في عيد المقاومة والتحرير: لن ننسى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا
أسامة العرب
انتصار المقاومة اللبنانية والاندحار «الإسرائيلي» المذلّ من جنوب لبنان دون قيد أو شرط، بعد 22 سنة من الاحتلال، أسَّسَ لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع العربي «الإسرائيلي»، وغيَّرَ المعادلات والحسابات في المنطقة، مؤكداً أهمية العمل المقاوم بصفته الخيار الوحيد لتحرير الأرض، ولاستعادة الحقوق. حيث تمّ إعلان نهار 25 أيار 2000 عيداً للمقاومة والتحرير من قبل رئيس الوزراء الأسبق الدكتور سليم الحص، أطال الله في عمره، بعدما اجتمع مجلس الوزراء في 24 أيار في بنت جبيل برئاسة رئيس الجمهورية حينها العماد إميل لحود وحضور الرئيس الحص الذي بارك للبنان انتصاره المبين، وللجنوب والبقاع الغربي تحريرهما من الاحتلال، مؤكداً العزم على مواصلة العمل لإطلاق أسرانا ومعتقلينا من السجون «الإسرائيلية» وتحرير مزارع شبعا، ومشيداً ببطولات المقاومة وصمود الشعب.
فالانتصار الذي صنعته المقاومة عام 2000 أسقط عنجهية جيش الاحتلال، ثم جاء انتصار تموز عام 2006 مؤكداً قدرة المقاومة بأن تطال الكيان الصهيوني في الأعماق، وفارضاً معادلة توازن رعب معه، وجاعلاً «إسرائيل» تعاني حقاً أزمة وجود لا مثيل لها، حيث تضاعفت أرقام الهجرة المعاكسة للمستوطنين، وباتت «إسرائيل» تلجأ لحلفائها في مجلس الأمن والأمم المتحدة للضغط على المقاومة كي توقف صواريخها عنها.
وعبارة «الحمد لله اللي تحرّرنا» لا تزال تتردّد على ألسنة كلّ جنوبية وجنوبيّ قاسى من ظلم الاحتلال ومن اعتداءات عملائه عليه ومن ليالي السهر الطويلة على وقع القصف المدفعي، وساعات الانتظار الطويلة على بوابات المعابر المذلّة، والتي لا تزال آثارها واضحة في أكثر من مكان. ومعتقل الخيام، الذي اختلط فيه صراخ المقاومين الأبطال بدماء رفاقهم وآلامهم لا يزال شاهداً على ما كان.
ولكن عشية الاحتفال بالذكرى الـ16 لانسحاب الجيش «الإسرائيلي» من جنوب لبنان، لا يزال فرح أهالي بلدة شبعا الحدودية منقوصاً بسبب استمرار «إسرائيل» في احتلال مزارع شبعا، والتي لها مكانة كبيرة في ذكرياتهم، وفيها أراضيهم التي لطالما حملت لهم الخير. ومزارع شبعا هي منطقة تقع على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان السورية المحتلة، تمتدّ بطول 24 كلم وعرض 14 كلم، مربعة على منحدرات وتلال وسهول على ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر. وعلى الرغم من مطالبة دولتنا مراراً وتكراراً بممارسة سيادتها على عموم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، إلا أنّ الأمم المتحدة لم تستجب لطلبها، حتى أنّ الخط الأزرق الذي رسمته عام 2000 كحدّ فاصل بين حدود كيان الاحتلال في فلسطين المحتلة، ولبنان أبقى معظم تلك المناطق ضمن الأراضي المحتلة، إذ زعمت تلك الهيئة الأممية زوراً بأنها جزء من هضبة الجولان الخاضع للسيطرة «الإسرائيلية».
ولذلك، فعندما لا تفلح القرارات الدولية من ردّ الحق إلى أصحابه، يصبح من واجب المواطن أن يلجأ إلى وسائل القوة للدفاع عن أرضه، وهذا أمر تجيزه القوانين والأعراف الدولية. ومن هذا المنطلق، تم التسليم بشرعية المقاومة الوطنية بعد عدوان «عناقيد الغضب» عام 1996، والذي شنّته «إسرائيل» علينا بوحشية تفوق التصوّر، لا سيما عند ارتكابها لمجزرة قانا البعيدة عن مرمى المواجهة. ففي ذلك الوقت، ظنّ الأهالي بأنّهم إذا ما استظلّوا بمركز من مراكز الأمم المتحدة، فإنهم سوف يكونون آمنين من سلاح الغدر «الإسرائيلي»، كما ظنّوا بأنّ مركز الأمم المتحدة في قانا هو في عصمة ومنعة وحماية واحترام من قبل دولة الإجرام والعدوان. ولكنّ «إسرائيل» أرادت أن ترسل رسالة للعالم بأسره، رسالة مفادها بأنها لا تعترف لا بعهد ولا بميثاق ولا بشرعة سوى بشرعة القتل والذّبح والإرهاب. وحينها أيضاً، وقفت كافة دول العالم عاجزةً خائبةً بائسةً أمام مشاهد أشلاء الرضع والأطفال المحروقين في مذبحة قانا، وذلك دون أن يستطيعوا أن يدينوا أو يحاسبوا ولو حتى عريف واحد في الجيش «الإسرائيلي».
كما يحلو للبعض أن ينسى، أو أنه نسي فعلاً هذا المجد العظيم الممزوج بدماء الشهداء وبمعاناة الجرحى وعائلاتهم. فيما البعض الآخر لم تخنه الذاكرة، خصوصاً لأنّ السيادة لا تتجزأ وهي تعني كلّ شبر من مساحة الـ 10452 كلم2، ولأننا يجب أن نحمي وطننا من الانتهاكات «الإسرائيلية» البرية والجوية والبحرية كافة، ولأنّ مخططات الفوضى الخلاقة ومشاريع تفتيت الوطن وتقسيمه تتهدّدنا من كلّ صوب وكلّ جانب.
وقد يكون البعض قد نسي أيضاً مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ولم يعد يريد أن يسمع «لا عن نصر ولا عن انتصار»، فيما آخرون لم ينسوا أبداً مئات المجازر والمذابح التي ارتكبها كيان الاحتلال وعملاؤه الأذلاء، كمجزرة الأوزاعي وراشيا ومذبحة كونين ومجزرة عدلون، ومجزرة الخيام والعباسية ومجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة سحمر وبئر العبد وإقليم التفاح ومجزرة جباع ودير الزهراني والنبطية الفوقا ومذبحة قانا والمجازر التي أتت مع عملية الليطاني واجتياح 6 حزيران وحرب السبعة أيام وعملية عناقيد الغضب. فحجم التضحيات التي قدّمها المقاومون للاحتلال الصهيوني، عمّق في وجدانهم معنى التحرّر والسيادة والاستقلال ورفض التبعية والخضوع والارتهان. وهذا كله ما يفسِّر حساسيتهم ضدّ كلّ موقف أو برنامج أو إجراء سياسي أو اقتصادي أو أمني من شأنه أن يستجيب لمصالح الخارج على حساب مصالحهم الوطنية، ناهيك عن وعيهم وتحسّسهم مسؤولياتهم الوطنية.
ولهذا، فإنّ عيد المقاومة والتحرير لهذا العام وكلّ عام، يجب أن يكون العيد الذي يجدّد فيه اللبنانيون تمسكهم بالمعادلة الذهبية «الجيش والشعب والمقاومة» في البيان الوزاري لحماية الانتصار، كما يجب أن يكون العيد الذي يتذكّر فيه اللبنانيون تقاسمهم للمعاناة والصمود مع الشعب الفلسطيني. فوطننا أمانة ومسؤولية، وهو وطن عظيم ووطن الانتصار على «إسرائيل» ووطن العيش المشترك ووطن الحوار.
ومن هذا المنطلق أيضاً، فإنّ دماء شهدائنا يجب أن تكون عاملاً من عوامل وحدتنا وتكاتفنا ولتوقف رهان البعض منا على الخارج، فوطننا وطن الرسالة، بحاجة إلى طبقة سياسية تصل إلى مستوى هذا الوطن، لأنه لا يجوز لوطن بمستوى هذه المقاومة وهذا الإبداع وهذا العدد من الشهداء أن يكون فيه أشخاص يقلّلون من أهمية العمل المقاوم، فهذا عيب وعار أخلاقي. خصوصاً أنّ الانتصار انطوى على جملة حقائق منها أنّ إرادة الشعوب المقاومة هي أقوى من كلّ عدوان واحتلال، وأنّ سيادة الأوطان تصونها إرادة الشعوب المقاومة فيما مصير الاحتلال دوماً إلى زوال، وأنّ المقاومة لم تهزم الاحتلال «الإسرائيلي» فحسب، وإنما كسرت شوكة كيانه، وأسقطت هيبته ووهم تفوّقه، وردعته عن استسهال العدوان على لبنان. ولذلك، فلا بدّ من تعزيز التكامل الوطني ضدّ كلّ مشاريع الفتنة التي تستهدف لبنان، وضدّ كلّ الصراعات والنزاعات الدموية التي لا تخدم سوى أميركا و«إسرائيل» ومساعيهما الرامية لتقسيم المنطقة إلى دويلات على أسس طائفية ومذهبية وعرقية.
وأخيراً، فإننا نتوجّه بالتبريك والتهنئة إلى أهالي الشهداء والجرحى وإلى سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وإلى المقاومين الوطنيين والإسلاميين كافة الذين يواصلون معركة تحرير الأمة من براثن الصهاينة والتكفيريين كي تظلّ المقاومة راية العرب والمسلمين وعنوان عزتهم. فنحن على يقين بأننا بإذن الله سننتصر على «إسرائيل» مجدّداً، وسنحرّر فلسطين…
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً