حزب الله بند أساسي على جدول أعمال الأميركيين
روزانا رمّال
الحديث عن حزب الله في الأروقة السياسية الغربية تخطى منذ عام 2000 الحدود اللبنانية بعدما استطاع تحرير جنوب لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي» الذي استمرّ لأكثر من عشرين عاماً، وذلك لخصوصية ما جرى وحساسيته، لأنّ الحدث هو ملف «إسرائيلي» أمني أساسي ومباشر، وهو الملف الذي يحتلّ طليعة اهتمامات الدول الغربية، وقد ساهمت معظمها بكلّ ما يلزم لحماية أمن الكيان ومؤسساته وطواقمه الديبلوماسية حول العالم.
التعاطي مع حزب الله اتخذ طابعاً مميّزاً بين الحركات المقاومة التي سعت الى التحرّر من المحتلّ، وأخذ جدالاً كبيراً بين الديبلوماسيين خصوصاً الأوروبيين الذين لم يتعاطوا مع حزب الله كاتحاد أوروبي لفترة طويلة كحزب سياسي عبارة عن شعب ونسيج اجتماعي ومؤسساتي، ولم يعلن منظمة إرهابية بالنسبة إلى الاوروبيين حتى عند الضغوط المتعلقة بمصالح «إسرائيلية» ـ أميركية.
مؤخراً فقط، بعد «ثوارت الربيع العربي الدموية»، ودوره في سورية أو غيرها أدّت إلى تحديد جناحه العسكري بشكل خاص إرهاباً بالنسبة إلى الاتحاد الاوروبي الذي ما لبث أن استأنف مسؤولوه اللقاءات مع مسؤولي حزب الله.
المصلحة من العلاقة مع حزب الله اليوم تتعاظم إقليمياً لأنّ دوره العسكري في سورية أدّى الى تغيير موازين القوى وإيقاف مخططات غربية ـ «إسرائيلية» كان من المفترض ان تسلك طريقها حتى بات حزب الله أحد أهمّ صانعي الحدث والتغيير العسكري في سورية الذي سيؤدّي حتماً الى تغيير سياسي بطبيعة الحال، وبالتالي التحدّث عن عزل حزب الله نتيجة تدخله في سورية بعيد عن المنطق السياسي والديبلوماسي لدى التحضير للمرحلة المقبلة في المنطقة التي تشهد تغييرات متسارعة جداً.
التغييرات هذه هي نتاج سياسة جديدة تنتهجها واشنطن في تعاطيها مع خصومها نتيجة يقينها واعترافها الواضح بتعاظم شأن بعض القوى بين دول اقليمية ودولية مثل ايران وروسيا والبرازيل والصين وغيرها… في الاقتصاد والشؤون العسكرية والنفوذ السياسي والتحالفات السياسية وإعادة التموضعات.
لم تغب الإدارة الأميركية الحالية عما يجري في العالم، وقد واكبت المتغيّرات السريعة وعكستها تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية المعهودة، وكان للشراكة الأميركية ـ الروسية الغير معلنة بهذا العنوان العريض بالمباشر في حلحلة ملفات المنطقة والعالم العالقة، والتي تعتبر شأنها المباشر أو تابعة لأمنها القومي من أوكرانيا إلى سورية الى اليمن فالعراق ومصر وقعاً واضحاً بهذا الاطار.
متغيّرات الشرق الاوسط التي تعتبر قلب العالم السياسي كشفت للولايات المتحدة قدرتها على ان تكون المنطقة القادرة على رسم وجه جديد للعالم برمّته، واقتنعت الولايات المتحدة اليوم بأهمية تعديل مفهوم العلاقة بينها وبين «إسرائيل» التي بدأت تتغيّر من التسليم الكامل لحاجات «إسرائيل» الى البحث فيها والبحث أولا في مصالح الولايات المتحدة التي يبدو انّ خصومها الذين أضعفتهم الحروب العالمية بدأوا يلتقطون أنفاس القوة فيما تبدو محاصرة بتحقيق مصلحة «إسرائيل» العليا أولاً.
هناك انفتاح اميركي شديد الوضوح على الدول التي تعتبر بالنسبة إلى «إسرائيل» عدوة وتهدد أمنها ومفهوم وجودها بالمباشر، ومن دون مواربة انفتاح اميركي غير مسبوق ونوايا بحلحلة ملفات عالقة، أبرزها الملف النووي الإيراني الذي مثل انفتاحاً على نظام متهم بدعم الارهاب في العالم وحركات المقاومة بالمفهوم الاميركي، والملف الكوبي الذي مثل مصالحة بين بلدين بعد قطيعة دامت لعقود طويلة، واليوم جديد الانفتاح ونوايا التطبيع مع فنزويلا التي تعتبر رمز المواجهة الداعمة لحركات التحرّر والنضال في العالم وبالأخصّ الشرق الاوسط منذ عهد الرئيس الراحل هوغو شافيز حتى اليوم، وقد مثلت العلاقة بين فنزويلا والولايات المتحدة أسوأ انواع العلاقات التي لم تخل من طرد وتقييد ديبلوماسيين واتهامات بالتدخل الاميركي بالشؤون الفنزويلية والتخطيط لانقلابات على الحكم في كاراكاس.
المشترك بين كلّ هذه الدول والملفات التي انفتح عليها الاميركيون وبالتحديد ادارة اوباما، والقاسم الاساسي هو ما تمثله من عداء لـ«إسرائيل» بالمفهوم الوجودي وليس بالسياسة وأحكامها او مفاهيم التحالفات والاصطفافات السياسية، وبالتالي فإنّ المستهدف الواضح هنا هو «إسرائيل» بطريقة من الطرق، والذي يضعها امام ضرورة استشعار الخطر المقبل عليها.
كلّ هذا الانفتاح او المتغيّر ينسحب بالمنطق على حزب الله الذي لا يمكن بعد هذا الاستعراض استبعاد أيّ انفتاح أميركي تجاهه بعد الانفتاح الأكبر على داعميه وحلفائه الايرانيين كيف بالحال اذا كان الانفتاح الأميركي على حزب الله ضرورة اميركية من أجل حلحلة الملفات المقبلة كلاعب سياسي أساسي ولاعب ميداني وصل نفوذه الى العراق، وبالتالي ايّ لقاء داخلي لبناني بين حزب الله وايّ سفير اميركي حالي او قادم لا يمكن وضعه في إطار الاستحالة على الإطلاق.
يبقى على «اسرائيل» وخصوم حزب الله في الداخل ان يكونوا جاهزين لأيّ خطوة مماثلة عند الاميركيين الذين لم تحرجهم إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الاميركية واعتبارها مصلحة تفوق كلّ مصلحة والبناء على أساسها.
ولا يجب أن يثير استغراب احد إذا قلنا إنّ المشكلة ربما تكون في قبول حزب الله هذا الانفتاح وليست في الرغبة الأميركية به.