«تفاصيل صغيرة»
عبارة قرأتها ولفتتني. يقول نيتشه: «أن نجعل الناس ينتظرون طويلاً، هذه هي الوسيلة المؤكّدة لإغضابهم. وحشو رؤوسهم بأسوأ الأفكار، الانتظار الطويل يجعل المرء بلا أخلاق».
لِمَ؟ لأننا ونحن نجعل الآخر ينتظرنا، ينتظر اهتمامنا، محبّتنا، مساعدتنا، دعمنا النفسي أو العاطفي، نكون في طور استنزف طاقته حتى رمقها الأخير.
يقال إن الأشياء الجميلة هي كذلك في كلّ وقت. أما أنا فأقول إن الأشياء تكون رائعة حين تأتي في وقتها، وما هو رائع في لحظة ما قد يكون عديم الأهمية في لحظة أخرى. ويمكننا أن نقيس على هذا الأمر كلّ شيء، قيمة الدفء ترتفع كلّما اشتدّت البرودة، وقيمة الماء كلّما ازداد العطش. والطعام، في لحظات الجوع لا يهمّ نوعه بمقدار توفّره، والكلمة الطيبة نحتاج إليها في لحظات الحزن، وهي خير عزاء لألم الفراق.
ورغم أن المعيار في ذلك كلّه هو التوقيت الصحيح، وعليه يتوقّف نجاح أمور كثيرة في حياتنا أو فشلها، وحتى النصيحة لا بدّ أن يكون لها وقتها، فلا قيمة لنصيحة نقدّمها للآخر في لحظات فشله، لأنها تنزل في نفسه منزلة التشفّي. ففي الحالات المماثلة يحتاج إلى دعم معنويّ وعاطفيّ أكثر من كلمات تزيد إحباطه.
ومن جميل ما قرأت لأوشو: أننا يجب ألا نبادر بتقديم نصيحة لغير طالبها، فما نعتبره عطاء منّا للآخر قد تسبّب له أذى نفسياً، ذلك أن النصيحة يجب أن يسبقها استعداد نفسيّ لدى الآخر لتلقّيها، وإلا أعطت عكس المطلوب.
علينا أن نتعلّم متى نأخذ دور المتلقّي ومتى نتقمّص دور المعلّم. وقبل هذا وذاك، علينا أن نتعلّم كيف نتسامح مع أنفسنا قبل التسامح مع الآخرين، وأن نتقن تقديم المواساة لأرواحنا قبل بلسمة جراح الآخر. ففي النهاية فاقد الشيء لا يعطيه، وإن لم تهب نفسك طاقة حبّ تليق بها، لن يكون بمقدورك أن تقدّم لسواك طاقة حبّ واهتمام ورعاية وتسامح وغفران. وللحديث تتمة!
منى عبد الكريم