محرقة وطن
أسامة العرب
الإرهاب المنظّم الذي التي تمارسه سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» لا يماثله إرهاب وإجرام بالعالم، ولا غرو إن قلنا بأن ما يُسمّى «بدولة إسرائيل» تمثل المصدِّر الأول للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. فبالذاكرة الفلسطينية عِبر بليغة عن حقيقة هذا الكيان الغاصب وماهيته، لا سيما نكبة عام 1948 التي حلّت ذكراها التاسعة والستين في الخامس عشر من الشهر الحالي، مترافقةً مع «إضراب الكرامة» الذي يخوضه 1600 أسير في سجون الاحتلال منذ 17 نيسان الماضي للمطالبة بأبسط حقوقهم الإنسانية، وفي ظل صمت عربي وإسلامي مريب حيال كل ما يجري حولنا، وحصار خانق ومشدّد على قطاع غزة.
وفي ذكرى النكبة تعود إلى أذهاننا المجازر المروّعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في القرى والمدن الفلسطينية لإرهاب المدنيين العزل ودفعهم للتخلي عن وطنهم. ففي العام 1948 قامت العصابات الصهيونية المجرمة باحتلال ما يزيد عن ثلاثة أرباع مساحة فلسطين التاريخية وتدمير 774 قرية ومدينة وطرد وتشريد حوالي 85 في المئة من السكان الفلسطينيين، حيث اقترفت الميليشيات الصهيونية مئات المذابح والمجازر بحق الفلسطينيين أبرزها مجازر حيفا، مجزرة بلد الشيخ، مجازر القدس، مجزرة العباسية، مجزرة الشيخ بريك، مجزرة السرايا القديمة، مجزرة سميراميس، مجزرة السرايا العربية، مجزرتا الرملة، مجزرتا يازور، مجزرة طيرة طولكرم، مجزرة سعسع، مجزرة الحسينية، مجزرة أبو كبير، مجزرة قطار القاهرة حيفا، مجزرة دير ياسين، مجزرة قالونيا، مجزرة ناصر الدين، مجزرة طبرية، مجزرة عين الزيتون، مجزرة صفد، مجزرة أبو شوشة، مجزرة بيت داراس، مجزرة طنطورة، مجزرة جمز، مجزرة اللد، مجزرة المجدل، مجزرة الدوايمة، مجزرة عيلبون، مجزرة الحولة، مجزرة الدير، البعنة، مجزرة عرب المواسي، مجزرتا عرب العزازمة، مجزرة أبو زريق، مجزرة أم الشوف، مجزرة الصفصاف، مجزرة جيز، مجزرة وادي شوباش.
ولم يَحُل اغتصاب اليهود لدولة غيرهم دون التنكيل بالمدنيين العزّل، ففي الفترة الممتدّة ما بين 1948 و1967 لم تتوقّف سلطات الاحتلال عن ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين لا سيما مجزرة شرفات، مجزرة بيت لحم، مجزرة بيت جالا، مجزرتي مخيم البريج، مجزرة قبية، مجزرة نحالين، مجزرة دير أيوب، مجازر غزة، مجزرة قلقيلية، مجزرة كفر قاسم، مجازر خان يونس، مجزرة السموع كذلك فقد قّتلت «إسرائيل» في حرب حزيران 1967 وحدها حوالي 25 ألف مواطن عربي وجرحت حوالي 45 ألفاً وأسرت حوالي 5 آلاف، كما اعتقلت منذ ذلك الوقت ولغاية اليوم أكثر من 800 ألف مواطن ومواطنة فلسطينية. حتى أنها لم تتوقف بعدها يوماً واحداً عن ارتكاب أفظع المجازر بحق الإنسانية كمجزرة مخيم رفح ومجازر القدس ومجزرتي الكرامة ومجزرة مخيمات لبنان، ومجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة عين الحلوة ومجزرة الخليل ومجزرة نحالين ومجزرة عيون قارة ومجزرة المسجد الأقصى ومجزرة المصلين بالحرم الإبراهيمي في رمضان، ومجزرة النفق 25.
وخلال الفترة الممتدة ما بين 29/09/2000 وحتى 31/12/2008 بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين حوالي ستة آلاف شهيد، منهم 5600 من الذكور و400 من الإناث، وخمسة وثلاثون ألف جريح، وذلك في مجازر بيت ريما وخان يونس ورفح وبلاطة وجنين ومجزرة حي الدرج وعجلين وطوباس ومجزرة الخليل، ومجزرتي حي الزيتون ومجزرة مخيم جباليا ومجزرتي حي الشجاعية ومجزرة شريان القطاع ومجزرة مخيم عسكر ومجازر رفح ومجزرة اليضرات والبريج ومجزرة حي الصبرة ومجزرة حي الشيخ رضوان ومجزرة نابلس ومجزرة جباليا ومجزرة السعف ومجزرة بيت لاهيا ومجزرة شفا عمرو ومجزرة أمطار الصيف ومجزرة الرصاص المصبوب من 27/12/2008 إلى غاية 18/01/2009. وقد اعتقلت «إسرائيل» أكثر من 68 ألف مواطن خلال انتفاضة المسجد الأقصى بينهم نساء وأطفال تعرضوا للاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، ونحو 1500 مواطن اعتقلوا منذ بداية العام الحالي، كما أن ما يزيد عن 11 ألف معتقل لا زالوا خلف القضبان بينهم 68 أسيرة و400 طفل و1,600 مريض، وهناك آلاف الأسرى يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة.
وزيادة في الأسى ارتكبت إسرائيل لاحقاً مجزرة عمود السحاب من 14/11/2012 إلى غاية 21/11/2012 ومجزرة الجرف الصامد من 08/07/2014 إلى غاية 26/08/2014 ما أدى إلى استشهاد أكثر من 1500 شخص من المدنيين الفلسطينيين، بينهم أكثر من 550 طفلاً، إضافة إلى 123 شخصاً لم تُعرَف هوياتهم، وقد تعرّض حوالي 11 ألف شخص للإصابة، فيما اضطر نصف مليون فلسطيني إلى النزوح في ظل تصاعد الهجمات «الإسرائيلية»، في حين ما زال 100 ألف آخرين مشردين. ويقول المحلل العسكري «الإسرائيلي» لصحيفة يديعوت أحرونوت رون بن ايشاي، بأنه يحق لليهود أن يقتلوا الفلسطينيين الذين يعارضون سياساتهم، لأن ذلك ينطوي تحت مفهوم «الجهاد اليهودي» عندهم، حيث يدعو الحاخامات اليهود اليوم أمثال الحاخام دوف ليئور، لتوسيع دائرة الجهاد اليهودي تمهيداً لهدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم مكانه، انطلاقاً من اعتبارات تتعلق بالشريعة اليهودية، على حد قوله.
وبالتالي، فما الدعوة لإقامة دولة الشريعة اليهودية التي تكون عاصمتها أورشاليم بعد محو اسم القدس إلا لتنفيذ هذا المخطط، وما يؤكد ذلك أن الأمم المتحدة اعترفت أصلاً بدولة يهودية بقرار التقسيم الرقم 181، إلا أن الصهاينة تخوّفوا حينها من نشوب حرب دينية إذا ما مضوا قدماً بمشروعهم الديني هذا. ولكن اليوم بعدما نجح الصهاينة بإطلاق مشروع الشرق الأوسط الكبير لتفتيت دولنا المقاومة، وللترويج للعصبيات المذهبية والإثنية، وللتواطؤ مع المنظمات الإرهابية لتشويه صورة الدين الإسلامي، بات بإمكان اليهود الإعلان عن الوجه الديني لدولتهم المزعومة، وما يترافق مع ذلك من مصطلحات جديدة باتوا يُطلقونها كتحرير أورشاليم من الغزاة والجهاد اليهودي وأوامر الشّريعة هلخاه بسبي النساء والأطفال غير اليهود!
وهنا يقتضي أخذ العبر، وترسيخ ثقافة المقاومة الشاملة التي تبقى خيارنا الوحيد للتحرير، ولإعادة الأراضي والحقوق المسلوبة، ولخلق معادلة للردع، ذلك أنّ العدو «الإسرائيلي» لا يفهم إلا بلغة القوة، فما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة. وفي ظل تخلي معظم الدول العربية والإسلامية عن إنصاف المستضعفين، ونكوث الهيئات الأممية بوعودها، استحدثت المقاومة الفلسطينية في انتفاضة القدس سلاح السكين فى عملياتها الفردية للدفاع عن المقدسات، إلى جانب سلاح الحجارة الذي كان عنوان الانتفاضتين الأولى والثانية، وبفعل المقاومة بدأ العدو «الإسرائيلي» يتحدث عن وجود تهديد داخلي، وعن تدني الروح المعنوية للمستوطنين والجنود «الإسرائيليين».
ولكن يعزّ على الشرفاء في هذا البلد أن يروا مقدساتهم تُنتهك ولا يحرّكون ساكناً وأشقاؤهم يقتلون ويؤسرون ولا يكترثون، وما يصيب القلب حزناً أن البعض لا يخجل حتى من الافتخار بالتنسيق الأمني مع «الإسرائيلي»، لا بل يصفه بالمقدّس، ناهيك عن أن البعض الآخر يتفنّن بابتكار طرق جديدة لتجميل الوجه القبيح للتطبيع، علماً بأن المخطط الأخير لو تحقق من شأنه أن يحوّل مقاومينا إلى أهداف سهلة للعدو، وأن ينشر المزيد من المشاريع الفتنوية بمجتمعاتنا. إلا أن ما يبعث الأمل حقيقة في النفوس أن الأكثرية المطلقة من شعوبنا الأبية مؤمنة بنبل القضية التي نبذل دماءنا من أجلها، وبعدالتها وأحقيتها، رافضة التفريط بالقيم الإنسانية والدينية لتحقيق المكاسب الدنيوية الرخيصة، ومتمسكة بنهج الصدق مع النفس والذات، غير آبهة بكل الضغوط التي تمارس عليها، وسننتصر جميعاً عليهم في القريب العاجل، بإذن الله!
محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجّرين سابقاً