بلديات 2016.. عبرٌ ودروسٌ.. مَنْ يقطفُها؟ 4

هاني الحلبي

أربع مراحل حققت خلالها «الشعوب» اللبنانية بإماراتها المذهبية وإقطاعاتها السياسية وممالكها الحزبية إنجازات جليلة، مفرحة آناً موجعة آناً آخر، قيّمة معبرة في موضع وهزيلة دالة في موضع آخر، منذرة في حالة ومطمئنة في حالة أخرى.

وفي مقابل الإنجازات الفلكية بحسابات الزواريب اللبنانية، فرضت دروس وعبر هامة نفسها على كل نظر وأمام كل بصيرة، ليس من الحكمة التغافل عنها، والإلفات إليها ضرورة لتكون في مدار النظر والتصرف والتخطيط لكل من يعنيه أن يجوّد الأداء ويحسّن الآلية ويطمح إلى أعلى، على قلة المجوّدين:

احتضان المقاومة: أولى العبر التي قدّمها اللبنانيون، حيث العالم كله يُطبِق بقوانينه وإجراءاته وأسلحته وأنظمة دوله ومنظماته الدولية ليكون أداة رخيصة بيد المخطط اليهودي الصهيوني، فيحاصر أهل الحق بفلسطين ليقتلعهم فينقرضوا ويتشردوا في شتات العالم الأعشى عن نور حقهم فيدعم خطة تهجيرهم وإفناء مدنهم وقراهم، ها هو نفسه يحتشد ضد المقاومة في لبنان وضد داعميها في دمشق وطهران وموسكو وفنزويلا وغيرها، خطط اغتيالات واستهداف وفبركة ملفات ومحاكم خاصة، ليفقد وحدة المقاومة التي تفرضها وحدة الحياة والوجود والمصير في الهلال الخصيب كله، وحدة استراتيجية الحضور والقوة والدور وعبقرية المكان والزمان المشرقيين. احتضن اللبنانيون المقاومة فكانوا أمثولة عظيمة بصفوفهم المرصوصة بالإيمان أن المقاومة المحتَضنة ليست حالة طائفية ولا حالة حزبية ولا حالة جهوية بل هي ظاهرة معبرة عما في هذه الأمة من قوة كامنة وفاعلة وحضور لن يزول. أثبت أهل المقاومة أنهم على سوية عالية من الوجدان القومي المؤمن بوقفة العز وبقيمة الوحدة الاجتماعية النفسية أساساً لكل انتصار وأنهم مهما كانوا أقلية وسط جماهير التكفير والفتنة المدعومة بالأرصدة الفلكية والخطط المعادية المدمرة لحشودها قبل غيرهم، فإنهم قادرون على زهق باطل الكثرة وإقامة الحق الموعود بالنصر.

تحجيم المال السياسي. هو الدرس الثاني الجليل الذي ينبغي أن يسجله أقطاب المال السياسي الذي لم يتمكن من الخلوص من عدادات حساباتهم وتقويم الناس انه مجرد أرقام أرصدة قابلة للتسييل العقاري والاستثماري والتحاصص. وكان الأبشع لهذا المال السياسي المتعدد المواقع والألوان والأوضاع والتأثير ومَن يوازيه في سويته الرقمية، ولو كان بعضهم في مقلب الإفلاس المالي بعد الإفلاس الأخلاقي بالتسليع العام، أن يتم تمنين أهل طرابلس مثلاً بالفتات الذي كان يُعطى لهم من فرص عمل أو بعض الدعم أو بعض المشاريع الصغيرة التي لم ترقَ لخطة تنمية عامة للمدينة، لما أحجم الطرابلسيون عن الاقتراع للائحة تحالف المال. ليس الفقراء نقيصة وكمية مهملة. فبحكم القانون كل مواطن راشد بلغ الحادية والعشرين من عمره وغير محروم من حقوقه المدنية والسياسية هو مقترع. هو طاقة. هو قوة بالفعل. هو مجتمع بالقوة لأنه مواطن بالفعل إن وعى حقيقته قانوناً وسوية مدنية. المجتمع الطائفي هو رقمي أيضاً. جحيمية أخرى كالمجتمع الرأسمالي الاستثماري. حالتان عبوديتان حاكمتان.

الداعشية السياسية، ثالثة العبر، وها هي بعد كسر صوت الإرهابي احمد الأسير وزجه في السجن ومحاكمته وتفكيك معظم خلاياه السرطانية، إن لم يشفع له السياسيون بصفقة بتوقيت ما، بخاصة إذا تمكنت الداعشية الريفية المشرئبة من طرابلس، من فرض معادلات جديدة على الساحة اللبنانية، بخطابها التعبوي الشعبوي المحشود بالبترودولار السياسي والتكفيري. السؤال إلى أين يقود هذا الجنون الريفي الذي استفاد من خفة خصومه ومن استكبارهم وعتوهم واستخفافهم بمواجهة دونكيشوت الانتخابات الشمالية؟ ..إلى جحيم النار!

غياب البرامج هو الدرس الرابع الذي يخلو من أي لائحة تقدمت للترشح، فسارعت لالتقاط صور لامعة ملونة باهضة الثمن، وربما بالدَّين! وكأنها ذاهبة لحفلة عرس ورقص، ولو يعلم معظم هؤلاء صعوبة المسؤولية العامة وهول التزاماتها على مَن يقدّرها ومن لا يقبل إلا أن يفي بما يتم توليه من مسؤولية لكانوا أقل حماسة وأكثر حذراً، فكم من لائحة اكتسحت تفرقت بالنزاعات بعد أشهر وترجّت الناس أن تعفيها من التزامات المسؤولية. قلة من المقترعين من يريدون من المرشح أن يعمل للبلدة عامة. غالبيتهم لديه لائحة مطالب فردية بدءاً من حوض الورد والجورة الصحية وصب السطح وغيرها من الشؤون التي يبتز بها المقارع من يريد التصويت له ويظن أنها من أعطيات الاقتراع.

قدرة الناس على الردّ إذا تنظموا في خطة، وهذه القدرة كامنة لكن معظمهم لا يثق بها، لكن إن توفرت شروط التأثير من التنظيم ونشر الفكرة ونقد ما هو سائد وتفنيده، فيمكن الحشد بأكثرية كافية تغير. الأكثرية هم الفقراء. والفقراء قوة ساحقة إن وثقوا. وربما يثقون بـ «حبال الهوا» إن كان حاكموهم طغاة مال وتعسف، حينها يكون الهم هو الثأر من السيد المتحكم. وجدل السيد والعبد منذ الأزل. فثبتت السيادة لكل منهما في قيمة كل منهما للآخر. بالثأر من السيد لا يتحرر العبد. لكنه يستعيد توازنه قليلاً. وبعد استعادة التوازن يبقى السؤال عن ماهية حضوره معلقاً ومطلوب الإجابة!

تفكك القوى العلمانية وشخصانية بعض قوى التغيير، طيف من القوى والشخصيات التي دأبها وديدنها اللهج بالتغيير، لكن قلة منهم من يعملون له. بعضهم لديه شبه خطة وبعضهم قاعد ينظّر ويشرح ويستطرد. وبعضهم يرتجل ويخبط خبط هوجاء في عمى اللحظة والآن. ليس مسموحاً التفرد في استحقاق التغيير إن كان القاصدون وازنين ويعنون تماماً ضرورة التغير وإلحاحه الآن وليس غداً وهنا قبل أي مكان. وتنظيم التغيير لا ينطلق فقط بحافلة تجول المناطق. هي ثقاب لا أكثر لكنه لا يشغل الغابة العفنة.

التغيير آتٍ، وحين اكتمال حضوره، لن يحتاج لمواعيد مسبقة ولا لاستئذانات سابقة، والحكماء هم فقط مَن يتحسسون إقباله ويواكبونه ويسهمون في حلوله ناموس حياة!

باحث وناشر موقع حرمون

haramoon.org/ar

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى