قدر اللبنانيين والعرب
د. رائد المصري
بهدوء… فهذا هو قدر لبنان ومكوّناته الشّعبية وقدر العرب في طريقة أداء الحكم السّياسي والاسترهان والتّبعية للخارج وللغرب الأميركي أو الأوروبي الاستعماري، بطريقة وأسلوب التسلّط والسّطو على مقدّرات الشّعوب وتحديد مصير عيشها، وفقاً لرغبات هؤلاء المستعربين من الحكّام، وهم كثر بالمناسبة على امتداد المساحة العربية كلّها، بحيث صار الأنموذج اللبناني المقيت في إدارة الحكم صورة معمّمة ونسخة طبق الأصل تكتسبها بعض النخب السياسية العربية لتخلق أجيالاً تتربّى على النزعة الدونية في تحقيق الذات تجاه الآخر، والشعور بالنقص الدائم في تقديم تنازلات مخزية بما يتعلّق بكيان وسيادة واستقلالية القرار السياسي لكلّ دولة تجاه المستعمر الأميركي و«الإسرائيلي»…
يتجادل العرب وقسم كبير من اللبنانيين حول ضرورة دعوة سورية الى القمّة الاقتصادية في بيروت أو الى القمّة العربية في تونس من أجل تفعيل العمل العربي المشترك وتعزيز سيادة الدولة عند العرب، وهم فاقدون أدنى مقوّمات وشروط بقاء هذه الدول وفاعليتها وفاعلية نظمها السياسية التي صار وجودها وحضورها محلّ تساؤل وشكّ، سواء بالنسبة لما ارتكبته أيادي الحكام المتسلطين بحق شعوبهم لناحية القمع والإذلال والإفقار، أو لناحية التفريط بمعرض الاستباحة السياسة والأمنية والعسكرية والاقتصادية من قبل المستعمرين الغربيين والصهاينة على كامل الجغرافيا العربية… لنطرح بعضاً من علامات الاستفهام والتعجّب على هذا المسار والمصير البائس المنتظر…
كيف يتحدّثون عن تفعيل العمل العربي المشترك عبر القمم العربية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتنموية وهم يعرفون سلفاً أنّ بياناتهم الختامية غالباً ما تكون مذيّلة بالحبر الأميركي إنْ لم نقل بالحبر «الإسرائيلي»!؟
كيف يسمح وزير خارجية دولة عربية وازنة ونعني بها مصر ومن على منبرها القيام بتصريحات وتحريضات سافرة وتهديدات علنية من قبل وزير خارجية أميركا مايك بومبيو ضدّ حزب سياسي لبناني، بل وشارك الأميركي هواجسه ومخاوفه وحرصه على أمن الكيان الصهيوني؟
كيف تنعقد قمّة عربية اقتصادية في بيروت بصرف النّظر عمّن سيحضر فيها وأغلب العرب يقيمون علاقات اقتصادية ورياضية ونفطية وتسهيلات غازية مع عدو محتلّ ومغتصب للأرض ومنتهك لسيادات الدول العربية كلّ يوم وفي كلّ مكان؟
لماذا وكيف تنعقد قمّة اقتصادية عربية في بيروت وسورية الشريان الاقتصادي الأساسي والوحيد للبنان والممرّ الإلزامي للاستفادة من مفاعيل هذا المؤتمر تجاه العرب وبقية العالم؟
كيف تنعقد قمم عربية بكلّ مندرجاتها وتنوّعاتها ونحن كلّ يوم تقريباً أمام اعتداءات عسكرية صهيونية على بلاد العرب من دون شجب أو استنكار أو إدانة؟
كيف ونحن في لبنان على أعتاب انعقاد قمّة اقتصادية عربية في بيروت تتحرّش «إسرائيل» بسيادة البلد براً وتعتدي على سورية قصفاً بالصواريخ وانتهاكاً للأجواء اللبنانية، فماذا ستنتجون من اجتماعاتكم غير مضيعة الوقت وصرف الدولارات المقدّرة بالملايين ترفيهاً في نوادي اللّهو والفنادق البيروتية وعلى حساب الشّعب اللبناني؟
لبنانياً: كيف لرئيس حكومة مكلّف منذ ثمانية أشهر بتشكيل الحكومة يقف عاجزاً اليوم جرّاء رهاناته الإقليمية تجاه سورية والتي يكنّ لها العداء المطلق، فما هو أفق هذا الرّهان؟
ماذا سيفعل رئيس حكومة لبنان المكلّف سعد الحريري وهو بهذا الحجم العدائي تجاه سورية حتى بعد انتصارها على المشروع الاستعماري التكفيري لو فتحت وستفتح عاجلاً أم آجلاً كلّ أبواب العواصم العربية والخليجية على دمشق، وكيف سيتصرّف وهو المؤتمن على حماية الشعب وسيادة الدولة؟
وفي المقلب الآخر: كيف سيكون موقف الرئيس المكلّف سعد الحريري ونتيجة الحشرة والتأزّم العربي والخليجي أن زار نتنياهو عواصم الدول الخليجية ومنها السّعودية مثلاً… كيف سيتصرّف؟ وما هو موقفه؟ وموقف لبنان المعادي والراسم لخطوط وحدود وتوازن الرّدع مع الكيان الصهيوني الغاصب؟
كيف يستطيع الشعب اللبناني العيش في هذا الكيان الطائفي والمذهبي ولا يقدر على تشكيل حكومة أو القيام بعلاقات حسن جوار مع الأشقاء أو العمل على وقف الفساد وهدر الأموال والدولة على أبواب تفليسة مالية تجعل من مجاميعه ومكوّناته المذهبية كالهنود الحمر؟
هل المطلوب من لبنان وبالتآمر من بعض الداخل إدخاله في أزمات اقتصادية ومالية تفلسه وترهنه هو وشعبه وسيادته المنقوصة أصلاً بيد قوّة الاقتصاد والمال العالمي على الطريقة اليونانية أو الأوكرانية لجرّه الى تنازلات ترضي مشروع «إسرائيل» والمستعمرين الغربيين من خلفهم؟
إنّها تساؤلات تنتظر إجابات لا تبدو معالمها واضحة في الأفق القريب ولعلّ قرع أجراس الإنذار يعيد بعض عقول النخبة السياسية إلى مكانها رحمةً بالناس ورأفةً بمصيرهم المجهول الى اليوم…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية