سورية كلها تحت مرمى النيران الخليجية…

د. وفيق ابراهيم

تُصرّ دول الخليج على التمييز بين سورية ونظامها السياسي. فتزعمُ أنها تحارب النظام السياسي فقط، وهذا بالطبع من فنون الدجل السياسي لأنّ الإدارة السياسية السورية منتخبة بمختلف مستوياتها الرئاسية والنيابية من السوريين. كما أنّ الحكومة لا تباشر أعمالها إلا بعد نيلها ثقة مجلس الشعب. وبما أنّ سورية هي التاريخ والتفاعل بين المواطن والدولة والنظام، فإنّ الرئيس بشار الأسد يجسّد تآلف هذه العناصر بأدوارها الداخلية والخارجية، وأي معاداة له، لا تندرج إلا في إطار العداء لسورية الدولة والشعب والمؤسسات.

والمؤسف أنّ الأنظمة السياسية في الخليج التي تناصب النظام السوري العداء وتشنّ عليه حرباً لا هوادة فيها، إنما هي أنظمة تسللت إلى الحكم في ليل دامس، بمعونة المخابرات البريطانية، ولاحقاً النفوذ الأميركي. هذا حال آل سعود الذين انطلقوا من نجد ليسيطروا، بمعونة البريطانيين، على حوالي مليوني كيلومتر مربع، ويحكموها بالحديد والقتل وشريعة «الحِرابة» أي القتل والصلب. وهذا الواقع ينطبق على آل خليفة الذين أتى بهم البريطانيون من نجد ليحكموا البحرين، وكذلك آل ثاني في قطر وغيرهم من حُكام الخليج.

ويستنتج من يتابع الأوضاع في تلك الدول، أنّ آخر اهتمامات أمرائها وملوكها سورية، بلداً وشعباً، وإلا لكانوا أبدوا اهتماماً بشعوبهم وأخرجوها من القرون الوسطى، ورفعوا عنها الاضطهاد الأمني والثقافي والاقتصادي والسياسي. فكيف يمكن لخليجي أن يتطور في أنظمة مقفلة سياسياً تتحكم في مفاصلها بضع عائلات، أو أن ينمو اقتصادياً في بلدان تمسك العائلات الحاكمة بحركة توزيع المال العام فيها وتعتبره ملكاً صرفاً لها. وهذا يفسر إلى حدّ ما أسباب العداء الخليجي لسورية التي أصابت الهجمة عليها الكثير من الإنجازات التي حققتها بين عامي 1970 ـ 2010. ففي المرحلة المذكورة ارتفع عديد الطبقة الوسطى السورية، مقابل تراجع معدل الفقراء إلى 25 في المئة من السكان، وتحسّنت الأوضاع الصحية والعلمية والخدماتية، على رغم دعم سورية للمقاومات العراقية والفلسطينية واللبنانية بالمال والسلاح، وهذا هو السبب الأساسي لاستهداف سورية، التي تطور نظامها السياسي، بعد أن انتقلت من مرحلة الفوضى المسلحة المتجسّدة في مئات الانقلابات العسكرية التي توالت بين 1948 ـ 1970 إلى مرحلة الاستقرار مع الرئيس حافظ الأسد، كما شهدت ازدهاراً في شتى المجالات في عهد الرئيس بشار الأسد. فكان الهجوم على سورية غربياً وخليجياً وتركياً و«إسرائيلياً»، والمطلوب إلغاء الدور الأساسي لهذا البلد على المستوى الإقليمي والقضاء على وحدته الوطنية وإسقاط نظامه السياسي، باستخدام الشعارات المذهبية والعرقية والقبلية.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ حركة تهجير السوريين من قراهم ومدنهم، إنما هي عملية متعمَّدة، فقد كشفت جريدة «لوموند» الفرنسية العام الفائت عن خطة سعودية غربية لتهجير السوريين وإفقارهم لتأمين انضمامهم إلى حركات إرهابية مسلحة، انطلاقاً من تركيا ولبنان والأردن، وقد رأينا، في المقابل، كيف رفضت دول الخليج استقبال أي نازح سوري من دون أن تحدّد الأسباب والمبررات، ما أثار استنكار المنظمات الإنسانية الدولية.

ولم يعد خافياً على أحد أنّ التهجير والإفقار والتضليل الإعلامي وتمويل العصابات المسلحة وتدريبها وتسخير خدمات التواصل الاجتماعي لتسهيل اتصال التنظيمات الإرهابية بالعالم، إنما هي وسائل لتدمير سورية شعباً وجيشاً ونظاماً وتاريخاً ودوراً إقليمياً، وبالتالي تدمير المشرق وإنهاء القضية الفلسطينية وجعل المنطقة قاعدة دائمة للغرب الأميركي.

لقد حاول أعداء سورية تفكيك مؤسساتها الوطنية وعلى رأسها الجيش، كما فعلوا في العراق. وفي قراءة سريعة للخطة الخليجية ـ الغربية، يكتشف المراقب حجم التآمر، حيث يتم الترويج لفكرة أنّ النظام يقاتل شعبه، وتجاهل الحقائق على الأرض حيث يذبح الإرهابيون الأبرياء ويسبون النساء ويقضون على البشر والحجر.

من جهة أخرى، يزعم الخليج والغرب أنّ العقوبات تصيب النظام فقط، مع تجاهل كامل لأثرها على الناس، ويمنعون حتى استيراد الدواء والمعدات الطبية، فهل يضرّ قطع استيراد المواد الغذائية والأدوية وكلّ أنواع الخدمات وتدمير المعامل والمصانع والبنى التحتية بالنظام فقط؟

ووفقاً للخطة المذكورة، يجري التحريض على الفتنة المذهبية والطائفية في حين أنّ الإرهابيين لا يُفرّقون بين المذاهب والأديان ويقتلون كلّ من لا يبايعهم ويبيعون النساء في سوق الجواري علناً.

بالإضافة إلى كلّ ذلك، فإنّ وقف تمويل النازحين في تركيا ولبنان والأردن يهدف إلى إفقارهم بشكل كامل ودفعهم إلى الانضمام إلى ما يسمى «الجيش الحر» و«داعش» و«النصرة»، وتحميل النظام مسؤولية الإفقار والتجويع.

إنّ هذه المؤامرة تهدف إلى تفتيت سورية إلى وحدات مذهبية متحاربة ومنعها من تحقيق أي تقدم ديمقراطي فعلي كان بحاجة إلى مدى زمني كما حدث في كل البلدان الأوروبية، لكنّ الشعب السوري متمسّك بأرضه وتاريخه، كذلك الجيش السوري الذي يدافع عن وطنه وهو يشكل اليوم واحداً من أهم الجيوش الوطنية في المشرق. ويبقى الأمل كبيراً في انتصار سورية على المتآمرين عليها من أعراب الخليج والغرب الاستعماري والسلاطين الجدد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى