قطر تربح الجولة الأميركية من الصراع الخليجي.. ومذكرة مشتركة تُحرج دول المقاطعة نصرالله يمهّد لحسم جرود عرسال.. ومأساة النازحين ليست للمتاجرة السياسية والمالية

كتب المحرّر السياسي

لا زال زلزال تحرير الموصل وبدء تهاوي إمارة داعش ومشروعها، وتأكيدات الأبعاد الأوسع من جنوب سورية للتفاهم الروسي الأميركي، ترسم معاً المشهد الإقليمي، فانطلقت محرّكات وزيرا خارجية روسيا وأميركا، كلّ من جانبه لترجمة التفاهمات أو توظيفها، والاستعداد للمراحل المقبلة تحت سقف ما بعد تحرير الموصل. وزير خارجية روسيا يتحرك أوروبياً بالاتصال مع بروكسل وروما وباريس لتخفيف العقوبات على سورية على خلفية التهدئة وتعزيزها وتحصينها، ويقول إنّ العقوبات تقوّض صمود السوريين، وتخدم الإرهاب، وينطلق من التفاهم مع واشنطن لتوظيفه كزوال لخط أحمر أميركي كان يمنع الأوروبيين من التحرك نحو سورية، بينما وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون فيبدأ في الخليج جولة لأيام لتجميد تصاعد الأزمة الخليجية، وحلحلتها منعاً لإسقاط قطر، وفقاً لمعادلة الحرص على عدم استفزاز موسكو باللعب بتوازنات سوق الغاز العالمية التي يشكل وجود قطر المستقلة عن السعودية أحد مرتكزاتها، ويبدأ في الدوحة بالتوقيع على مذكرة مشتركة لمكافحة الإرهاب وتمويله ويعتبرها مدخلاً مناسباً لضمان المطالب التي طرحتها الدول المقاطعة التي أصيبت بالخيبة، واضطرت لتغيير لهجتها والحديث عن الحاجة لمراقبة السلوك القطري قبل اعتبار أنّ شيئاً قد تغيّر، بعدما كانت تتحدّث عن اللاثقة بالقيادة القطرية الحالية، وبدأت بالتمهيد للضغط لتغييرها باعتماد الخنق المالي والاقتصادي طريقاً لذلك. وهي تدرك أنّ استعمال تمويل الإرهاب ليس إلا ذريعة، فالكلّ في الخليج مع قطر شركاء.

تحرير الموصل الذي لم تهدأ تداعياته تجسّد في سورية في تسارع تساقط مواقع داعش بيد الجيش السوري في شرق حماة وريف حمص الشرقي والجنوبي الشرقي، بحيث صارت البادية السورية من أطراف ريف حلب الجنوبي وريف حماة الشرقي وريف حمص غرباً وشمالاً وشرقاً وجنوباً وصولاً لحدود العراق والأردن وحدود نهر الفرات، وانتهاء بكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن الاستعداد لتحرير جرود عرسال.

كلام السيد نصرالله بمناسبة تحرير الموصل ومعانيه التي تأسّست على الاعتماد على الذات وعدم انتظار الخارج، وعدم الإصغاء للخارج أو الرهان عليه، مضيفاً أنّ العبرة هي أنّ خرافة داعش وأسطورتها صنعها الدور الوظيفي الذي أراده الغرب لها، وسقطت لأنّ العراقيين لم تأخذهم الخرافة ولم يخضعوا لمعادلاتها وحزموا أمرهم لقتالها، متناولاً أزمة النازحين بالدعوة لوقف المتاجرة بتوظيفها سياسياً في تسجيل مواقف على حساب المصلحة اللبنانية، أو توظيفها مالياً للحصول على المساعدات، منهياً بإعلان نهاية فرص الانتظار في جرود عرسال، معلناً دعم الجيش، والعزم على الحسم السريع في الجرود.

نصرالله أطلق التحذير الاخير!

أطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله التحذير الأخير للمجموعات الإرهابية التي تحتل قسماً من الجرود اللبنانية منذ سنوات عدة، معلناً أن «المرحلة قد وصلت الى نقطة أخيرة وحان الأوان للانتهاء من هذا التهديد الخطير في الجرود والفرصة متاحة».

وقد وضع السيد نصرالله ثلاثة خيارات لإنهاء الحالة الإرهابية في الجرود، الأول التسوية مع الجماعات المسلحة، قائلاً: «أمامها بعض الوقت القليل من أجل التوصل لتسويات معينة»، والثاني الدولة اللبنانية حيث دعاها الى المبادرة لتحمّل مسؤولياتها في التحرير والدفاع عن أرضها وحدودها وشعبها، وإلا فالخيار الأخير، أي المقاومة التي دعاها السيد نصرالله أيضاً لأن تكون على أهبة الاستعداد والجهوزية وانتظار إشارة الانطلاق من قيادتها للبدء بالمعركة في حال فشل الخيارين الأولين، لأنها لن تقبل أن تبقى القرى والبلدات اللبنانية الحدودية رهينة العمليات الإرهابية وخطر وتهديد الإرهاب بشكل دائم.

وأشارت مصادر عسكرية لـ«البناء» إلى أن «المعركة قد تبدأ في أي وقتٍ ولا توقيت محدد لها، بل بحسب التطوّرات الميدانية والتفاوضية مع المسلحين»، لكنها جزمت بأن المقاومة لن تنتظر طويلاً، بل ستعمد الى تحرير الجرود قبل حلول فصل الشتاء المقبل كأبعد تقدير».

وعن العملية العسكرية ضد الإرهابيين في جرود عرسال، كشفت المصادر «أن الأرضية جاهزة والعمليات الجوية للجيش السوري هي عمليات تمهيدية لعمليات عسكرية واسعة وحاسمة في الجرود تلاقي العمليات الاستخبارية اللبنانية والأمنية».

وأمل السيد نصرالله أن «يتم استغلال الفرصة المتاحة وإلا فنحن أمام الكلام الأخير والوضع الأخير الذي يجب أن نصل إليه، ولا يبقى حينئذ أي وجود مسلح على الاراضي اللبنانية، وعندها يمكن للدولة اللبنانية أن تبسط سيطرتها على الأراضي اللبنانية».

وعن مسألة النازحين السوريين، دعا السيد نصرالله الحكومة اللبنانية للتنسيق مع الحكومة السورية في ملف النازحين ليرجعوا إلى سورية، مشيراً الى أن «السفارات السورية موجودة في معظم دول العالم ولها سفير في الأمم المتحدة، وهناك مفاوضات من دول عدة مع الدولة السورية».

وفي سياق آخر، طمأن الأمين العام لحزب الله الى أن «الحكومة الحالية لن تتأثر بالخلافات السياسية على بعض الملفات»، وقال: «نحن مع استمرار الحكومة والحفاظ عليها وتفعيلها لكي تكون منتجة وتعطي الأولوية لمشاكل الناس. ونحن نؤيد بشدة كل ما صدر عن اللقاء التشاوري برئاسة الرئيس عون ووثيقة بعبدا وخارطة المبادئ ونحن مع متابعتها الجادة». وأضاف «نحن مع تفعيل عمل الحكومة وحضور النواب جلسات اللجان النيابية والانتهاء من الموازنة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب».

وفي الشأن الإقليمي، أشار سيد المقاومة الى أن «تحرير الموصل خطوة كبيرة جداً، لأن الموصل كانت مركز دولة «الخلافة» المزعومة، ومنها اعلنت مرحلة جديدة لقيام المشروع التكفيري واستعدائه كل الأمة». وأكد أن «تحرير الموصل هو إنجاز في الطريق لمواجهة هذا المشروع وسيكون مقدمة لتطورات في سورية والمنطقة كلها»، لافتاً الى أن «الانتصار في العراق هو مقدمة للحفاظ على أمن كل العالم».

مقتل مخطّط لتفجير رأس بعلبك

وتجاوز الجيش اللبناني الحدود التي رسمها فريق «السيادة والاستقلال» أمامه، وواصل أمس عملياته النوعية الاستباقية ضد التنظيمات الإرهابية في عرسال، حيث تمكّن من تسجيل إنجاز جديد تمثل في تصفية الرأس المدبر لعملية التفجير التي حصلت في رأس بعلبك في 22 أيار الماضي.

وقد نفذت قوّة من مديرية المخابرات فجر أول امس الاثنين عملية نوعية، حيث دهمت مجموعة إرهابية في بلدة عرسال، كانت تُعدّ لتنفيذ عمليات إرهابية. ولدى محاولة أفراد المجموعة مقاومة القوّة المداهمة، تصدّى لهم عناصر الدورية ما أدّى إلى مقتل الإرهابيَين السوريَين ياسر الغاوي وعاطف الجارودي وتوقيف ثلاثة آخرين، وتمّ ضبط 7 عبوات معدّة للتفجير وحزام ناسف و50 كلغ من المواد المستخدمة في تصنيع المتفجّرات، بالإضافة إلى كميّة من الرمانات اليدوية والصواعق، كما أفاد بيان قيادة الجيش.

وكشفت مصادر أمنية متابعة ومعنية في جرود عرسال لـ«البناء»، «أن الشبكات الإرهابية ومموّليها وداعميها ومسؤوليها موجودون في عرسال»، و«أن تلك الشبكات لو قدّر لها تنفيذ أجندتها وأولوياتها إرسال الانتحاريين لينفذوا مخططاتهم الإجرامية لكانت كارثية على لبنان برمّته».

وتضيف المصادر، «أن ما جرى مؤخراً في عرسال على المستوى الاستخباري وتقاطع المعلومات الاستخبارية والرصد والمتابعة بين استخبارات الجيش والمقاومة خفّف المخاطر، لكنها تحتاج لعمل عسكري واسع لإنهائها» لتضيف، «أن عملية استخبارات الجيش الأخيرة بالأمس في عرسال وضرب الرأس المدبّر لعمليات التفخيخ وتجهيز الانتحاريين هي من ضمن خطة الضربات الاستباقية للعملية الأمنية العسكرية الأوسع». وتابعت المصادر: «لقد ثبت استخبارياً أن غرفة عمليات خاصة تدير شباكات إرهابية وانتحاريين ويجهّزون العبوات الناسفة موجودة داخل عرسال».

اتساع جبهة الدعم السياسي والشعبي للجيش

وفي موازاة ذلك، اتسعت جبهة المواقف السياسية والشعبية الداعمة للجيش وللعمليات التي ينفذها من قوى مختلفة، وأكد وزير العدل سليم جريصاتي بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح على أن «الجيش خط أحمر»، قائلاً: «كلنا جيش وأمن في المعركة ضد الارهاب، والأمر لا يحتمل لا التشكيك ولا المراوغة ولا المزايدة، وعلى كل فريق سياسي أن يضبط سربه».

وطالب التكتل الحكومة «بإقرار خطة عمل لعودة فورية آمنة للنازحين السوريين». واعتبر جريصاتي أن أكبر جريمة تحصل هو عدم تسجيل الولادات السورية. وقال: «نعود لتبني خطة الوزير جبران باسيل التي طرحت في الـ2016 لمعالجة ازمة النزوح السوري».

وقالت مصادر عرسالية لـ«البناء» إن «أهالي عرسال يلتفون حول الجيش ودوره في عرسال أكثر من أي وقت مضى ويعتبرون أن الجيش هو الوحيد الذي وقف الى جانبهم ضد الإرهابيين في ظل تخلي القوى السياسية الموجودة والحكومات المتعاقبة عنهم، وبالتالي يطالبون الجيش بتعزيز وجوده في البلدة وعلى مداخلها لحمايتهم من أي عمل إرهابي تتعرّض له مدينتهم على غرار ما حصل في الاعوام الماضية». وحذّر رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري من أن «مواجهة الجيش تكلفنا كثيراً ولا نتحمل تبعاتها»، مشيراً الى «أننا نمر بمرحلة حساسة تتطلب عدم الانجرار وراء المغرضين المتاجرين بأوجاع السوريين»، ودعا النازحين السوريين الى «التعاون مع الجيش اللبناني حتى لا نتعرّض لحمام دم كبير».

.. و«المستقبل» يقيّد عمله بالقرار السياسي

في المقابل، ورغم تأكيد كتلة المستقبل النيابية في بيانها أمس، ضرورة دعم وحماية المؤسسة الوطنية الكبرى، غير أنها حاولت من جهة ثانية ربط عمليات الجيش بالقرار السياسي من خلال العودة الى الحكومة. الأمر الذي يقيّد حركة الجيش وعمله ويفرض عليه الرجوع الى مجلس الوزراء في كل عملية عسكرية أو أمنية استباقية أو ردعية أو دفاعية، حيث دعت الكتلة الجيش «للاستمرار بالعمل على إشراف السلطة السياسية المتمثلة بالحكومة».

وردّت مصادر مطلعة على بيان المستقبل، مبينة لـ«البناء» أن «الجيش يعود الى مجلس الوزراء في حال أراد تنفيذ مهمة طارئة ولها أبعاد أمنية ووطنية، لكنه يتحرر من القرار السياسي في حال كان ينفذ عمليات عسكرية وأمنية تُعتبر من صلب مهامه الدفاعية عن الحدود الخارجية للدولة في حال تعرضها لتهديد وخطر الإرهاب يندرج ضمن تهديد الأمن القومي والخارجي للبلاد».

جلسة وزارية اليوم

وعلى وقع التطورات الأمنية والميدانية على الحدود، وفي ظل استمرار الانقسام السياسي حول ملف النزوح السوري الى لبنان، يعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، ويبحث المجلس في جدول الأعمال. ومن المتوقع أن يحضر ملف النازحين على الطاولة مجدداً من خارج الجدول، كما يحضر أيضاً الوضع الأمني على الحدود، بينما يتطرق المجلس الى موضوع آلية التعيينات لحسم الأمر بين الإبقاء على الآلية الحالية أو تغييرها، وقد يعرض رئيس الحكومة الموضوع على التصويت لتنطلق بعدها سلة جديدة من التعيينات الادارية وتشكيلات في السلك الخارجي.

..واجتماع لهيئة مكتب المجلس

على الصعيد التشريعي، دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى اجتماع لهيئة مكتب المجلس اليوم لتحديد جدول أعمال الجلسة التشريعية المرجّح عقدها الأسبوع المقبل، على أن تكون سلسلة الرتب والرواتب ومشروع الموازنة أبرز الملفات على الجدول.

كما تعقد لجنة المال والموازنة اليوم جلسة برئاسة النائب إبراهيم كنعان، لدرس مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2017 لوزارات: العدل، السياحة، البيئة، الثقافة والإعلام.

وجدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأكيد العمل لبناء الدولة، وفق ما جاء في خطاب القسم لاسيما لجهة احترام الدستور وتطبيق القوانين، لافتاً الى أن «انتظارات اللبنانيين من العهد كثيرة لإصلاح الأوضاع القائمة منذ أكثر من 27 سنة من التراجع، لكن مثل هذا العمل لا يمكن أن يتحقق في سبعة أشهر فقط، لأن التخريب سهل وسريع النتائج، أما إعادة الإعمار فتتطلب مجهوداً كبيراً وتستلزم وقتاً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى