ما الذي يُعيق الدولة اللبنانية عن تحرير عرسال؟

شارل أبي نادر

قد ينزعج البعض من عبارة «تحرير عرسال»، حيث يعتبر هذا البعض أنّ عرسال محرّرة ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والإدارية موجودة فيها وتقوم بما هو مطلوب منها، وأبناء عرسال يمارسون نشاطاتهم اليومية وأعمالهم في البلدة وخارجها بشكل شبه عادي، ولكن… يوجد بعض التوترات الأمنية التي تتشابه مع الذي يجري في مناطق لبنانية أخرى تتأثر جميعها بالأوضاع المحلية والإقليمية المتعلقة بالحرب الواسعة على الإرهاب.

كيف يمكن القول إنّ عرسال محرّرة، ونحن نشهد بشكل شبه يومي عمليات إرهابية من تفجيرات واغتيالات مجرمة تطال عناصر أمنية وعسكرية من أبناء البلدة وفي أحيائها، حيث يسكنون، وعلى مقربة أو حتى على مرأى أحياناً من أطفالهم ومن عائلاتهم، واغتيالات تطال مواطنين مدنيين من أبناء البلدة على خلفيات متعددة، أغلبها يتمحور حول اتهام هؤلاء الضحايا بالتعامل مع الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية، او حول اتهامهم بعدم تسهيل أمور المسلحين أو المقرّبين منهم، أو بعدم تحقيق مطالبهم لناحية تهريب الأسلحة والذخائر، أو تأمين حاجاتهم اللوجستية التي تتعرقل أحياناً نظراً للإجراءات الأمنية والعسكرية المشدّدة ما بين البلدة وجرودها، حيث تتمركز بنية المسلحين التنظيمية والعسكرية الإرهابية.

ما هو المطلوب لكي تصبح عرسال آمنة لأبنائها العسكريين والمدنيين، وما هو الذي يعيق التوصل الى وضع يتحرّر فيه أبناء عرسال من الخوف والضغط النفسي والاجتماعي ويعيشون حياتهم بشكل عادي، كما يعيش أبناء البلدات المحيطة الأخرى على الأقلّ؟

الى متى سوف تبقى عرسال وجرودها نقطة ارتكاز للإرهابيين يستعملونها لإدارة معركتهم غير الواضحة الأهداف؟ وما هي أهدافهم الحقيقية الفعلية من هذا الانتشار الغريب غير الطبيعي في عرسال وجرودها؟

إذا كانت أهدافهم هي مواجهة النظام والدولة والجيش في سورية فهذا الانتشار لا يمكن ان يعطيهم أية إمكانية عسكرية او ميدانية لتنفيذ هذا الهدف، فمنطقة وجودهم غير مرتبطة بتاتاً بأية بقعة يمكن الانطلاق منها ومهاجمة وحدات الجيش العربي السوري، والأجدى لهم ولـ «ثورتهم» هو انتقالهم إلى أماكن أخرى داخل سورية في إدلب أو حلب المدينة أو أريافها الأربعة، حيث جبهات المواجهة الحقيقية الواسعة ضدّ الجيش العربي السوري، وهناك يحتاجون إلى جهودهم في القتال والتفخيخ والأعمال العسكرية والانتحارية والإرهابية، حيث لا شك في أنهم بارعون فيها، وقادة فصائلهم او مجموعاتهم بأمسّ الحاجة لهم حيث خسروا العدد الكبير من عناصرهم في معارك المواجهة الشرسة الأخيرة في أغلب تلك المناطق.

إذا كانت أهدافهم هي حماية اللاجئين السوريين، والذين حسب المعلومات هم بأغلبهم من عائلات وأقارب مسلحي جرود عرسال، فإنه يوجد داخل الأراضي اللبنانية أعداد كبيرة من هؤلاء اللاجئين ينتشرون في أغلب المناطق داخل مئات لا بل آلاف المخيمات ويتمتعون بحماية أمنية موثوقة تقدّمها لهم الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية بشكل فعّال وكامل.

طبعاً، هدف هؤلاء الحقيقي ليس مواجهة الجيش السوري، حيث لا إمكانية لهم لتنفيذ ذلك انطلاقاً من مكان وطريقة انتشارهم المحاصر والمحدود في بلدة عرسال وجرودها، وأيضاً هدفهم الحقيقي ليس حماية اللاجئين، لأنّ في وجودهم في تلك المنطقة القريبة والمتداخلة مع بعض المخيمات يتعرّض هؤلاء اللاجئون دائماً لمداهمات ولتوقيفات ولضغوط أمنية وعسكرية على خلفية تواصلهم مع تلك المخيمات لأسباب وأسباب.

لم يتبقّ لهؤلاء أيّ هدف في تمركزهم الحالي الا الهدف الإرهابي الذي يقوم على التضييق على أبناء عرسال وأخذهم رهينة هذا الانتشار غير الطبيعي. هذا الانتشار الذي تنتج عنه دائماً عمليات اغتيال تستهدف، كما ذكرنا أبناء عرسال المدنيين والعسكريين، وينتج عنه أيضاً هذا الجو الخانق من الرعب الذي يعيش فيه أبناء البلدة المخطوفة على يد هؤلاء الإرهابيين، بسبب التنافر والتقاتل على أرض عرسال وبين أحيائها وشوارعها وفي جرودها، حيث لقمة عيش أبنائها، الوحيدة تقريباً، من المقالع والحقول أصبحت نادرة ومغمّسة بالخوف والحزن وعدم الاستقرار، ولم يتبق أيضاً لهؤلاء الإرهابيين إلا تنفيذ أهدافهم من ضمن مشاريع عقائدية مشبوهة انخرطوا فيها من ضمن أجندات غريبة، إقليمية ودولية ضمن مشروع واسع هدفه الدمار والتفتيت والتقسيم وضرب المجتمع العربي والإسلامي.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّ الجو العام في المنطقة والإقليم هو الآن باتجاه محاربة الإرهاب والتكاتف والتضامن لمواجهته والانتصار عليه، وباتجاه إعادة دورة الحياة الطبيعية إلى المجتمع القريب وإلى المجتمع المحيط والتخلّص من هذا الكابوس الذي ضرب الدين والثقافة والإنسان والمجتمع وخلّف مئات آلاف الضحايا والدمار والتهجير وغيره من مآسٍ وجرائم. وعليه، فالمطلوب من المعنيين اللبنانيين، مسؤولين رسميين وعسكريين وأمنيين أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار واتخاذ القرار الطبيعي والمنطقي الذي يفرضه الواجب والحقوق، واجب هؤلاء المسؤولين في استعادة السيادة وتحرير كامل بقاع تواجد الإرهابيين، وحماية الوطن وتوفير الأمان والأمن للمواطنين، وهذا من صلب واجباتهم التي على اساسها هم في مواقع المسؤولية ومن دون ملاحقتهم لهذا الواجب ومتابعته بصدق وبأمانة يكونون كمن يصادر الموقع ويتعدّى عليه ويسرق امتيازاته، ويكونون كمن ينتزعه ويتمسّك به فقط لمصالح خاصة دون المصالح الوطنية التي من المفترض أن تكون هي الأساسية والثابتة دون غيرها.

عميد متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى