صراخ بحريّ..
توجَّهتْ إلى البحرِ تنثر أمانِيها على أهدابِ أمواجهِ..
وقفَتْ على شطّهِ بصمتٍ.. فقَلْبُهَا مَازالَ يخفقُ لذكرى وفاء وعطاء..
مَازالَ يعودُ بِها ماضِي وطنٍ تراقصَتْ أرواحُ أبنائِه مَا بين مضائِه وفضائِه!!
فأَزْهرت حدائِقُه زنابقَ.. وأَوْردَتْ آثَارهُ وثائقَ..
لامست ريحُ البحر يدَها السمراء.. فلفَحتْها لحناً وشجناً..
رسمَتْ باباً في خربشات ضبابِه، فأوحى لها وشاحَ أملٍ على أعتابِه..
تنهَّدَتْ لنور خافت داعَبَ محيَّاها..
ضاقت مسافة عتاب الأغرابِ..
فانفجرتْ تبكِي وتحكِي..!!
في كلّ بسمةِ موجةٍ بحريّةٍ خبّأْتُ أنينِي..
في كلّ بسمةِ موج بحريّةٍ زرعْتُ حنينِي..
في كلّ بسمة بحريّة أودعْتُ شفقَ غروبِي..
مع كلّ هبةِ نسمةٍ بحريّةٍ كنت غرقِي وسفينِي..
مع كلّ هبةِ نسمةٍ بحريّةٍ يئنّ جنينِي!!
ومَا زالَتْ تصرخُ نحيباً حتّى صرخ البحر مجيباً:
قفِي.. فإنّي سأغادر الماء إلى كتلٍ من موج!!
يتجسَّد للعام الآتي ظلالها.. فيصحُو خيَالُهَا ويستريح على خيولهِ بَالُهَا..
عادت أدراجَها بأقدام رمليّة الكثبان. تحفر وقعاتها ثقلًا طويلاً من زمان استغرق المكان..
ويأتِي العام، يأتِي مخضّب السمات. فرَاحتْ تستنشقُ رائحة السمات بقبلات سندسيّة.. تستذكر يده الخضراء.. تغمرها محبّة وعطاء..
وضعت في جيبِه بضع عطايا برعميّة..
آه، إنّه الثوب بلا جسد!!
جمعت أطفالها.. همست لهم بروحِه الغائِبَة.. تعلمهم تؤكد لمسامعِهم، أنّه ليسَ غائباً..
ليسَ غائباً!!
وإنّه لثوب بحريّ سحريّ في عطائِه الذي لا ينضب ولا يغيب فيتعب..
يتدفق من جيبِه العطاء أمواجاً من هدايا بابا نويل!!
جمعت بكلماتِها تحيّة علم من أقدس حلم..
وابتهلت بصلاتِها تحيّة لشهيد.. في عامٍ جديدٍ..
قُرِعَتْ أجراسُ السلامِ..
تبشّر بعامٍ سعيدٍ..
وتماهت زرقة البحرِ مع غروبِ السماءِ، فأبرقت بنفسجاً مبتهجاً، تختال أزاهيره مَا بينَ نفحات من دماء، وبحر من ماء وعطر وعطاء !!
د. سحر أحمد الحارة