هل يحصر تمثيل الدروز في الحكومة بـ «جنبلاط» ؟
روزانا رمّال
ربما بدأ الفصل الأصعب في تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري على الاتجاهات كافة نظراً لوقوعها ضمن حسابات ضيقة لكل الافرقاء الذين يرغبون بالتمثل فيها. فبين الإقليمي والمحلي هناك الحساب العددي والرمزي لكل طائفة ممثلة تحتمل عقداً تاريخية. والمستجدة كلفت الكثير من التشنج بزمن الانتخابات لتبدو منسحبة حتى على ما بعدها. والخلاف اليوم بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني واحد منها.
تؤكد مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ «البناء» انفتاحها على تسهيل تشكيل الحكومة، لكن ضمن سقف لا يحتمل التلاعب فيه او التساهل. وهو أن «يسمّي «الزعيم الدرزي الأول» وليد جنبلاط كل الوزراء الدروز المفترض تمثيلهم في الحكومة بغض النظر عن حجمها او شكلها مع حقائبهم ورفع ذلك من دائرة السجال عملاً بضرورة تعزيز مفهوم ميثاقي ومعنوي يتمثل بأن يسمّي الأقوى في طوائفهم كأكثريات من يمثلهم في السلطة» .
عقدة تمسك الاشتراكيين بتسمية الوزراء الدروز يقابلها دعم واضح من التيار الوطني الحر لرئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان الذي استطاع تأليف كتلة نيابية من 4 اشخاص بدت بمثابة تحدٍّ او ورقة تشرع «القتال» على دخول الحكومة بمعزل عن أي توافق مع جنبلاط في وقت يجد انصار الأخير ان مقعد النائب طلال ارسلان لما كان ليكون لولا ان جنبلاط افسح بالمجال لتسهيل هذا التمثيل وفق نظرية «المقعد الفارغ» الذي تُرك لإيصال ارسلان للندوة البرلمانية مع اعتراض الأخير الكامل على هذا التسويق.
بدون شك يؤسس التيار الوطني الحر بهذا الخيار لسياسة بعيدة المدى تتعلق بدخول الجبل من بوابة أخرى غير «الجنبلاطية» وبالتالي كسر الأحادية المعهودة في تلك المنطقة تمثيلاً وقوة ورفع حيثية درزية ثانية يجدها النائب ارسلان فرصة اساسية لإثبات الوجود وتعزيز الحضور فقرّر أن يخوض هذه المغامرة مدعوماً من حلفائه.
تشوب هذه الفرضية المتعلقة بتسمية الوزراء من قبل الاكثر تمثيلاً او الأقوى عقدة «تفصيلية» عند رافضي هذا الخيار الذي سيعني تطبيقها على باقي القوى في الحكومة بتمثيل كل الألوان في كل طائفة، فغذا تم تمرير ذلك لجنبلاط، فهذا يعني تمريرها أيضاً للحريري عند السنة وللتيار الوطني الحر والقوات مسيحياً والاستغناء عن تيار المردة وحزب الكتائب والأخيرين لتصبح مشكلة بحد ذاتها غير قابلة للتسويق عند البعض.
واحدة من الفرضيات أيضاً أو ربما التعقيدات فرضية توزير المرشح الخاسر وئام وهاب الذي حقق نتيجة جيدة بظل زعامتين تاريخيتين كحالة مستقلة. وبعد هذه النتيجة يصبح اسمه مطروحاً كتسوية بين الحليف حزب الله وربما التقدمي الاشتراكي الذي يبدو أن وهاب يرسل إشارات ايجابية نحوه بحضوره المأتم الذي أقيم بعد الحادث الذي أودى بحياة شاب من التقدمي الاشتراكي عشية الانتخابات إضافة الى موقفه الحاد من النائب طلال ارسلان والذي يشكل وحده ارضية تقارب مع الاشتراكيين.
اللافت أن النائب طلال ارسلان صوّت للرئيس نبيه بري بعد إيحائه العكس قبل جلسة انتخاب رئيس للمجلس النيابي، وذلك حسب مصدر رفيع لـ «البناء» منعاً للتضامن بين بري وجنبلاط وهو بذلك قطع هذا الطريق سلفاً كي لا يؤثر هذا الخيار سلباً بعد أن «كان محرجاً ربما بضبابية موقف التيار الوطني الحر تجاه التصويت لبري فانفرجت الأمور بعد ترك الحرية لنواب التكتل» .
وبالنسبة للتيار الوطني الحرّ الذي يشكل رأس الحربة في هذه العقدة بعد دخوله على خط تقوية موقع النائب ارسلان، فإن نظريته بالتوزير تنطلق من فكرة الاستحواذ على كتلة نيابية من اربعة اشخاص أو نواب «قانوناً» . الامر الذي يجعل هذا الطرح طبيعياً بالنسبة اليه. وهذا ما صار ينطبق على ارسلان مؤخراً بعد أن دفع التيار به مع اسماء صبغت فيه كسيزار أبي خليل.
واحدة من الفرضيات بخصوص توزير الدروز هي إسناد وزارة الدفاع للوزير ارسلان من حصة رئيس الجمهورية. الأمر الذي يستبعده متابعون للملف لأن هذه الوزارة هي وزارة سيادية لا يحقّ لرئيس الجمهورية تمثيل مَن هم خارج الطوائف الأربع المحصورة بالشيعة والسنة والموارنة والروم، بالتالي فإن على الرئيس احترام هذا التوزيع الطائفي وإلا ستكون سابقة أولى من نوعها. هذه الفرضية تتمركز حول إمكانية ان ينجح الرئيس «بالمونة» ارثوذكسياً بتسمية أحد الاسماء البارزة كنائب رئيس للحكومة وتسمية وزير ارثوذكسي بحقيبة مهمة فيرضي الاروثوذكس ولا يحصل أي اعتراض، لكن هذه حسب الترجيحات فرضية ضعيفة.
عملياً، ربما يفهم مطلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فعلياً اذا لم يكن رفعاً للسقف من أجل تحقيق نتيجة تمثيلية أفضل بأن هذا الخيار بالحالة الدرزية فقط مقبول، لأن الدروز لا يملكون أصلاً منصباً أو كرسياً أساسياً في السلطة اللبنانية وهم يعتبرون ضمن دائرة الأقليات من بين الطوائف. وبالتالي فإن المكان الوحيد الذي يمكن فيه للزعيم الدرزي أن يمارس هذا المفهوم هو بالتأكيد الحكومة اللبنانية او مجلس الوزراء وإذا صار هذا فيكون «استثناء» طبيعياً. فإن هذا يعطي للدروز او للزعامة الأكثر تمثيلاً جزءاً معنوياً «يعوّض» غياب هذا الخيار عن الطائفة أسوة بباقي الطوائف. الأمر الذي ربما يشرح فكرة تمسك الاشتراكيين بهذا المطلب.