معركة ميسلون.. يوم عظيم افتتح عصر الإرادة السورية القومية
«كم لنا من ميسلون نفضت عنا غبار التعبِ».. صدق الشاعر السوري الكبير عمر أبي ريشة عندما وصف معركة ميسلون بانتفاضة الروح وقيامتها، التي جلت عنا الخمول ونفضت غبار التعب والتكاسل والغفلة، لتضعنا أمام مسؤولية التاريخ السوري الجليل، لتحمّل واجبنا القومي بأنفسنا والسير بإرادتنا والاعتماد على قوانا القومية وليس على إرادات غريبة مما يُسمّى مجتمعاً دولياً، غربياً وإسلامياً وأجنبياً، يتكالب علينا، بألف شكل وشكل وبألف ذريعة وذريعة.
ومعركة ميسلون قامت بين قوات المتطوّعين السوريين بقيادة وزير الحربية الشهيد البطل يوسف العظمة من جهة، وجيش الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال هنري غورو من جهة أخرى في مثل هذا اليوم 24 تموز 1920.
ودارت المعركة بين جيش من المتطوِّعين السوريين عدده 3000 مقاتل من جهة غير مزود إلا بمعدات بسيطة وقديمة وقليلة، وجيش فرنسي بقيادة الجنرال غورو قوامه 9000 جندي ومزوّد بطائرات ودبابات ومدافع وإمدادت من جهة أخرى.
وحُسمت نتيجة المعركة بسرعة، إذ قدر عدد الخسائر بين قوات المتطوّعين السوريين بنحو 400 شهيد و1000 جريح، أما عدد قتلى الجيش الفرنسي فهو حسب الأرقام الفرنسية 42 قتيلاً و154 جريحاً. وكان شارك في معركة ميسلون عدد من أعلام دمشق، من أبرزهم محمد سعيد برهاني إمام وخطيب جامع التوبة في دمشق وشيخ الطريقة الشاذليّة.
وفي الأسباب كان قبل المعركة تلقى الأمير فيصل إنذار الجنرال غورو الفرنسي، بعد نزول قواته إلى الساحل السوري، بوجوب فضّ الجيش العربي وتسليم السلطة الفرنسية السكك الحديدية وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها. فتردّد الملك فيصل ووزارته بين الرضى والإباء، ثم اتفق أكثرهم على التسليم، فأبرقوا إلى الجنرال غورو، وأوعز فيصل بفض الجيش. وعارض هذا القرار المستسلم الظالم بشدّة وزير الحربية يوسف العظمة.
ولكن بينما كان الجيش السوري المرابط على الحدود يتراجع منفضاً، بأمر الملك فيصل، كان الجيش الفرنسي يتقدّم بأمر الجنرال غورو . ولما سئل هذا عن الأمر، أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدة المضروبة 24 ساعة قد انتهت.
وعاد فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مقام الجيش المنفضّ في الدفاع عن البلاد، وتسارع شباب دمشق وشيوخها إلى ساحة القتال في ميسلون، وتقدّم يوسف العظمة يقود جمهور المتطوّعين على غير نظام، وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود. خرج يوسف العظمة بحوالي 3000 جندي إلى ميسلون مسلحين ببنادق إنجليزية، ولم تضم قواته دبابات أو طائرات أو أسلحة ثقيلة، واشتبك مع القوات الفرنسية في صباح يوم 8 ذي القعدة 1338 هـ/24 تموز 1920م في معركة غير متكافئة، دامت ساعات، اشتركت فيها الطائرات الفرنسية والدبابات والمدافع الثقيلة.
وعلى الرغم من ذلك فقد استبسل المجاهدون في الدفاع. وكان يوسف العظمة قد جعل على رأس «وادي القرن» في طريق المهاجمين ألغاماً خفية، فلما بلغ ميسلون ورأى العدو مقبلاً أمر بإطلاقها، فلم تنفجر، فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قطعت. وقتل العظمة في معركة الكرامة التي كانت نتيجتها متوقعة خاضها دفاعًا عن شرفه العسكري وشرف بلاده، فانتهت حياته وحياة الدولة التي تولى الدفاع عنها.
باستشهاد يوسف العظمة سطّرت الأمة السورية صفحة منيرة في تاريخها، كتبت بالبطولة والدم والعرق، ووضعت حداً للجبناء الذين يستسلمون لإنذار جيش غازٍ ولو كان جيش قوة كبرى، لكنه لا يملك الحق بتقرير مصير بلادنا.