تشييع الورديني و مسلّم في الأشرفية والبيرة وسط حداد عام وجثمان الشامي إلى جون غداً
خيّم الحزن على لبنان في اليومين الماضيين جرّاء استشهاد ثلاثة لبنانيين وجرح ستة آخرين برصاص تنظيم «داعش» الإرهابي في أحد مرابع تركيا، فيما استنفرت الدولة اللبنانية لاستقبال جثامين الشهداء والجرحى وسط حدادٍ عام شهده لبنان خلال تشييع شهيدين بعد ظهر أمس.
والشهداء الثلاثة هم الشابة ريتا شامي والشابان الياس الورديني وهيكل مسلّم، والجرحى: فرنسوا الأسمر، نضال بشراوي، ميليسا بابالاردو، ناصر بشارة، جهاد عبد الخالق وبشرى الدويهي. وقد عادوا جميعاً إلى لبنان ليل أول من أمس باستثناء الدويهي التي بقيت في مستشفى أوكمايداني لدقّة حالتها على متن طائرة تابعة لطيران الشرق الأوسط قرّرت الدولة اللبنانية – بعد اتصالات بقيت مفتوحة بين رئيسَي الجمهورية والحكومة ميشال عون وسعد الحريري منذ صباح الأحد – إرسالها إلى تركيا، فانطلقت عصر اليوم نفسه إلى إسطنبول وعلى متنها طاقم طبي ودبلوماسي وأهالي الضحايا، لمتابعة الكارثة من كثب. واستقبل الحريري ممثّلاً نفسه ورئيسَي الجمهورية ومجلس النوّاب، الطائرةَ العائدة، وإلى جانبه وفد وزاري جامع ضمّ نهاد المشنوق وجبران باسيل ويوسف فنيانوس وميشال فرعون ونقولا تويني.
وقد أرخت الكارثة بثقلها أمس على لبنان الشعبي والرسمي. فعند الثالثة من بعد الظهر، وقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دقيقة صمت حداداَ على شهداء الاعتداء الإرهابي خلال استقباله وفدا من الانتشار في «التيّار الوطني الحرّ» في قصر بعبدا. أمّا الرئيس الحريري، فأصدر ظهراً مذكّرة حداد عام على الضحايا من الثانية ظهراً لغاية الثالثة، ودعا إلى تعديل البرامج الإعلامية.
في الموازاة، شُيّع الياس الورديني 27 عاماً في الأشرفية، حيث أُخرج جثمانه من مستشفى القديس جاورجيوس وحُمل على راحات رفاقه وشقيقتيه المفجوعتين إلى كنسية سيدة الدخول للروم الأرثوذكس، على وقع المفرقعات الناريّة وألحان الزفة. وقد ترأّس متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة الصلاة لراحة نفس الفقيد، وقال: «الياس ضحّى بحياته لأجل حبيبته، وقليلون جداً من يقومون بهكذا عمل». وبعد القدّاس، ووري الياس في الثرى في مدافن العائلة في مار متر، على أن تُقبل التعازي به اليوم بدءاً من الحادية عشرة قبل الظهر ولغاية السادسة مساءً.
ونُقل إلى بلدة البيرة الشوفية جثمان المدرّب الرياضي هيكل مسلم 33 عاماً ، الذي لم يمضِ على زفافه أكثر من 5 أشهر، بعد أن أُخرج صباحاً من مستشفى أوتيل ديو. وقد استُقبل نعشه أيضاً مرفوعاً على الأكف وسط التصفيق والدموع، قبل أن يُسجّى في كنيسة قلب يسوع، حيث أُقيمت الصلاة لراحة نفسه عند الثالثة من بعد ظهر اليوم، ثمّ ووري الثرى.
أمّا الشهيدة ريتا الشامي، فسيُحتفل بالصلاة لراحة نفسها في الأولى من بعد ظهر غدٍ الخميس في مطرانية بيروت للروم الكاثوليك – طريق الشام، على أن ينقل الجثمان بعدها إلى مسقط رأسها في بلدة جون الشوفية.
وصول الطائرة
وكانت الطائرة الخاصة التي على متنها جثامين شهداء تفجير إسطنبول الثلاثة وجرحاه اللبنانيّون الخمسة قد وصلت قرابة الثامنة والنصف ليل الاثنين الماضي إلى مطار بيروت. وكان في استقبالها، إلى أصدقاء وعائلات الضحايا الذين غصّ بهم صالون الشرف، الرئيس الحريري ووفد وزاري، الذين أشرفوا على عملية إنزال الجثامين من الطائرة وجالوا داخلها متفقّدين الجرحى، قبل أن يتمّ إنزالهم إلى سيارات الصليب الأحمر التي كانت تنتظرهم في المكان لنقلهم إلى المستشفيات.
وأكّد الحريري في كلمة مقتضبة، أنّ «اليوم هو يوم الشهداء والجرحى»، معتبراً أنّ «الإرهاب لا دين له، وهو يستهدف الجميع والدولة اللبنانية ستحاربه من خلال الوحدة الوطنية»، ومشيراً إلى أنّ «الدولة لديها مسؤولية أمام الناس، وستقف إلى جانب أهالي وضحايا اعتداء إسطنبول». ولفتَ إلى أنّ الدولة اللبنانية تتابع مع الدولة التركية بالنسبة للمجرم الذي ارتكب جريمة الـ»رينا».
وقُبيل وصول الطائرة، عُقد اجتماع لخلية الأزمة التي تشكّلت لمتابعة كارثة إسطنبول، في المطار، شارك فيه وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أشار إلى «أنّ ليس هناك من عراقيل والأجهزة المعنيّة تتابع وصول الضحايا»، مضيفاً «أنّ الأمن في لبنان مستقر».
أمّا مدير العناية الطبية في وزارة الصحة، الدكتور جوزف الحلو الذي شارك في الاجتماع نفسه، فأعلن أنّ جثامين الشهداء الثلاثة ستُنقل إلى مستشفى أوتيل ديو. أمّا الجرحى فسيتلقّون العلاج على نفقة وزارة الصحة، وسيتوزّعون على مستشفيي الجامعة الأميركية والروم. وقد أُفيد أنّ كلّهم يتماثلون للشفاء ووضعهم مستقر، وأفادت المعلومات أنّ المصابة الدويهي ستُنقل في الساعات الثماني والأربعين المقبلة إلى بيروت.
وتوجّه الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، ومديرة المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين السفيرة ميرا ضاهر برفقة وفد إلى إسطنبول، وحيث تفقّدوا الجرحى في المستشفيات وقد اطّلعوا على حاجاتهم وأوضاعهم الصحيّة، في حين جال طاقم من القنصلية اللبنانية في تركيا، وبتوجيهات من وزير الخارجية جبران باسيل، على مستشفيات إسطنبول للتأكّد من خلوّها من أيّ مصاب لبناني. إلى ذلك، عُقد اجتماع في مبنى القنصلية اللبنانية في إسطنبول بين الوفد اللبناني الرسمي ووفد من السلطات التركيّة للبحث في إجراءات نقل الجرحى والجثامين. وكان رئيسا الجمهورية والحكومة يتابعان مع باسيل عمل البعثة الرسمية في إسطنبول. وتقرّرت العودة عصر الاثنين إلى لبنان.
ردود فعل
وتوالت ردود الفعل المستنكرة والمدينة لجريمة إسطنبول الإرهابية. وفي هذا الإطار، أوضح الوزير فنيانوس أنّ الشهداء الثلاثة الذين سقطوا في الهجوم في تركيا كأنّهم سقطوا في كلّ بقعة من لبنان، مشيراً إلى «أنّ لبنان اليوم في عزاء وطني، وهذا الوقت ليس للكلام بالسياسة، بل يجب التركيز على مواجهة الإرهاب التكفيري».
واستنكر رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني وزير المهجّرين طلال أرسلان الاعتداء، واعتبر أنّه مخالف للأديان وينعكس على الدولة المحيطة كافّة، وتقدّم من أهل الضحايا الأبرار بالتعازي، وتمنّى لجميع الجرحى الشفاء العاجل.
ووجّه عضو كتلة المستقبل النائب سمير الجسر التعزية لأهالي الضحايا الذين استشهدوا في الحادثة خصوصاً اللبنانيين، كما تمنّى الشفاء العاجل للجرحى لأيّ دين أو دولة انتموا.
وأدانَ عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر العمل الإرهابي في إسطنبول. وقال: «العام الجديد يطلّ علينا والإرهاب ماضٍ في مخطّطه الدموي. من هنا، فإنّ المطلوب خطة عالمية وعربية وإسلامية ومسيحية يشارك فيها الجميع لاجتثاث الإرهاب واستئصاله من جسد العالم قبل أن يفترس الاستقرار العالمي العام»، منوّهاً «بما قامت به الدولة اللبنانية برؤسائها الثلاثة ووزارتها في نجدة أبنائنا اللبنانيين الشهداء والجرحى في إسطنبول، وإرسال طائرات وطواقم طبيّة لإغاثتهم. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على النخوة اللبنانية وعلى أنّ لبنان من الدول الأولى التي اكتوت بالإرهاب ومشاريعه الدموية، ودفعت الثمن تضحيات ودماء غالية من صفوف مواطنيها وجيشها وقواها الأمنيّة للتصدّي للإرهاب وإفشال أهدافه الرامية إلى زرع الفتنة بين اللبنانيين».
وتقدّم بالتعازي من العائلات اللبنانية المفجوعة بالمصاب الأليم، متمنّياً الشفاء العاجل للجرحى.
بدوره، توجّه النائب السابق إميل لحود «بالتعزية الشديدة إلى ذوي الضحايا الذين سقطوا على يد الإجرام الإرهابي في إسطنبول، الذين انضمّوا إلى قافلة ضحايا الإرهاب بأشكاله المتعدّدة، ذبحاً وتفجيراً ورمياً بالرصاص».
ورأى في بيان، أنّ «أيّ كلام تعزية يبقى متواضعاً أمام هذه المأساة التي حصدت شباباً في مطلع العمر، ما يستدعي أقصى مشاعر التضامن مع عائلاتهم ومحبّيهم».
وقال لحود: «إنّ ما حصل في إسطنبول تتحمّل مسؤوليته الأولى الدولة التركيّة نفسها، فهي قصّرت وتقصّر في حفظ الأمن بدليل الاعتداءات الكثيرة التي تشهدها، ومنها على سبيل المثال اغتيال السفير الروسي وتفجيرات أخرى طرحت علامات استفهام حول التقصير الأمني. كما أنّ مسؤولية الدولة التركية تشمل مشاركتها المباشرة في دعم التنظيمات الإرهابية، وقد حوّلت أراضيها ممرّاً لها».
وتابع: «أنّ الدور الذي لعبته تركيا في الحرب على سورية، التي كانت نتيجتها قتل مئات الآلاف وتهجير الملايين، انقلب عليها وحوّلها ساحة للاعتداءات الإرهابيّة، وهي بالتالي مسؤولة مباشرة عن قتل الضحايا ليلة رأس السنة، تماماً مثل جميع الذين شاركوا في الحرب على سورية».
وشدّد على أنّ «هذا الإرهاب ليس يتيماً، بل له أب وأم وأسرة معروفين، وتركيا من بينهم بالتأكيد، فالتسليح والتمويل والتنقّل أتى بدعم من دول وليس من عدم».
ورأى أنّه «في وقت تعاني فيه تركيا من التفلّت الأمني، يتنعّم لبنان باستقرار أمنيّ برز بوضوح في الأعياد، ومردّ ذلك إلى دور الجيش والأمن العام والقوى الأمنيّة الأخرى، ودور وتضحيات المقاومة، إلى جانب الجيش السوري، في القضاء على التنظيمات الإرهابية التي كانت لتتجوّل في المدن اللبنانية ليلة رأس السنة لولا ما تقوم به المقاومة التي تستحق أيضاً أن يُستقبل شهداؤها استقبال الأبطال بحضور رسميّ، بدل أن يتسابق بعض المسؤولين إلى مهاجمة المقاومة وتخوين شهدائها، ولها التحية وكلّ الاحترام، وحتى الخجل أمام عظمة تضحياتها».
وختم لحود: «أنّ مشهد عودة الضحايا والجرحى اللبنانيين يجب ألّا يتكرّر، وهو يستدعي مناقشة قرار حظر سفر اللبنانيين إلى تركيا، ما دام الإرهاب الذي شاركت تركيا في صناعته يواصل إجرامه الذي لن يتمّ القضاء عليه بالتصريحات ولا بالنأي بالنفس، بل في الميدان».
من جهته، اعتبر الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، «أنّ القضاء على الإرهاب وشروره يتطلّب خوض مواجهة شاملة معه على جميع الصُّعد والمستويات، وفي مختلف المجالات والبلدان. كما يتطلّب وضع حدّ نهائي لأيّ شكل من أشكال الرعاية السياسية والإعلامية والدعم المالي والتسليحي».
واستنكر رئيس «حزب الحوار الوطني» فؤاد مخزومي، «الاعتداء الإرهابي الذي استهدف إسطنبول»، وأكّد أنّ «استشراء الجرائم الإرهابية في المنطقة وفي مختلف بلدان العالم يتطلّب جهوداً دولية وإقليمية تتعاون من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة»، داعياً إلى «تعاون دولي – إقليمي حازم يدحر الإرهاب، ويضع المنطقة على سكّة الأمن والسلام».
وكان مخزومي قد أبرق إلى الرؤساء عون وبرّي والحريري، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، والسفير التركي في لبنان شاغاطاي ارجييس، مستنكراً الجريمة الإرهابية ومعزّياً بالضحايا ومتمنّياً الشفاء العاجل للجرحى.
واستنكر المكتب السياسي لحزب «الاتحاد» «الجريمة النكراء التي قام بها إرهابيون مجرمون في إسطنبول، وأسفرت عن سقوط عشرات الضحايا كان للبنان والدول العربية نصيب منهم»، ورأى «أنّ من قام بهذا العمل الجبان لا يمتّ إلى الإسلام بصِلة، وأنّ هذا العمل يأتي ضمن مسلسل لنشر الفوضى التي وعدتنا بها الإدارة الأميركية». وتقدّم من ذوي الضحايا من مختلف الجنسيات بالتعزية، وتمنّى للجرحى الشفاء العاجل».
وأعربت رئيسة «الكتلة الشعبية» ميريام سكاف عن أسفها وأسف الكتلة لما أصاب لبنان في الاعتداء الإرهابي في إسطنبول، وما أوقعه من شهداء وجرحى.