبهة لبنان أميركياً وهو السعودية استنفار قدراته للقيام بالواجب.
الرياض لا تملك إلا أن تتبع واشنطن والحريري لا يملك إلا أن يتبع الرياض، لكن كما توضح الناطقة بلسان البيت الأبيض أن ليس على جدول أعمال الإدارة الأميركية تعاون مع الدولة السورية في الحرب على الإرهاب، تعلن الحكومة اللبنانية ويعلن الحريري الكلام نفسه، والأهم أن حركة الحريري التي ترافقت مع حملة إعلامية منظمة ومبرمجة للترويج لوجود تفاهمات سياسية إقليمية تنطلق من الرياض وطهران وتتمحور على انتخاب رئيس للجمهورية يفترض أن يكون العماد ميشال عون أو العماد جان قهوجي، لم تصمد روايتها لساعات، ليس فقط لنفي من قيل أنهم عرابو هذه التسوية أي الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لوجودها، بل تأكيد تمنياتهما أن تشكل العودة مدخلاً للتهدئة السياسية والتوحد لمواجهة خطر الإرهاب والاستثمار على روح الوحدة وقمع خطر الفتنة ودعم الجيش، لتأتي كلمات الحريري نفسه والبيان الصادر عن قوى الرابع عشر من آذار ليلاً بحضوره كترجمة أولى لمعنى العودة، بالتأكيد على عدم وجود تغيير في الذهنية الكيدية يمكن التأسيس عليه، فعادت نغمة أن لا نهاية لمحنة عرسال بلا عودة مقاتلي حزب الله من سورية، ومعها النغمة البالية التي لا فرص لها إلا في مخيلة أصحابها عن نشر اليونيفيل على الحدود اللبنانية السورية، في وقت الرفض المعلن للحكومة التي ارتضت مفاوضات الخدعة مع داعش أن تدخل في تنفيذ التزاماتها وفقاً لمعاهدات واتفاقيات موقعة مع الحكومة السورية.
الإرهابيون يتنصلون من تعهداتهم
في الأثناء وبينما فاجأ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مناصريه بعودته إلى بيروت أمس تحت عنوان «وضع آليات تنفيذ المنحة السعودية للجيش وباقي الأجهزة الأمنية»، بدت التسوية التي ضغط التيار لإنجازها مع المجموعات الإرهابية في عرسال عبر وساطة «هيئة العلماء المسلمين»، تترنح نتيجة تملص هذه المجموعات من الوعود التي قطعتها للهيئة إذ استمر تواجد المسلحين في عدد من أحياء البلدة وفي الجرود المحيطة وسط الضبابية التي تحيط بمصير العسكريين المخطوفين. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز»، عن مصدر أمني، أن الإرهابيين الذين خطفوا العسكريين قدموا للحكومة اللبنانية أسماء نحو 20 موقوفاً محتجزين للافراج عنهم ومن بينهم عماد جمعة، إلا أن الوكالة نقلت عن مصدر حكومي أن «الحكومة لم تتلق أي طلب من الخاطفين.
وفي ساعة متأخرة من الليل تناقل المراسلون الصحافيون في البقاع أنباء عن قيام حزب الله بعملية نوعية في القلمون أسفرت عن تحرير أسرى الجيش، ولم يرد ما يؤكد أو ينفي هذه المعلومات.
خلفيات عودة الحريري
وفيما كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أبدى قلقه من تكرار ما حصل في عرسال وفي غيرها من المناطق، استغربت مصادر نيابية بارزة في 8 آذار ارتفاع الأصوات داخل فريق 14 آذار الداعية إلى حوار مع المجموعات الإرهابية. وأكدت أن هذا السلوك يبرر تمدد المجموعات الإرهابية في غير مناطق لا بل من شأن ذلك أن يؤمن بيئة حاضنة للإرهابيين.
وتساءلت المصادر: «هل إن تمركز المجموعات المسلحة في جرود عرسال مسألة عادية بالنسبة لفريق 14 آذار»؟ ولذلك ترى المصادر أن هذا الفريق سيبلع ألسنته إزاء التعدي على السيادة من قبل المجموعات المتطرفة. كما تساءلت المصادر هل سيقبل هذا الفريق بما يتوقع أن تطرحه «داعش» و»جبهة النصرة» من شروط لإطلاق سراح العسكريين الموقوفين، خصوصاً ما يتعلق بإطلاق سراح المجموعات المتطرفة الموقوفة في سجن روميه؟، إلا أن المصادر لم تستبعد أن تقبل 14 آذار بشروط كهذه بل بما أوسع من ذلك!
وفيما اعتبرت المصادر أن عودة الحريري وإن كان عنوانها الظاهر الإشراف على تطبيق المنحة السعودية، لاحظت أن لهذه العودة أكثر من مؤشر أبرزها:
ـ أن الحريري ما كان ليعود لو لم يحصل على ضوء أخضر سعودي بهذه العودة لا بل الأرجح أن تكون الرياض هي التي طلبت ذلك لتأكيد موقفها برفض تمدد الإرهاب إلى لبنان.
ـ أن هذه العودة لها علاقة بتراجع حضور تيار المستقبل لمصلحة التنظيمات المتشددة، ولذلك وجد الحريري نفسه مضطراً لهذه العودة في محاولة لإعادة تنشيط جمهوره خصوصاً في طرابلس والشمال والبقاع الشمالي.
ـ أن هذه العودة ليست بعيدة عن الخلافات القائمة داخل فريق 14 آذار بما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، حتى داخل تيار المستقبل نفسه، إذ هناك تيار ما زال يدعم استمرار ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وآخر يعتقد بضرورة الانتقال إلى «الخطة» التي ينادي بها حزب الكتائب.
توجه أميركي لدعم الحريري
وبحسب المعلومات المتوافرة لمصادر سياسية فإن عودة الحريري ليست مرتبطة بإنجاز تسوية حول موضوع الرئاسة، مشيرة إلى أن هذه العودة لها علاقة بثلاثة أمور. أولها موضوع الهبة السعودية لإعطاء دفع للحريري سياسياً وشعبياً، وبالتالي هذا القرار السعودي مرتبط بتوجه أميركي لدعم الحريري. ثانياً، محاولة لملمة البيت الداخلي للمستقبل في ضوء الإرباك الحاصل داخل التيار، وثالثاً الشعور بالخطر في ضوء تراجع شعبية المستقبل بعد تنامي حالات التطرف في الشارع السني.
مشاورات للحريري في الداخل والخارج
وقال عضو كتلة تيار المستقبل النائب غازي يوسف لـ»البناء» إن عودة الحريري إلى بيروت في هذا التوقيت تحمل الكثير من الأمل لعودة الاستقرار إلى البلد، لافتاً إلى أن غياب الحريري لم يكن سهلاً على تيار المستقبل و14 آذار. وأكد يوسف أن الحريري سيجري مشاورات مع الأفرقاء في الداخل والخارج لإعادة الأمن إلى لبنان كخطوة أساسية لإعادة الاستقرار. وإذ شدد على أن الحريري سيعمل جاهداً لانتخاب رئيس للجمهورية، أكد أن الأولوية الآن هي للأمن ومكافحة الإرهاب.
وبينما انشغل الحريري في أول يوم من عودته بعقد اجتماعات ولقاءات مع قيادات تيار المستقبل، يستقبل غداً الأحد وفوداً شعبية لتهنئته بالعودة وستكون له كلمة يتطرق فيها إلى الاستحقاقات الماثلة وموقفه منها.
اجتماع في السراي حول «المنحة السعودية»
وكان عقد بعد ظهر أمس اجتماع في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وحضور الحريري ووزيري الدفاع والداخلية وقائد الجيش العماد جان قهوجي وقادة الأجهزة الأمنية.
وأوضح قهوجي بعد الاجتماع أن الجيش بحاجة إلى طائرات لمكافحة الإرهاب وممنوع على أحد أن يمنعنا من دخول عرسال. وأشار إلى الجنود المخطوفين بأنهم باتوا خارج عرسال، أما الوزير نهاد المشنوق فرأى أن «الهبة السعودية أكثر من كافية لتأمين أمن بلد صغير كلبنان».
وفي معلومات رشحت عن الاجتماع أن سلام أمل «بأن تؤدي عودة الحريري إلى خلق أجواء إيجابية مؤاتية للتقارب بين اللبنانيين بما يؤدي إلى تحصين البلاد سياسياً وأمنياً».
أما الحريري فعرض طبيعة الهبة السعودية وأشار إلى أنه مؤتمن على إنفاقها في الوجهة المخصصة لها وتقديمها كهبة عينية إلى الجيش والقوى الأمنية. وتلقى سلام اتصالاً هاتفياً من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، أكد فيه دعمه للبنان وأمنه واستقرار وسيادته.
ورأى الحريري في كلمة له مساء أمس أمام اجتماع قيادات قوى 14 آذار في منزله، أن دور تيار المستقبل هو حماية الاعتدال ومنع التطرف من التمدد والانتشار. واعتبر أن كل محاولة لإشعال الفتنة لا يؤدي إلى أي نتيجة.
نغمة قوى 14 آذار
وفي بيان لها بعد الاجتماع أعادت قوى 14 آذار الإعلان عن «تمسكها بالدولة بكافة مؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية»، مكررة مقولاتها السابقة من «أن ضبط الحدود بكل الاتجاهات لا يكتمل إلا بانسحاب حزب الله الفوري من القتال الدائر في سورية ـ كما وصفته ـ منعاً من تكرار ويلات تهدد لبنان وأمنه كما حصل في عرسال». وبذلك حاولت قوى 14 آذار تزوير الوقائع وتجاهل ما قامت وتقوم به المجموعات الإرهابية.
وعلقت مصادر كتائبية شاركت في اجتماع 14 آذار لـ»البناء» على البيان، فاستغربت ما تضمنه في الفقرة الأخيرة عن حزب الله. وعلمت «البناء» أن الرئيس أمين الجميل غادر الاجتماع قبل أن ينتهي.
جنبلاط في بنشعي
إلى ذلك، يواصل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط جولته على الأفرقاء السياسيين، ويزور اليوم بنشعي للقاء رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، للبحث في التطورات الأمنية والسياسية وموضوع الاستحقاق الرئاسي.
عقدة التصحيح مستمرة
في سياق آخر، دخل موضوع تصحيح الامتحانات الرسمية في دائرة الكباش بين وزير التربية الياس بو صعب وهيئة التنسيق النقابية بسبب إصرار الأول على المضي في تصحيح الامتحانات أو إعطاء الإفادات وبالتالي «تراجعه عن وعوده السابقة لهيئة التنسيق بأن يستمر بالتضامن معها حتى إقرار سلسلة الرتب والرواتب» وفق ما قالت مصادر هيئة التنسيق.
وبعد اجتماعه مع الهيئة ووفد من ممثلي الأحزاب دعا بوصعب الأساتذة للبدء بالتصحيح اعتباراً من الاثنين وفي حال تمنع الأساتذة سيعمل على إصدار إفادات بدل الشهادات الرسمية، لكن الهيئة طلبت تأجيل دعوة الأساتذة حتى يوم الثلاثاء لكي تتمكن الهيئة من اتخاذ القرار المناسب فوافق على أن يجتمع مع الهيئة مجدداً يوم الاثنين.
أما رئيس هيئة التنسيق حنا غريب فأكد الاستمرار في مقاطعة تصحيح الامتحانات من أجل إقرار الحقوق، وأشار إلى أن لا شيء جديداً في ملف السلسلة.
وقالت مصادر الهيئة لـ»البناء» «إن وزير التربية انقلب على كل تعهداته السابقة في ما خص التضامن معها بمقاطعة تصحيح الامتحانات، مشيرة إلى أن بو صعب هو الذي كان أصر على الهيئة أن تستمر بموقفها الرافض للتصحيح».