السفير السوري لـ البناء : تقدّم مشروع الدولة السوريّة فرض حضوره على المقاربات الدولية أزمة المحروقات وغياب الدولار يفجّران موجة غضب… والحكومة تكتفي بالتطمين والإنكار

كتب المحرّر السياسيّ

حلّ السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي ضيفاً على هيئة تحرير البناء ، وتحدّث باستفاضة عن كل المواضيع التي تطرح في التداول حول ملفات كثيرة، أبرزها ملف النزوح السوري وتعقيدات عودة النازحين، والملف السياسي الذي دخل مرحلة جديدة مع الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية وحجم التأييد الذي لقيه دولياً وإقليمياً. في قضية النازحين أشاد السفير علي بمواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي لم تتغيّر في الحرص على مقاربة تأخذ بالاعتبار مصلحة لبنان والسعي للتعامل الأخوي مع سورية كدولة شقيقة، منوّهاً بالكلام الأخير لرئيس الجمهورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال السفير علي إن دمشق جادة بفعل كل شيء يساعدها لاسترداد أبنائها، بمن فيهم الكثير ممن تورّطوا بخيارات ومواقف ضد دولتهم ضمن إطار تسويات تمّ منها الكثير، ومعالجات تجسّدت بمراسيم العفو الرئاسي المتكررة لفتح المزيد من الأبواب أمام النازحين للعودة، ومثلها الكثير من الإجراءات والتسهيلات الصادرة بتعاميم عن وزارتي الخارجية والداخلية. وقال علي إن المشكلة ليست سورية، وتنتظر سورية من أشقائها وخصوصاً في لبنان، لغة تليق بعلاقات الأخوة في التعامل مع هذا الملف وتصرفات تنمّ عن هذه الروح في معاملة السوريين في لبنان، لأن كثيراً مما يُقال وما يفعل يسيء لمستقبل هذه العلاقات وتاريخها، مع تقدير حجم أثر النزوح على لبنان وطاقته على التحمل، والانفتاح على أي مسعى لبناني جدي للتعاون مع الحكومة السورية للتعاون في بلورة خطط مشتركة لتسريع وتوسيع نطاق العودة، معتبراً أن ما تفعله المنظمات الدولية والجمعيات التي تتعاطى مع النازحين تحت مظلة المنظمات والجمعيات الدولية، لا يزال يعقّد عودة النازحين، خصوصاً بربط المساعدات التي تقدّم لهم ببقائهم نازحين، ورفض تحويل هذه المساعدات لهم إلى داخل بلدهم إذا قرروا العودة، قائلاً، عليهم أن يصدقوا أن الخسمين دولار التي يمنحونها للنازح في لبنان لا تساوي شيئاً في تغطية حاجته لحياة لائقة، بينما تعادل إذا منحت للعائد إلى سورية ألف دولار مما يمكن أن يُعطى له في لبنان.

في الملف السياسي وتشكيل اللجنة الدستورية دعا السفير علي إلى النظر للأمور كسياق متكامل له خط بياني ينبني على سنوات، نجحت خلالها الدولة السورية بدعم صادق من حلفائها، ما جعل مشروعها يثبت تقدّمه المضطرد، وسقوط فرضية وجود أي أهلية للمشاريع المناوئة للدولة السورية، معيداً الأساس في ذلك إلى ثلاثية، اتساع متنامٍ في الأرضية الشعبية المؤيدة للدولة، والتي تكتسب كل يوم المزيد من الشرائح التي كانت في مواقع أوهام أو مخاوف أو رهانات، أسقطتها الدولة السورية من عقول ووجدان شرائح سورية كبيرة تلتفّ اليوم حول دولتها، ويتجه مثلها الكثير من الباقين، معيداً هذا التقدم الشعبي كأساس لقوة المشروع السوري، إلى رؤية وبصيرة الرئيس بشار الأسد، الذي يشكل مع الشعب الركن الثاني لهذه الثلاثية، بثقته بشعبه ويقينه بقدرته على تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وصبره حتى صارت الحقائق واضحة وساطعة حول طبيعة ما تشهده سورية، وحول المقارنات بين المشاريع التي يتقدم بها الآخرون لسورية ومشروع الدولة، مضيفاً أن هذا الثبات في مواقف الرئيس وشجاعة تعامله مع استحقاقات الأزمة والحرب، لم تقتصر آثارها على الجبهة الشعبية الداخلية وبين النازحين، بل أثمرت تماكساً في حلف مساندي سورية، من دول وحركات المقاومة، وأصدقاء سورية من روسيا والصين وسائر الدول المستقلة. أما السبب الثاني لاستعادة الحاضنة الشعبية وتوسعها باضطراد مستمر، وهو الركن الثالث في المعادلة، وفقاً لما قاله السفير علي، فهو النجاحات التي حققها الجيش السوري في الميدان والتي فاجأت الصديق والعدو، وأثبتت أن الدولة السورية محصّنة بتضحيات جيشها قادرة على فرض إرادتها وإلزام الآخرين بطيّ الكثير من مشاريعهم وأوهامهم ورهاناتهم، وشلّ قدرة الذين يرغبون بالتلاعب بالوقت مع سورية، على المراوغة، واصفاً تشكيل اللجنة الدستورية كترجمة لهذا السياق، متوقعاً أن تواجه اللجنة محاولات للعرقلة وعدداً من المشاكل من الذين لا يرغبون رؤية سورية سيدة ومستقلة، وقوية وقادرة، تحتكم للحوار السياسي في رسم مصيرها، دون تدخّلات خارجية، لكنه توقع مواصلة التقدم في المسار السياسي وسواه من مسارات الحل، لاستعادة سورية وحدتها وسيادتها كاملتين، لأن الذين استثمروا في مشروع إضعاف سورية وإسقاطها أو تفتيتها، يكتشفون أن خسائر مواصلة الرهان باتت أكبر من أوهام الأرباح التي ظنوا قدرتهم على تحقيقها، ويصيبهم اليأس من ذلك مرة بعد مرة، داعياً لمراجعة يقوم بها هؤلاء، من موقع مصالحهم هم، وسورية تمدّ يدها لكل محاولة مخلصة للمراجعة، عربياً ودولياً، والتعرّجات التي تسلكها مسارات إنهاء الحرب لن تغير الاتجاه ولو أخّرت التوقيت، فخير للمعرقلين أن ينضموا إلى ضفة الاستثمار على الحلول، التي يشكل مشروع الدولة محورها.

وفي السياق رداً على أسئلة الزملاء، نفى السفير علي ما نشر عن شائعات حول مصادرات أملاك وأموال لعديد من رجال الأعمال السوريين، قائلاً إن هناك دولة تقوم بمهامها لمواجهة الظواهر المخالفة للقوانين دون تمييز، وقد يكون بين ما نشر حقيقة صغيرة وجزئية، لكن الكلام عن سلة كبرى بهذا الحجم ليس إلا نسيج تخيّلات لا أساس لها في الواقع.

لبنانياً طغت المشكلات الضاغطة في الشارع على المشهد السياسي، حيث إقفال محطات البنزين من جهة ونفاد الدولار من شبابيك المصارف وحضوره في شبابيك الصرافين من جهة ثانية، ورفض شركات الخلوي اعتماد الليرة اللبنانية في فواتيرها، شكلت مناخاً كافياً مع التطمينات الكلامية الصادرة عن مسؤولي الدولة لتكون سبباً لموجات غضب شعبي بدأت تعبر عن ذاتها بإحراق الإطارات والتجمعات، وبات يخشى انفجارها بثورة غضب تسيطر عليها الفوضى، وتأخذ البلاد إلى حيث يخطط لها خصومها. فالفوضى تشكل جوهر مشروع تحويل لبنان إلى ساحة قابلة للعبث، بالتزامن مع الرهانات الخارجية على تفكيك الساحة السياسية من بوابة الضغوط الاقتصادية، ودفع الناس إلى الشارع لاستعمالها كما استعملت في الربيع العربي، الذي شهد تدحرج رؤوس حكام موثوقين ومقرّبين من والغرب وعلى رأسه واشنطن، لكن ثبت أن تعميم الفوضى أغلى من هذه الرؤوس.

«المحروقات» الى الإضراب المفتوح!

فيما تشهد السرايا الحكومية نشاطاً مكثفاً لمتابعة الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، لا سيما مناقشة مشروع موازنة 2020 ومقرّرات اجتماع بعبدا الاقتصادي ودراسة الأوراق الاقتصادية المقدمة من بعض الأحزاب السياسية، تفاقمت أزمة الدولار والمحروقات بعد انتهاء مهلة الـ48 ساعة التي حدّدها أصحاب محطات الوقود من دون التوصل الى حلول عملية رغم الاجتماعات المتكرّرة بين رئيس الحكومة سعد الحريري وحاكم البنك المركزي رياض سلامة، الذي أعلن من السرايا الحكومي في ردّه على سؤال لـ»البناء» أن لا أزمة دولار في البلد والأوضاع مستقرة ولا داعي للقلق، واضعاً كل المعلومات المتداولة عن أزمة وانهيار وإفلاس مالي في إطار الإشاعات. علماً أن سلامة أعلن في وقت سابق عن عزمه إصدار تعميم الثلاثاء المقبل حول تنظيم شراء المواد الأولية بالدولار.

إلا أن أصحاب قطاع المحروقات قرروا الإضراب المفتوح وذلك بعد اجتماعهم أمس في خلدة، حيث سادت خلافات في وجهات النظر بين المجتمعين، إذ هناك أكثرية تطالب بالإضراب والنقيب يرفض.

وبعد انتهاء الاجتماع، قرر النقيب سامي البراكس إعلان الإضراب المفتوح تماشياً مع الاكثرية. وأشار البراكس إلى أنه «كنا ملتزمين مع رئيس الحكومة سعد الحريري لنهار الخميس وتمّ تأجيلنا حتى الاثنين ولدينا حرية متكاملة». إلا أن ممثّل شركات موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا أعلن عدم الالتزام بما أعلنه البراكس وأن «لا إضراب بانتظار مبادرة الحريري». ورأى أبو شقرا في تصريح أن «موضوع الدولار لا يحتمل»، وقال: «أخذنا وعداً من الحريري ولسنا مع الإضراب بانتظار حل الحريري».

وعقب إعلان محطات البنزين الإضراب المفتوح، بدأت محطات المحروقات بالإقفال، فيما توقفت أرتال من السيارات أمامها وتهافت المواطنون إلى المحطات للتعبئة وقد سُجّلت زحمة كثيفة أمام المحطات في كل المناطق اللبنانية. كما تداعى حشد من المواطنين الى الشارع في صيدا للاحتجاج على تردي الأوضاع الاقتصادية.

وفي سياق نفي حاكم مصرف لبنان وجود أزمة دولار، قالت مصادر وزارية معنية بالشأن الاقتصادي لـ»البناء» إن «أزمة المواد المدولرة ستحل الثلاثاء المقبل عبر إجراءات يتخذها مصرف لبنان». وفي وقت تحذر مصادر سياسية من خطة أميركية ممنهجة ومتدرجة عن طريق العقوبات المالية الأميركية وصولاً لخنق لبنان وتعميم الفوضى المالية والاجتماعية حتى الانهيار، استبعد أكثر من مصدر وزاري لـ»البناء» «تفاقم الأزمة الى حد الإفلاس او الانهيار المالي او ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية الى الفي ليرة لبنانية كما يُشاع في الاسواق»، مشيرين الى أن «عامل الثقة لدى المودعين والمستثمرين الأجانب والتجار والسياح وحتى المواطنين العاديين هو الحاسم في ثبات العملة وتوافرها في الأسواق»، وعزت المصادر أسباب الأزمة الى تأثر هذه الفئات بالإشاعات ما يدفعهم للحصول على الدولار ما يرفع الطلب عليه، وبالتالي ارتفاع سعره، فضلاً عن السياسة النقدية لدى البنك المركزي التي تحتفظ بالدولار لتعزيز الاحتياط النقدي».

وإذ عمدت بعض الجهات المحلية الى استغلال أزمة الدولار لتصويب الاتهام الى سورية وإيران بسحب الدولار من السوق اللبناني، نفت مصادر وزارية مقربة من الحريري ذلك، مشيرة لـ»البناء» الى «أن لا وقائع تثبت ذلك فيما هناك أدلة تثبت تهريب المازوت والبنزين ومواد أخرى من سورية الى لبنان». وقالت مصادر «البناء» إن «شبكات مؤلفة من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين يستغلون أزمة الدولار عبر شراء الدولار بسعره المرتفع من الاسواق اللبنانية ونقله الى سورية ودول أخرى لبيعه بسعر أعلى لتحقيق أرباح».

وقالت مصادر وزارية مطلعة على موقف حزب الله لـ»البناء» إن «حزب الله والقوى الحليفة كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال تمادي الولايات المتحدة الأميركية في استهداف لبنان وحزب الله والبيئة الشعبية الحاضنة بالعقوبات»، كاشفة أن «الحزب بصدد مواجهة هذه الحملة الأميركية عبر جملة من الإجراءات»، وعن طبيعة هذه الإجراءات اذا كانت عبر المؤسسات أو شعبية لم تكشف المصادر عنها، مشيرة الى «انها لا زالت قيد الدرس»، محذرة من أنه «عندما تستهدف واشنطن البيئة المالية والشعبية للمقاومة وتستخدم بعض الجهات الداخلية وبعض القطاع المصرفي للضغط، فيجب أن تتوقع ردات فعل من الشعب وقوى سياسية متعدّدة ترفض الظلم والعدوان»، مشيرة الى أن هذه الحرب الاقتصادية لا تختلف عن الحرب العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية التي تمارسها اسرائيل واميركا والإرهاب ضد المقاومة ومحورها منذ عقود».

في المقابل، قالت مصادر السرايا الحكومية لـ»البناء» إن «رئيس الحكومة وخلال محادثاته مع المسؤولين الأميركيين يعمل على التخفيف من وطأة العقوبات على لبنان وعلى تحييد القطاع المصرفي قدر المستطاع والفصل بين العقوبات على حزب الله عن العقوبات على المصارف والأفراد».

وعُلِم أن الرئيس الحريري سيغادر بيروت متوجّهاً الى فرنسا للمشاركة في مراسم دفن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك. كما غادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نيويورك عائداً الى بيروت بعد ترؤسه وفد لبنان الى اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة.

زحمة لجان وموازنة

وعلى وقع تفرخ الأزمات والتهديد بالشارع، واصل مجلس الوزراء دراسة مشروع الموازنة في وقت ترأس الرئيس الحريري اجتماعاً للجنة الوزارية لدراسة الإصلاحات المالية والاقتصادية وجرى البحث في خمس نقاط بحسب وزير الاتصالات محمد شقير هي «تجميد زيادة الرواتب، زيادة الحسومات التقاعدية، زيادة ضريبة القيمة المضافة على الكماليات وفرض رسوم على الدخان والبنزين، ولم يتم اتخاذ أي قرار بشأن هذه النقاط بعد». وأفيد ان اللجنة ناقشت تجميد الأجور لمدة 3 سنوات وزيادة الحسومات التقاعدية وزيادة الـ tva على الكماليات وفرض رسم حد أدنى على البنزين ورفع الرسوم على الدخان. ومن المتوقع ان تعقد اللجنة اجتماعاً ثانياً يوم الاثنين المقبل.

وتعتبر اللجنة، بحسب معلومات «البناء» مقررات بعبدا أولوية لجهة ما تحققه من مردود مالي، اذا ما نفذت، وبالتالي تخفف نسبة العجز، وعند إقرارها تجري إحالتها الى المجلس النيابي كمشاريع قوانين وإقرارها مع الموازنة بقوانين مستقلة، أما الاوراق الاقتصادية فتناقش ايضاً وما يتفق عليه الحكومة يحال الى مجلس النواب ايضاً».

وعلمت «البناء» من أوساط حكومية نية الحكومة زيادة سعر صفيحة البنزين 3 في المئة أي ما يوازي 700 ليرة لبنانية، وتحديد السعر الأقصى والأدنى لصفيحة البنزين، كما سيصار الى اعادة النظر بمخصصات وزيادات الموظفين وهناك خياران بحسب المعلومات: إما إلغاء الزيادات على الرواتب لمدة ثلاث سنوات فقط ثم تُعاد، واما تجميدها لمدة ثلاث سنوات وتدفع لهم كاملة لاحقاً ولم يحسم الأمر».

كما ترأس الحريري، اجتماع اللجنة الوزارية لدراسة دفاتر الشروط في موضوع الكهرباء، وركز الحزب الاشتراكي في الجلسة بحسب معلومات «البناء» على تحديد شروط الشريك المحلي الذي سيشارك في استثمار هذا القطاع واستبعاد استقدام البواخر. وأعلنت وزيرة الطاقة ندى البستاني أن لبنان يدخل الخريطة النفطية، قائلة «نسعى لحفر اول بئر في كانون الاول». واضافت من «منتدى بيروت الدولي للطاقة» أن «الوزارة وهيئة البترول طبقتا أعلى معايير الشفافية عبر نشر معايير تأهيل الشركات، دفاتر الشروط، العقود الموقعة مع الشركات العالمية».

وكان مجلس الوزراء ناقش في جلسته أمس الجزء الأول لعدد من الوزارات، على أن يستكمل الاثنين المقبل، وأشارت مصادر وزارية لـ»البناء» أنه يمكن إدخال إصلاحات في مشروع الموازنة لكن دون تعديل في ارقام الموازنة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى