قول وموقف… وتعليق

جورج كعدي

كثير من النفاق، من الغرابة والعبث، من الإجرام والتآمر… ذاك ما يطبع المرحلة الراهنة إقليميّاً وعالميّاً، ومثل كلّ متابع يعيش اللحظة وهمومها، أسمع وأشاهد وأقرأ فيأخذني العجب من حجم الكذب والشرّ الكامن في النفوس وعلى الألسن والوجوه، وتستوقفني أقوال ومواقف تستفزّ لديّ ردّاً وتعليقاً، من باب السعي إلى الحقيقة والحقّ وكشف الأضاليل.

بالأمين العام للأمم المتحدة أبدأ، فهذا «المأمور» الأميركيّ يتقدّم مسيرة في نيويورك خاصّة بقضايا التغيّر المناخيّ والتلوّث البيئيّ على المستوى العالميّ، إلخ… أقول: رائع، لكن ألا تستحقّ مجازر الإبادة الحاصلة على امتداد مساحة أمّتنا مسيرةً، بل مسيرات، وتحرّكاً أمميّاً يتقدّمه السيّد بان كي مون الذي يبدو حريصاً على الكوكب أكثر من إنسانه؟!

السعوديّة تحتفي بعيدها الوطني الرابع والثمانين، ولهذه المناسبة جاد علينا وليّ العهد سلمان بن عبد العزيز بدرّة سعودية لا تثمّن إذ قال: « … عام جديد وبلادنا تنعم بالوحدة والأمن والازدهار. نعيش استقراراً وسط منطقة تعجّ بالفوضى، ورخاءً اقتصادياً في وقت الأزمات الماليّة والانكماش»!

يا للروح الإنسانيّة، العربيّة والإسلاميّة خاصّة، فمملكة النفط والفحش سعيدة هنيئة بحالها، والحمد لله ربّ العالمين، لا همّ لديها سوى أنّها تعيش «استقراراً وسط منطقة تعجّ بالفوضى، ورخاء اقتصاديّاً في وقت الأزمات»… وليذهب الآخرون إلى الجحيم، وليفنوا بالحروب والمذابح والنزوح والفقر… المهمّ أنّ الرخاء يعمّ «المملكة»، اللهمّ لا شماتة بالآخرين، فهي لا تحسدهم على فوضاهم التي خلقت السعودية نفسها الجزء الأكبر منها بتمويل «الثورات» الحاقدة، في سورية خاصة، وتدمير أوطان ذات عراقة وحضارة ومدنيّة، نقيض السعودية ويكفي أنّها تنعم بالاستقرار… علماً أنّ الرخاء المزعوم على لسان وليّ العهد لا يطول فئات الشعب السعوديّ كافّة، بل طبقة الحكّام والأمراء والمقرّبين والمنتفعين…

يخال نبيل العربي، غير النبيل وغير العربيّ، نفسه دونكيشوت عصره وأنّه صاحب قدرة وصاحب قرار، حين يصرّح للصحافة من نيويورك قائلاً: «اتخذنا قراراً بمواجهة شاملة ضدّ داعش»…

أميركا تأمر والآخرون، جميع الآخرين، ينفّذون. والعربي الواهم هذا، رئيس «الجامعة» المفرِّقة والتابعة والمأمورة والذليلة و«الخزمتشيّة» والدمية في يد الغرب وأذنابه النفطيّين، يعتقد نفسه رجل سلطة ونفوذ وقرار! والله هَزُلت، وبتنا في الدَرْك الأسفل من الانحطاط والجنون والعبث.

إمعاناً في الدجل السياسيّ يتحفنا السفير السعوديّ في لبنان علي عواض العسيري، بإحدى نصائحه السياسيّة القيّمة، داعياً إلى «تحصين لبنان بانتخاب رئيس للجمهوريّة»…

هل يملك السيّد العسيري جرأة قول الحقيقة التي يعرفها جيّداً، والتي مفادها أنّ السعوديّة هي المعرقل الأول والأساسيّ لانتخاب رئيس الجمهوريّة في لبنان من خلال وضع فيتو على المرشّح الأقوى تمثيلاً، المعروف منه ومن «مملكته» ومن الجميع؟! فليوفّر السفير على نفسه وعلينا كلاماً إنشائيّاً معسولاً لا يعكس حقيقة الواقع وخفاياه المعلومة.

أضحكُ من الأعماق لكلام أحد الصحافيّين المدرجين على الـ«باي رول» لدى أكثر من جهة، حريريّة وسواها: «إنّ السعودية اليوم محكومة بمهمّتين: إخراج الإسلام من جمود النصّ والوعي، وإعادة الاعتبار للعروبة رابطة قوميّة تذيب الارتداد إلى المذهبيّة والطائفيّة، بشبك المصالح الاقتصاديّة وتكاملها»، ويضيف والريال السعودي أو ما يعادله بالدولار يلوح أمام ناظريه وهو يكتب درره هذه: «ما يشجّع أنّ الصحافة السعوديّة حفلت الأسبوع الفائت بنقد بنّاء لم يغفر للمؤسّسة الدينيّة تخلّفها، عن مواكبة المؤسّسة السياسيّة في المملكة، التي أعتقها الملك عبدالله من التزمّت، وفتح أمامها باب العصر».

أيتحدّث صحافيّنا عن السعودية أم عن النمسا أم عن السويد؟ أيعني حقّاً ما ورد في كلامه من أن السعوديّة، المفرّخة الأولى للإرهاب منذ عقود طويلة حتّى الساعة، والتي تدرج الفكر الأصوليّ الأفظع لابن تيميّة وسيّد قطب ومحمّد بن عبد الوهاب في مناهجها التعليميّة الرسميّة، هي التي ستخرج الإسلام حقّاً؟! من جمود النص والوعي، وأنّها هي، السعودية التي اغتالت فكرة العروبة ودفنتها سوف تعيد الاعتبار إلى رابطتها القوميّة و«تذيب الارتداء إلى المذهبية والطائفيّة»؟!.

والله، لا أرى مبرّراً، أو تبريراً لهذا الكلام الذي لا يؤمن به حتّى قائله، بالتأكيد، إلاّ «الشيكّ» المنتظر من الجهة المشغّلة أقلاماً مماثلة في نهاية الشهر!

أعجبتني مرارة «معارض» سوريّ يدعى حازم نهار كاتباً بواقعيّة وأسى وألم مقالاً تحت عنوان «صناعة زعيم للمعارضة السوريّة» صحيفة «العربي الجديد»، القطريّة «الإخوانية»، عدد 17 أيلول الجاري ، وممّا جاء فيه: «أذكر كيف قدّمت المعارضة نفسها في أوّل إطلالة لها على العالم والشعب السوريّ، فقد كانت الصورة مثيرة للشفقة عندما تمّ الإعلان عن تشكيل ما عرف بـ«المجلس الوطنيّ السوريّ» في 2 أكتوبر/تشرين أول 2011. كانت خلفيّة الصورة الأولى للمعارضة بالية، وهي أقرب إلى عمل الهواة، وانعكاسها كان سلبيّاً في أذهان السوريّين، وتلقّتها الدول بسخرية. فقد كان الجميع في هرج ومرج، وبعضهم يسري ويتحرّك في أثناء المؤتمر الصحافيّ، وأشخاص يقفون خلف رئيس المجلس وهو يلقي خطبته، الكلّ موجودون على المنصّة، وخطبة غير مدقّقة، وتحضير ساذج للردّ على أسئلة بديهيّة متوقّعة من الصحافيّين. عندما رأيت تلك الصورة، رئيس المجلس وحوله رهط كبير من المتزاحمين على الظهور في الصورة، قلت لكثيرين منهم إنّ السوريّين لم يحترموا هذا الظهور، ولن يكون له أثر في قلوبهم وعقولهم. واحدة من النقاط المهمّة في علم النفس، هي معرفة كيفيّة إظهار القائد بصورة تجعل من الحبّ والاحترام في آن معاً عنصري الرسالة الأساسيّة المراد إيصالها إلى الجمهور … ».

أنت محقّ يا حازم ابن نهار، كلامك يأتي القارئ بالحقيقة وإن ظننت أنّك تمارس به النقد الذاتيّ. مقالتك ليست نقداً ذاتيّاً، بقدر ما هي تعرية غير مقصودة لواقع «معارضتك» و«ثورتك» التعيسة البائسة. أنت محقّ، الزعامة موهبة وقدرة ومعطى إلهيّ، ولم تُجِدْ «ثورتكم» المسكينة بـ«زعيم» لأنّها «ثورة» مبنيّة على الباطل وعلى الطائفيّة البغيضة والتطرّف والتخلّف والجريمة والعمالة والفساد… وأنت على ما يبدو من أكثر العارفين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى