الاستطلاعات تسوّق لماكرون لخوض السباق مع لوبن… والمفاجأة فيون؟ الحريري في جنوب المقاومة… وغداء لبري يجمعه مع فنيش لطيّ الصفحة

كتب المحرّر السياسي

فرنسا في مخاض انتخابي نادر بغموض التوقعات حوله، يخوض غماره خمسة مرشحين لتنتهي دورته الأولى غداً ليلاً، بفائزين يخوضان سباق الفوز نحو الأليزيه. والمرشحون المتسابقون يتوزّعون بين اثنين ينتميان لمعسكر اليسار هما بنوا آمون المرشح الرسمي للحزب الاشتراكي الحاكم ومانويل ماكرون الاشتراكي المستقلّ الآتي من موقع وزير اقتصاد سابق في حكومة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ومرشح لليسار الراديكالي هو جان لوك ميلنشون، ومرشح يمين الوسط الرئيس السابق للحكومة فرنسوا فيون، ومرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبن.

تضع استطلاعات الرأي مارين لوبن في دائرة الفوز شبه الأكيد بتخطّي السباق إلى الدورة الثانية وتدور التكهّنات عن منافسها الذي يجب عليه اجتياز عتبة هذا الأحد على منافسيه الثلاثة الباقين. وترشح استطلاعات الرأي ماركون للفوز بلقب المنافسة، فيما لا تستبعد مصادر متابعة للانتخابات أن يكون عملاً مدروساً لإقناع الناخبين بمنحه أصواتهم، وعدم منحها لمنافسيه، خصوصاً اليساريين الآخرين خشية تضييعها وفتح الطريق لمرشح يمين الوسط فيون، الذي تبدو حملة شرسة لاستهدافه منذ إعلان ترشيحه، وتسعى الاستطلاعات لإقناع الناخبين بماكرون وإقناعهم بالثقة بفوزه، لتجميع أصوات اليسار لحسابه.

الأرقام المالية والاقتصادية التي تتغلّب عادة على خيارات الناخبين، لم تعد لها الأولوية في حسابات الناخبين مع التهديد الذي يمثله الإرهاب، ولا في حسابات المعنيين الأوروبيين والدوليين، والشرق أوسطيين، بعدما دخل على طروحات المرشحين ما يوحي بأنّ فوز أيّ منهم سيأخذ فرنسا كمركز لأوروبا لضفة جديدة في السياسات الأوروبية والدولية والشرق الأوسطية.

يلتقي فيون ولوبن وميلنشون على الانفتاح على سورية وروسيا في الحرب على الإرهاب، بينما تضيف لوبن على زميليها دعواتها العنصرية ضدّ المهاجرين ودعوتها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ما يجعل مهمة منافسها في الدورة الثانية أسهل، بينما يلتقي آمون وماكرون على التموضع خلف السياسة التقليدية لفرنسا، كما هي في عهد هولاند بالتنسيق ضمن الاتحاد الأوروبي والسير وراء السياسات الأميركية ومراعاة التحالف مع «إسرائيل» والسعودية.

يبدو آمون ضعيف الحظوظ وخارج السباق، فيتمّ التركيز الأميركي والأوروبي والسعودي و«الإسرائيلي» على دعم ماكرون لتخطي عتبة الدورة الأولى منعاً لمخاطر تغيّر جذري في موقع فرنسا. وفي حال تمّ له ذلك فسيكون عليه خوض معركة قاسية ضدّ بولان لا يضمن الفوز فيها، لأنّ أغلب مصوّتي الوسط سيمنحون أصواتهم للوبن على الأرجح لأنّ طروحاتها تنتمي لذات مساحة التغيير التي يدعو إليها مرشحهم فيون، أم إن فاز فيون أو ميلنشون فقد يحدث العكس، ففي حال منافسة فيون للوبن سيصوّت اليسار لفيون وإن فاز ملينشون بوجه لوبن فسيصوّت الوسط لحسابه لأنّ طروحات فيون وميلنشون متقاربة وترضي ناخبي معكسر اليسار والوسط بوجه خطر مشترك هو وصول لوبن، ونظراً لسطوة عنوان الحرب على الإرهاب من جهة، وسيطرة التفكير بكيفية استبعاد خيار لوبن على معسكري اليسار والوسط يبدو خيار فيون صاحب حظوظ كبرى عكس ما تُبديه استطلاعات الرأي، التي تتحدث عن احتمال مفاجآت بسبب عدم تحديد ثلث الناخبين خيارهم التصويتي عشية الانتخابات.

لبنانياً، جاءت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري برفقة وزير الدفاع يعقوب صراف وقائد الجيش العماد جوزف عون للجنوب، عقب الجولة التي أقامها حزب الله للإعلام وأرسل عبرها رسائل متعدّدة نحو الداخل «الإسرائيلي»، لتطوي صفحة السجال حول الجولة بمأدبة غداء أقامها رئيس مجلس النواب نبيه بري للحريري ومثله فيها وزير المالية علي حسن خليل وحضرها الوزير محمد فنيش ممثلاً حزب الله، فوصلت رسائل حزب الله، ورحّب الجنوب باستقدام الحزب لرئيس الحكومة مصطحباً وزير الدفاع وقائد الجيش، بينما أكد الحريري بكلام مدروس أنّ الحكومة ملتزمة بالقرار 1701 وغير معنية بجولة الحزب.

في الشأن الانتخابي ثلاثة مواقف، واحد لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يحسب التفاصيل كثيراً قبل الإقدام وهو الممسك بما لا يعرفه سواه في لعبة التجاذبات الانتخابية والمشروع المنتظر لبري يعتمد النسبية في ست محافظات ويتوقع له أن يخلط الأوراق، بينما أعلن الحزب التقدمي الاشتراكي تقديمه لمشروع قانون يعتمد النظام المختلط. وقالت مصادر التيار الوطني الحر إنّ المشروع التأهيلي الذي قدّمه رئيسه الوزير جبران باسيل لا يزال حياً يُرزق.

الحريري في الجنوب غُبّ الطلب

خطفت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى الجنوب والمواقف التي أدلى بها الأضواء بعد 24 ساعة على الجولة التي نظّمها حزب الله للإعلاميين على الحدود مع فلسطين المحتلة. لكن حزب الله أظهر سعادة بهذه الزيارة، بحسب أحد المصادر المطلعة في مجتمع المقاومة، الذي اعتبر أن رئيس الحكومة استخلص من الجولة الإعلامية بطاقة دعوة لزيارة الجنوب استجابة لطلبات دولية ورغبات داخلية.

وربطت مصادر أخرى بين الزيارتين، معتبرة أنها جاءت غبّ الطلب، «ولولا زيارة حزب الله والوفد الإعلامي الى هذه المنطقة لما كان الحريري قد زارها برفقة وزير الدفاع وقائد الجيش». وكشفت المصادر لـ«البناء» عن اتصالات أميركية حصلت مع الحريري عبر دبلوماسيين غربيين يعملون في لبنان مضمونها الطلب من الحريري التوجّه الى الجنوب بشكلٍ فوري أمس، والإدلاء بمواقف تؤكد احترام القرار 1701 وإعلان رفض الحكومة اللبنانية ما قام به حزب الله على الحدود». وأكدت المصادر أن «جولة الحريري لم تكن بقرار شخصي منه أو من فريق المستشارين لديه، بل كانت نتيجة الضغوط الدولية والاتصالات التي نشطت بعد جولة حزب الله الجنوبية». وأوضحت أن رئيس الحكومة حاول احتواء تفاعلات جولة حزب الله بأبعادها الدولية و«الإسرائيلية» وطمأنة المجتمع الدولي وردّ الاعتبار للقوات الدولية العاملة في الجنوب، مشيرة الى أن مفاعيلها انتهت بنهاية الزيارة وإعلان هذه المواقف، كما لن يتوقف «الإسرائيلي» عندها، بل همّه الوحيد جبهة الجنوب والرسائل الأمنية والعسكرية والإعلامية التي بعثها الحزب جراء الجولة الحدودية على مرأى ومسمع قواته ومواقعه».

وأوضحت مصادر عسكرية لـ«البناء» أن تنظيم زيارة إعلامية الى الشريط الحدودي لا تندرج في سياق خرق القرار الدولي 1701 ولم يشهر الحزب أي سلاح ناري، أما البذلة التي يرتديها أحد المقاومين لا تدلّ على مظاهر مسلحة كما ينص القرار بل هي زيّ وطني للمقاومين في الجنوب، كما أن الوفد لم يخرق الخط الأزرق ولم يهدد القوات الإسرائيلية عسكرياً».

وأكد الحريري من مقر قيادة القوات الدولية في الناقورة «أن واجبنا كدولة حماية الحدود والجيش مرابط لحمايتها وملتزمون بالشرعية الدولية وبقراراتها وعلى رأسها القرار 1701، ولا سلطة فوق سلطة الدولة». وقال «نرفض ما قام به حزب الله على الحدود ونحن ملتزمون بالقرار 1701»، لافتاً الى أن «هناك خلافات سياسية في بعض الأمور، لكن الحكومة تتحمّل المسؤولية وأدعو اللبنانيين الى عدم تضخيم الأمور»، مشدداً على «أننا بالوحدة نواجه أي إرهاب أو اعتداء إسرائيلي»، ومذكّراً «بأن البيان الوزاري الذي وافق عليه كل الأفرقاء السياسيين هو الذي يبعث على الاطمئنان».

ومن الناقورة، انتقل الحريري والوفد المرافق الى استراحة صور السياحية، حيث أقام الوزير علي حسن خليل مأدبة غداء على شرفهم حضرها وزير الدولة محمد فنيش ونواب وفاعليات المنطقة.

وأشار فنيش على هامش المأدبة، الى أن «الجولة الإعلامية التي نظمها حزب الله هي لتعريف الرأي العام المحلي والدولي على الوضع في الجنوب وطبيعة النيات الإسرائيلية وما يحضّر له العدو». وقال: «نحن لسنا معتدين، لكن بجهوزية تامة لمواجهة أي عدوان وبالتالي أي مبالغة بتفسير هذا الامر هو تعبير عن نيات سيئة لدى المفسرين ولا علاقة له بالحدث. ومن حق وسائل الإعلام أن تشاهد ما يحدث وأن توثق الخروق الإسرائيلية».

جنبلاط يكشف مبادرة انتخابية اليوم

على الجبهة الانتخابية، وحتى نهاية مهلة الثلاثين يوماً المحددة للاتفاق على قانون انتخاب جديد والتي بقي منها حوالي ثلاثة أسابيع، سيشهد الواقع السياسي تزاحم وتصادم مشاريع القوانين علّها تلتقي على نقاط مشتركة تنتج مشروعاً توافقياً يُخرج البلاد من عنق الزجاجة في ربع الساعة الأخير.

وفي ما أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه سيخرج من جعبته مطلع الأسبوع المقبل مبادرة تتضمّن صيغة انتخابية تعتمد على النسبية الكاملة وتقسيم لبنان الى ست دوائر، وأنها لاقت موافقة الأطراف المعترضة، تتجه الانظار الى الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يكشف اليوم النقاب عن مبادرة انتخابية جديدة تتضمن مشروع قانون انتخاب في مؤتمر صحافي يعقده رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط، يُعلن فيه تفاصيل المشروع، منطلقاً من الأفكار التي سبق أن أودعها لدى رئيس مجلس النواب في زيارته الأخيرة منذ أسابيع.

ووفق معلومات «البناء» من مصادر مطّلعة في الحزب الاشتراكي، فإن جنبلاط سيقدّم اقتراح قانون جديداً على مستوى لبنان أقرب الى النسبية ويختلف عن الاقتراحات والقوانين المختلطة التي قدمت في السابق ويراعي وحدة المعايير ويحقق الشراكة والتعدّدية ويحافظ على تركيبة المجتمع اللبناني ويشكل مخرجاً لتسوية معقولة ترضي بها الأطراف كافة».

وإذ رفضت المصادر الحديث عن تفاصيل الاقتراح وتقسيمات الدوائر، تحدّثت عن تواصل وتشاور موسّع سبق الإعلان عن المبادرة بين الأطراف الذين يربطهم بالحزب تحالف وعلاقات سياسية جيدة ومع أطراف أخرى بشكلٍ غير مباشر، وبالتالي كل الأطراف على اطلاع على مضمون المشروع».

واستنكرت المصادر اتهام الحزب الاشتراكي بعرقلة مشاريع القوانين التي تطرح، متسائلة: هل حصل توافق على أي من المشاريع التي تقدم بها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وتجمّد إقرارها على قبول الحزب الاشتراكي فقط؟ ألم ترفض أطراف عدة صيغ باسيل؟

وأضافت المصادر الاشتراكية: «كما الآخرون قدموا حلولاً نحن أيضاً تقدمنا بمشاريع عدة، منها المختلط مع المستقبل والقوات وغيرنا تراجع عنه، وأودعنا الرئيس بري مشروع قانون، واليوم يعلن رئيس الحزب عن مشروع جديد. وهذا يؤكد أننا نرفض التمديد كما نرفض الفراغ ونريد إجراء انتخابات على قانون جديد». ولفتت الى أن «الاقتراحات كافة سقطت حتى الآن واقتربنا من نهاية المهلة الأخيرة وستدخل البلاد مرحلة جديدة دقيقة وخطيرة مع عقد الجلسة المقبلة، إذا لم يُقرّ قانون وتسهيلاً للتوافق سنطرح مشروعنا اليوم». ولم تحسم المصادر إن كانت مبادرة جنبلاط ستلقى تجاوباً لدى الأطراف الأخرى، وتساءلت: حُكي عن اتفاقات جرت تحت الطاولة من ضمن التسوية الرئاسية للتمديد للمجلس الحالي سنة واحدة وما يجري من طرح مشاريع واقتراحات من الوزير باسيل. الجميع يدرك أنها لا تحظى بتوافق، هدفها تضييع الوقت، فلماذا يُلقى اللوم علينا بعرقلة الاتفاق؟

وفي سياق ذلك، أشار النائب غازي العريضي بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي، حيث أطلعه على المبادرة الجنبلاطية، أن «كل القوى السياسية تعتبر أن قانون الانتخابات ليس بنداً على جدول أعمال يصوّت عليه، إنما مشروع توافقي بين المكوّنات السياسية في البلد، فلا يجوز أن نذهب الى فراغ او تمديد ومشاكل، فالقانون الحالي هو النافذ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى