الدلالات الاستراتيجية لمقال سيرغي لافروف في يوم النصر
د. أحمد الزين
العالم يتغيّر، وكأنّما تجري عمليّة صياغة جديدة له، وفي الغرب تحديداً هنالك من يسعى ليكون هذا العالم الجديد كما يريد له هو أن يكون، وفي المقابل هنالك قوى عالميّة وإقليميّة تسعى للدّفاع عن تاريخها وموروثاتها. واقع جديد ينبغي إعمال الفكر فيه لمواجهة ما يسعى الغرب إلى تحقيقه من احتكار للتاريخ وتجيير للذاكرة التّاريخيّة للشعوب بما يحقّق مصالحه.
وانطلاقاً من ذلك فإنّ ما عرض له «جورج أورويل» الّذي كان موظّفاً في المخابرات البريطانيّة في كتابه «1984» حول الديكتاتورية، والسّعي إلى قولبة الرّأي الحرّ، عبر تغيير الحقائق، قد بات اليوم واقعاً نتلمّس أصداءه في كلّ مكان في العالم حيث نرى انقلاباً للحقائق وتزويراً لها حتّى باتت غالبيّة الشّعوب ضائعة تواجه الشّكوك في ما كانت تعتبره من المسلّمات في تاريخها.
وفي الشّرق الأوسط على وجه التّحديد نلحظ تجلّياً واضحاً لهذا الواقع، حيث نرى الغرب يروّج ويطرح رؤية جديدة للأحداث التّاريخيّة في هذه البقعة من العالم، فيبرّر الاستعمار وجرائمه بحقّ شعوبها، ومن يدري فقد نسمع في يوم غير بعيد من يتّهم العراق بشنّ عدوان مباشر على الغرب عام 2003! كلّ شيء جائز في ظلّ هيمنة القوى الاستعمارية الّتي تصول وتجول في تاريخ الشعوب وحاضرها ومستقبلها معتقدة أنه ليس هنالك من يقدر على ردعها.
وقد عرض وزير الخارجيّة الرّوسي سيرغي لافروف لهذا الواقع الجديد في مقال كتبه في الرابع من حزيران من العام الجاري لمجلة «الشؤون الدولية» الروسية، لمناسبة يوم النّصر. وقد أوْلى مصدر روسي رفيع المستوى أهمية خاصة لبعض جوانبه سنتطرّق اليها خلال سردنا تفاصيل المقال.
بداية استهلّ لافروف خطابه قائلاً: «احتفلت روسيا والعالم بيوم النصر، وقد اعتبر هذا اليوم يوم عطلة لقدامى المحاربين، وعمال الجبهة الداخلية، وجميع شعب روسيا والأمم المنتصرة الأخرى. كان هناك موكب كبير في الميدان الأحمر ومراسم وضع إكليل الزهور على قبر الجندي المجهول. إنّ مسيرة الفوج الخالد، وهي مبادرة مدنية اكتسبت بعداً عالمياً حقيقياً، حدثت مرة أخرى ليس فقط في روسيا، ولكن في العديد من البلدان الأخرى أيضاً، بمشاركة مئات الآلاف من الروس ومواطنينا في الخارج ومواطني بلدان أخرى، يعتزون بذكرى النصر وبأولئك الذين صنعوا هذا النّصر.
وهناك مناسبة أخرى قادمة وهذه المناسبة ستطلّ علينا في الثاني والعشرين من حزيران، يوم تذكّر الذين ماتوا خلال الحرب الوطنية العظمى وإحياء مشاعر الحزن لموتهم. سوف نتذكر أولئك الذين سقطوا في المعارك، والّذين تعرّضوا للتعذيب حتى الموت في معسكرات الاعتقال، والّذين ماتوا جوعاً أو قتلاً أثناء الحرب.
كذلك فإنّ الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للنصر في عام 2020 قد بدأت منذ الآن، وستعقد بالطبع على مستوى مناسب لحجم الإنجاز وعظمة روح أبطال تلك الحرب. والحقيقة أنّ سماعنا لبعض النّاس وهم يعبّرون عن موقفهم الرّافض لهذه المناسبة لا يمكن إلاّ أن يثير الدّهشة والاستغراب!
باعتباري شخصاً من الجيل الأول لما بعد الحرب، فقد نشأت على القصص التي رواها قدامى المحاربين والحكايات العائلية عن الحرب، التي كانت خلالها شعوب الاتحاد السوفياتي وبلدان أخرى هدفاً للأيديولوجية اللاإنسانية للنازية، ومن ثم ضحية العدوان نيابة عن أقوى آلة حرب منظمة في ذلك الوقت. وقد قدّم الاتحاد السوفياتي مساهمة حاسمة في هزيمة ألمانيا النازية، وبالتعاون مع الحلفاء، حرّر أوروبا من الطاعون الفاشي، ووضع حجر الأساس للنظام العالمي لما بعد الحرب والّذي يقوم على الأمن الجماعي والتعاون بين الدول، ومهّد الطّريق لإنشاء الأمم المتحدة».
ومن الأمور المهمة التي أشار إليها المصدر الروسي في المقال كلام حول كون هذه المناسبة لا تلقى التّرحيب والتّقديس المناسبين لها في بعض أنحاء العالم ولدى بعض الرّوس، أضاف لافروف قائلاً: «من المؤسف أنّ هناك أفراداً في روسيا تماهوا في آرائهم مع بعض الّذين يسعون إلى دفن الذّاكرة، ويعتقدون أنّ الوقت قد حان لوقف الاحتفالات الرسمية بيوم النصر. فكلّما احتفلنا بهذه الذّكرى كلّما، واجهنا الرغبة في النسيان لدى هؤلاء». يؤكد المصدر الروسي أنّ الاحتفالات بيوم النصر من أسس استراتيجية وثقافة روسيا الاتحادية.
ومن النقاط المهمة جداً التي اشار إليها المصدر الروسي في ما قاله لافروف حول محاولات حثيثة تجري لتشويه سمعة أبطال النّصر، ولخلق شكوك مصطنعة حول صحة المسار الذي سلكوه، وللتّقليل من أهمّيّة دور الاتّحاد السوفييتي في الحرب العالميّة الثّانية وتصويره كمعتدٍ إلى جانب ألمانيا النّازيّة من خلال نشر الأطروحات حول المسؤوليّة المتساوية. وأضاف لافروف في خطابه: «في الخارج وفي بلادنا نسمع أنّ الوعي العام في روسيا تجري عسكرته، وأنّ مسيرات يوم النصر والمواكب المرافقة لها ليست سوى فرض للمشاعر العسكرية على مستوى الدولة، وأنّ روسيا ترفض النزعة الإنسانية وقيم العالم «المتحضر»، في حين أنّ الدول الأوروبية، قد اختارت، على حدّ زعمهم، أن تنسى «المظالم الماضية»، وأن تتصالح وتتسامح في ما بينها في سبيل بناء علاقات تطلّعية.
إنهم يساوون بسخرية بين الاحتلال النازي، الذي أوْدى بحياة عشرات الملايين من الناس، وبين الجيش الأحمر الّذي تولّى مهمّة التّحرير. نرى بأمّ العين تدنيساً للمعالم الأثرية للجنود المحرّرين وهدماً لمقابر الجنود في بعض البلدان. مع العلم أنّ محكمة «نورمبرغ»، التي باتت أحكامها جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي، كانت قد حدّدت بوضوح من كان إلى جانب الخير ومن وقف إلى جانب الشرّ في الحرب العالميّة الثّانية. فكان الاتحاد السوفياتي، الذي ضحّى بملايين الأرواح من أبنائه وبناته على مذبح النصر، مع دول الحلفاء الأخرى في محور الخير، وكان الرايخ الثالث وبلدان المحور وأتباعهم في محور الشّر».
ومن الأمور الخطيرة التي أشار إليها المصدر الروسي في المقال حول إدخال تفسيرات خاطئة للتاريخ في نظام التعليم الغربي من خلال النظريات التاريخية الزائفة الهادفة إلى التقليل من شأن إنجازات الاتّحاد السّوفياتي في الحرب العالميّة الثّانية، فأشار سيرغي لافروف في خطابه إلى هذه النّقطة قائلاً: «يُقال للشباب إنّ الفضل الرئيسي في الانتصار على النازية وتحرير أوروبا لا يعود إلى القوات السوفياتية، بل إلى الغرب الّذي هبط في «نورماندي»، قبل أقلّ من عام من هزيمة النازي! نحن من جهتنا نعتبر إسهام جميع الحلفاء في النصر المشترك في تلك الحرب مقدّساً، ونعتقد أنّ أيّ محاولات لدقّ إسفين بيننا مشينة. ونرى كذلك أنّه بالرّغم من محاولات تزييف التّاريخ فإنّه لا يمكن إطفاء نور الحقيقة الّتي تقول إنّ شعوب الاتحاد السوفياتي هي الّتي كسرت العمود الفقري للرايخ الثالث. لا شكّ في أنّ أوروبا تمتاز بالصّحّة السّياسيّة، وهي تسعى إلى تدوير «الحواف التاريخية الحادة» واستبدال الأوسمة العسكرية للفائزين بأحداث المصالحة «المحايدة». نحن أيضاً يجب أن نتطلّع إلى الأمام، لكن ينبغي ألاّ ننسى دروس التّاريخ أيضاً. ويتعجب المصدر الروسي كيف يتمّ إعادة صياغة كتب التاريخ وتشويه الحقائق بالأكاذيب.
إنّ نظام بوروشينكو السابق في أوكرانيا، ذلك النّظام المتأثّر بـ «القيم الأوروبية»، قد أعلن يوم تأسيس جيش المتمرّدين الأوكرانيين، وهو منظمة إجرامية مسؤولة عن مقتل عشرات الآلاف من الأوكرانيين المدنيين، والبيلاروسيين، الروس والبولنديين واليهود، يوم عطلة رسميّة، كذلك سمح هذا النّظام لمسيرات الكشاف النازية بالسّير على طول الشوارع الرئيسية لمدينة البطل في كييف، وبمسيرات المحاربين القدامى. وهنا أودّ أن أسأل أولئك الذين لا يحبّون ذرف الدموع على قدامى المحاربين والذين ينتقدون الأحداث «العسكرية» تكريماً للنصر: كيف تحبون هذا النوع من «تجريد» الوعي ذي الأسلوب الأوروبي؟ الحقيقة أنّ الولايات المتّحدة وحلف شمال الأطلسي والاتّحاد الأوروبي يسمحون للدّول الّصغيرة بتمجيد أتباع النازية والشوفينية المتشدّدين تجاه الروس العرقيين والأقليات الأخرى لغرض وحيد هو الحفاظ على التحالفات الغربية وعلى المواقف المناهضة لروسيا ورفض الحوار العملي مع موسكو على قدم المساواة.
يبدو أحياناً أنّ الغرض من هذا التواطؤ مع الغرب هو تخفيف المسؤولية عن أولئك الذين حاولوا، بالتوافق مع هتلر في ميونيخ عام 1938، توجيه العدوان النازي إلى الشرق. ويمكن فهم رغبة الكثيرين في أوروبا في إعادة كتابة هذا الفصل المشين من التاريخ. لقد وظّفت بلدان في أوروبا اقتصاداتها لصالح الرايخ الثالث، وشاركت أجهزة الدولة في العديد منها في الإبادة الجماعية التي بدأها النازيون ضدّ الروس واليهود ودول أخرى».
ومن الأمور الخطيرة التي أشار إليها المصدر الروسي في المقال حول أنّ أعضاء الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي كانوا دائماً يرفضون دعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن عدم جواز تمجيد النازية، الذي تقدّمت به روسيا، وأنّ الدّعاة والسياسيين الغربيين يريدون جعل الجمهور يشكّ في الطبيعة العادلة للنّظام العالمي الّذي تمّت الموافقة عليه في ميثاق الأمم المتّحدة في أعقاب الحرب العالميّة الثّانية، وقد أشار سيرغي لافروف في خطابه إلى هاتين النقطتين فقال: «من الواضح أنّ «الرؤية البديلة» للحرب العالمية الثانية بين الدبلوماسيين الغربيين لا تنبع من الافتقار إلى المعرفة التاريخية رغم وجود مشاكل في هذه الدائرة أيضاً . فحتّى أثناء الحرب الباردة لم يكن هذا النّوع من التّجديف موجوداً، فقلّما تجرّأت دولة على نكران الدور الحاسم للاتحاد السوفياتي في تحقيق الانتصار المشترك في الحرب العالميّة الثّانية وقد سبق لحلفائنا الغربيين أن اعترفوا بذلك دون تحفظات. وبالمناسبة، هم الذين بدأوا تقسيم أوروبا إلى «مناطق مسؤولية» في عام 1944، وكان تشرشل قد أثار هذه المسألة مع ستالين خلال المحادثات السوفياتية البريطانية.
للأسف فإنّ الغرب اليوم يتبنّى سياسة تسعى إلى تقويض النظام القانوني الدولي القائم واستبداله بـ «نظام قائم على القواعد».. هم يريدون إنشاء هذا النظام على أساس مبدأ «الحقّ للقوّة» ووفقاً لـ « قانون الغاب».
إنّ مثل هذا القانون يتعلق في المقام الأوّل بالولايات المتحدة وتصوّرها الخاص لتاريخ القرن العشرين. لا تزال فكرة «حربين جيدتين» منتشرة على نطاق واسع، ونتيجة لذلك أمّنت الولايات المتحدة الهيمنة العسكرية في أوروبا الغربية وعدد من المناطق الأخرى في العالم، وزادت الثقة في قوتها، وشهدت طفرة اقتصادية وتولّت زعامة العالم.
وشأنهم في ذلك شأن الأوروبيّين، يحاول الأميركيّون أن يرسموا لروسيا صورة عسكريّة، مع أنّ مثل هذا الأمر لا ينطبق إلاّ عليهم فتاريخهم سلسلة من حروب الغزو التي لا تنتهي، وعلى مدار 243 عاماً من «الاستثناء الأميركي»، أصبح التدخل جزءاً لا يتجزأ من سياسة واشنطن الخارجية. علاوة على ذلك، فإنّ النخبة السياسية الأميركية تعتبر استخدام القوة عنصراً طبيعيّاً في «الدبلوماسية القسرية» المصمّمة لحلّ مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك القضايا الدّاخليّة.
أضف إلى ذلك أنّ أيّ حملة انتخابية في الولايات المتحدة لا تكتمل دون أن يحاول المرشحون إجراء عملية تمجيد للقائد الأعلى للقوات المسلحة. وهم يعتبرون أنّ القدرة على استخدام القوة لأيّ سبب دليل على براعة السياسي الأميركي. والأمثلة على ذلك كثيرة فمن غرينادا في عام 1983، إلى بنما عام 1989، ويوغوسلافيا عام 1999 والعراق في عام 2003. في كلّ هذه البلدان استُخدِمت القوّة الأميركيّة تحت ذرائع واهية، وفي الوقت نفسه، نرى أميركا تكرّم جنودها الذين سقطوا بغضّ النظر عن السبب الذي حاربوا من أجله. يتمّ الاحتفال باليوم التذكاري في شهر أيار، دون أن تُطرح الشكوك حول «النزعة العسكرية» عندما تنطلق المسيرات البحرية والعروض الجوية بمشاركة معدات عسكرية في مدن أميركية مختلفة.
أمّا نحن فمتّهمون أساساً بالحفاظ على ذكرى آبائنا وأجدادنا، الذين ضحّوا بحياتهم في حرب تحرير مقدسة، ونحن نمنحهم تكريماً عسكرياً، ونحتفل بيوم النصر على نطاق واسع وبكبرياء. فهل كانت روسيا أو الاتحاد السوفياتي هي التي أطلقت حربين عالميتين؟ هل نحن الذين ندير اليوم شبكة واسعة من القواعد العسكرية التي تمّ إنشاؤها للسيطرة على العالم بأسره؟
بالنسبة للدبلوماسيين والسياسيين، فإنّ يوم التاسع من أيار يُعدّ مناسبة جيدة للتذكير بأنّ الحلفاء انضووا جميعاً تحت لواء الأمم المتحدة في عام 1945، لقد وقفوا جنباً إلى جنب أثناء الحرب. وقد ساعد الوعي بالتهديد المشترك في مواجهة الأيديولوجية اللاإنسانية للاشتراكية الوطنية الدول ذات النماذج السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة على التغلب على الاختلافات. كان الاعتقاد بأنّ هزيمة ألمانيا النازية ستمثل انتصاراً للعدالة على الظّلم وغلبةً للنور على الظلام.
بعد الحرب، بنى الحلفاء هيكلاً جديداً للعلاقات الدولية يعتمد على المثل الأعلى للتعاون المتساوي بين الدول ذات السيادة. كان من المفترض أن يضمن إنشاء الأمم المتحدة عدم تكرار المصير المحزن لسابقتها، عصبة الأمم. لقد تعلم الآباء المؤسّسون دروس التاريخ جيداً وعرفوا أنه بدون «تضافر القوى العظمى»، أيّ التوافق بالإجماع بين الدول الرائدة في العالم والتي تشغل مقاعد دائمة في مجلس الأمن، لا يمكن للعالم أن يتمتع بالاستقرار. يجب أن نسترشد بهذه الوصية اليوم أيضاً.
في هذا العام، عندما شاركنا في احتفالات يوم النصر، كنّا نخبر العالم من جديد أنّنا اليوم على خطى أسلافنا. على استعداد لصدّ أيّ معتد بشكل حاسم. نحن لا نسعى إلى الحرب، ولا نريد الخوض في معاناتها من جديد، فمهمّة أمتنا كانت ولا تزال حماية السلام والحفاظ عليه، لذلك، نحن نمدّ اليد لكلّ من يريد أن يكون شريكاً جيداً لنا، ولطالما سمع زملاؤنا الغربيون مقترحاتنا التي تفتح طرقاً واقعية للتغلب على المواجهة ووضع حاجز صلب أمام إمكانية نشوب حرب نووية، وقد تمّ تعزيز هذه المقترحات بشكل أكبر من خلال نداء قدّمته الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى تحالف شمال الأطلسي في شهر أيار لبدء حوار غير سياسي يناقش قضايا الاستقرار الاستراتيجي.
إنني على ثقة من أنّ مواطني روسيا ودول أخرى سيشاهدون المسيرات المنطلقة تكريماً للذكرى الخامسة والسبعين للنصر العظيم في التاسع من أيار 2020، وسينضمّون إلى صفوف الفوج الخالد مع شرائط سانت جورج المرتبطة بأفكار السلام. وفي عقولهم وقلوبهم ستعيش ذكرى أولئك الذين سقطوا في معارك القتال ضدّ أعداء الوطن، وأعداء الحضارة، ولن يكون هنالك أيّ شعور بالحرج حيال الحجم الكبير لهذا الاحتفال.
هكذا، ومن خلال تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أهمية يوم النصر، أضاء على جانب مهمّ من جوانب السياسة التي ينتهجها الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية من تحوير للحقائق التاريخية بما يخدم مصالحه، والحقيقة أنّ على الشعوب الحرة أن تواجه ذلك بمعرفة تاريخها والثبات عليه.
ويتساءل المراقبون هل ستشهد كتب التاريخ مستقبلاً قصصاً دونكوشوتية مثل أنّ الولايات المتحدة الأميركية انتصرت في فيتنام! او انّ المخابرات الأميركية اكتشفت معامل الأسلحة الكيميائية في العراق! أو انّ روسيا فرضت عقوبات اقتصادية على بلاد العم سام! أو ربما أنّ المملكة العربية السعودية أخذت اموالاً طائلة من أميركا لحمايتها!
ختاماً، مما لا شك فيه أنّ النبرة الحازمة بين سطور المقالة هي أولاً دليل على خطورة الوضع السياسي الراهن عالمياً بين محوريين، وثانياً انتفاء الأحادية العالمية التي أدّت إلى حروب مدمّرة في العالم. انها رسالة شديدة اللهجة من دبلوماسي عريق الى كلّ من يعنيهم الأمر أنّ روسيا عادت القطب العالمي الثاني ونقطة على السطر.