سورية.. وطريق المستقبل

نظام مارديني

يثير موضوع الدولة السورية ما بعد أزمتها جدلاً واسعاً حول هويتها المدنية أو السياسية أو الدينية، وبقطع النظر عن طبيعة القوى الفاعلة في المشروع الدَّوْلي، فإن الصورة المشوَّهة للدولة ستظلّ هي الأكثر تعبيراً عن هذا الجدل..

ولإنضاج الدولة غير المشوَّهة أو المقسَّمة فلا بدّ من وجود عوامل من شأنها أن تُسهم في تمدين الدولة، بدءاً من البناء المؤسسي الحقوقي والتنموي والقضائي والأمني والسياسي وانتهاء بالبناء التربوي والتعليمي والثقافي والمعرفي، ما يضعنا أمام مهمة البحث عن «الأساس العقلي» لتأسيس الدولة «القوية»، كما يسمّيها الباحث العراقي علي حسن الفواز.

إن صورة خوف الدولة ليست تعبيراً عن الفشل في صناعة الدولة، بقدر ما هو توصيف لغياب السياقات والآليات التي يمكنها دمج الجماعات في المجتمع، وفي المؤسسات، وفي النظام العام، وهنا لا يمكن الحديث عن إصلاح النظام السياسي الدَّولي السوري من دون رؤية محددة، والرؤية تحتاج إلى وضوح الغائب عن الساحة السياسية، منذ بدء العدوان على سورية.

الحديث عن الإصلاح الإداري مرتبط بعملية تطوير النظام السياسي، ويتجاذب خطاب إصلاح النظام السياسي والإداري راهناً اتجاه آخر، غير مسار «الفيدرالية»، وهو الاتجاه الذي يؤكد أهمية اللامركزية الإدارية كخطوة إصلاحية لمستقبل البلاد. ولكن من دون الاعتراف الصريح بأن العقبات الرئيسة التي واجهت وتواجه عملية الانتقال نحو بناء جديد للدولة يتماشى مع تطوّر النظم السياسية في العالم لا يمكن أن يتحقق الإصلاح.

والمركزية الإدارية واللامركزية الإدارية هما صيغتان دستوريتان تنظيميتان تُعْنَيان بشؤون المجتمع وكيفية اتخاذ القرار فيه ومستواها. وقبل ذلك يتمّ تحديد الشؤون التي تخضع لهذا العنوان الرئيسي. ولكن قبل الخوض في قراءة واعية للمفهومين هناك مبدأ تكويني للدستور ينطلق من النظرة البنيوية للمجتمع، فالنظرة «الطبقية» تقضي باتجاه تشريعي خاص بها. والنظرة «العرقية السلالية» تقضي باتجاه آخر. والنظرة «الطائفية» لها اتجاه وشكل مختلفان كذلك. فأي نظرة أو منطلق نظري، وأي فلسفة لشكل المجتمع وطبيعته سنعتمد؟

في نظرتنا للمجتمع كواقع طبيعي يكون البناء الدستوري قائماً فقط على الجغرافيا البيئية الاقتصادية. وتسقط الاعتبارات الأخرى كافة. وعلى أساسها ننظر إلى المصالح الأولى الأبسط لنوافقها مع المصالح العليا الأعقد .

لذلك يتوجّب وضع مبادئ في مقدمة الدستور الجديد في المستقبل تكون قواعد انطلاق لبناء نظرة للحياة والمجتمع تنفي كل النظرات والقواعد الحقوقية والسياسية التي تتخذ من الفئوية والطبقية والطائفية وكل أشكال التمييز في المكان الواحد بين أفراده على أساس أوصاف جزئية فئوية. وتقضي الوحدة الوطنية اعتماد أساس الاتحاد بالحياة الواحدة على المكان الواحد والملكية المشتركة غير القابلة للتقسيم، بل وعدم التصرف بها بأي شكل غير صيانة وجودها ونموها وازدهارها وحصانتها من أي خطر يتهدّد وجودها أو استمرار الحياة وارتقاءها على أرضها، بدءاً من أصغر بقعة لأبسط متحد إنساني.

«لا أحد يستطيع أن يرث سورية سوى السوريين»، لأن «تجزئة سورية أو بلقنتها تعني، حتماً، تجزئة وبلقنة الشرق الأوسط»، كما كان يقول الراحل محمد حسنين هيكل.

لفيلسوف الأمل «ارنست بلوخ»: الغد يحيا في اليوم، والناس تتطلّع إليه على الدوام..!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى