«الطائف ـ المبادئ العامة»
حسين ماجد
لجنة من الجامعة العربية، بصلاحيات مطلقة، قوامها ثورة ومملكتان، «الجزائر والمغرب والسعودية»، أصدرت
قراراً، بدعوة النواب اللبنانيين، إلى اجتماع في الطائف، وأعلنت وقف إطلاق النار، بموافقة كافة الأطراف اللبنانية،
وبتدخل سوري ملحّ، استبدلت اللجنة، من الوثيقة التي كانت قد أعدّتها، عبارة «انسحاب الجيش السوري» بعبارة،
«إعادة تجمع القوات السورية»، وقد لبّى 61 نائباً، وحضروا الاجتماع، وأقرّت «وثيقة الوفاق الوطني» بموافقة 58 نائباً، وكان عدد أعضاء المجلس النيابي اللبناني في حينه 99 نائباً، الذين تمّ انتخابهم بتاريخ، 3 أيار، من العام 1972، ومدّدوا
لأنفسهم، حتى العام 1992. وفي 7 حزيران من العام 1991، عيّنت الحكومة اللبنانية، بموجب اتفاق «الطائف، 55،
نائباً، واكتمل العدد، 108، نواب، مناصفة بين المسلمين، والمسيحيين. وقد وضعت الوثيقة «الطائف» في 30 أيلول، وصدّقها مجلس النواب في 22 تشرين أول، في العام 1989، وفي 21 أيلول من العام 1990، تمّ تعديل الدستور اللبناني، وأضيفت اليه المبادئ العامة، والإصلاحات السياسية، التي نصّت عليها وثيقة الوفاق الوطني، «الطائف».
أولاً – المبادئ العامة:
أ – لبنان سيد حرّ مستقلّ، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً، وشعباً، ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في
الدستور، والمعترف بها دولياً.
الدستور لم يحدد، بدقة حدود لبنان، «يحدّه من الجنوب قضاء صور وقضاء مرجعيون» ولم يذكر قضاء بنت جبيل.
ب ـ لبنان عربي الهوية، والانتماء، وهو عضو مؤسس، وعامل في جامعة الدول العربية، وملتزم بمواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة، وملتزم بميثاقها، وهو عضو في حركة عدم الانحياز، وتجسد الدولة، اللبنانية هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.
ج ـ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.
د ـ الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
هـ ـ النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.
و ـ النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة.
ز ـ الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام.
ح ـ العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة من خلال الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي.
ط ـ أرض لبنان أرض واحدة لكلّ اللبنانيين فلكلّ لبناني الحق في الإقامة على أيّ جزء منها والتمتع به في ظلّ سيادة
القانون، فلا فرز للشعب على أساس أيّ انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.
ـ لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
جميع هذه المبادئ العامة، قد أصبحت في مقدمة الدستور اللبناني باستثناء الفقرة ح «العمل على تحقيق…»
وحلت محلها الفقرة التالية: «ح- إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية».
الفقرة ي من المبادئ العامة، «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك» قد عطلت مضمون، ونسخت كلّ ما ورد قبلها من مبادئ عامة، إنها دستور مواز، غير مكتوب، أسر «وثيقة الطائف» وسجنها. واستخدم «ميثاق العيش المشترك» المحجوب، وغير المكتوب أداة تضليلية جاهزة، يشرف على تطويعها، «فقهاء الحكام» و «هامانات السلطة» وتقدّمها الفتاوى والاجتهادات، قرابين لأسيادهم «غبّ الطلب» لتلغي ما تحدّث عنه هؤلاء الأسياد، مرغمين، كذباً، ومداهنة،
وخوفاً، عن تبنيهم للحريات العامة، والديمقراطية، والتوازن، والعدالة، بهدف تغطية معاناة الوطن، وحجب وجروحه، وإخفاء نزيف جسده المهترئ، محاولين ستره بعباءة مزركشة نتنة، ليست على مقاسه، وهي المسبّبة لعلله، وشلله، وللالتهابات المزمنة التي ستؤدّي إذا ما استمرّت إلى زواله.
والوطن الصابر مكرهاً، في انتظار، مبادرة تخلع عنه هذه العباءة السامة، وتلبسه الثوب المناسب، الصحي، الطاهر، الشفاف، فيستعيد الوطن عافيته، وحيويته، ويتحصّن بوطنيته، وإنسانيته، برعاية شعبه وجيشه ومقاومته.
اللبنانيون، جميعاً متشوّقون، للتعرّف على هذا «الميثاق» القوي القدير الخفي، المتوّج على رأس الشرعية اللبنانية وسلطاتها، والمميّز من بين بقية الاتفاقات والمواثيق، ويتساءلون، ألأنه المولود الوحيد الذي أبصر الحياة على الأرض اللبنانية، أم لأنه أكبر إخوته وأخواته الذين ولدوا خارج لبنان، في «جنيف، لوزان، الطائف والدوحة» وهم من نسله ويحترمونه لأنه كبيرهم، ويحافظون عليه لأصالته وخبرته؟
أخبرونا عن «العيش المشترك» هل هو واقع واجد، أم هدف واعد، أم اسلوب جامد، أم مولود جاحد؟ ومن هم الشركاء
وماذا أنتجت للبنان هذه الشركة، وماذا قدمت هذه الشراكة؟
الشعب يقول لكم، عيشنا حوله «ميثاقكم» متوازيات لا تلتقي، وشراكتكم هي للاحتكار والاستغلال والامتيازات، وأنتم مع شركائكم أخصام، وللشعب أعداء، وحمّلتم الناس ديوناً ثقيلة، توفى من المواطنين، عبودية، وجهداً، ودماء، وعيشكم المشترك، تصادم وتقاتل، وتنابذ ورياء.
ميثاقكم الخفي، هو نظامكم الطائفي، التركي الفرنسي، تربّى وترعرع في أحضانكم، وغذته وأطلقته، مؤسساتكم الدستورية، والمذهبية، والتربوية، والإعلامية، وموّلته مؤسساتكم التجارية والمصرفية، كلّ ذلك تلبية لغرائزكم، ولشهواتكم، ولنزواتكم. ونيران هذا النظام ستحرقكم، وتلتهمكم، وحدكم، لأنّ النار تتجنّب الأخضر، ويجذبها اليباس.
بقية المبادئ العامة، المذكورة أعلاه والتي سترد لاحقاً بصورة أكثر شمولاً، ودقة، ووضوحاً، يمكن مقاربتها إيجازاً
على النحو التالي:
أ ـ لبنان في حينه لم يكن مستقلاً، ولبنان ليس واحداً، بل كان محتلاً، ويتكوّن من مناطق ومذاهب وقبائل وجماعات.
ب ـ لبنان العربي، لا يتعايش مع لبنان الطائفي، الانعزالي، ولبنان لا يطبق مبادئ الأمم المتحدة، «حقوق المرأة، الزواج المدني…»
ج ـ الديمقراطية في لبنان، هي ديمقراطية الطوائف، والجماعات، المستمدّة من القوة والمال والديموغرافية لكلّ منها، والحقوق السياسية، والمساواة، لا تشمل جميع المواطنين، وكونفدرالية الطوائف هي المتحكمة، وقد تجسّدت هذه الديمقراطية، بتعيين 55 نائباً، أيّ أكثر من نصف عدد نواب المجلس، وحتماً، انّ المعيّن ليس حراً وهو بتصرّف من عيّنه، ولتاريخه، نسمع من يقول «نوابي، ووزرائي»، ورضوا أن يكونوا ملكية خاصة يكفلها النظام.
د ـ الشعب مصدر السلطات، والنائب يمدّد لنفسه لسنوات، والشعب صاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، والنائب يملك القدرة والإرادة يمارسها بقوة الجماعات الطائفية.
هـ ـ النظام قائم على التناحر والعداوة بين السلطات، وليس على التعاون، أما التوازن بينها، تنبئنا به، السلطة القضائية
ويتجلى بالترويكا الرئاسية. فالسلطات مفصولة ولكنها غير مستقلة، ومتعاونة ولكن ليس للصالح العام. والتوازن بين الطائف هو أساس كلّ التوازنات.
و ـ الاقتصاد الحرّ لبناء الوطن، لا يبنى على استغلال جهود المواطنين والتعدّي على حقوقهم، وعلى النظام مراقبة مصادر الملكية الخاصة، والمبادرة الفردية المكفولة يجب أن تتفق وبرامج الدولة، أو تتكامل مع مشاريعها، وواقعنا الاقتصادي اليوم مؤشر فعلي لنتائج هذا التكفل، الذي لم يشمل الأسر التي دمّرتها الحرب الطائفية.
ز ـ الإنماء المتوازن للمناطق، وبتكرار كلمة المتوازن يفهم أنها بين الطوائف، وأنها ليست لمجموع الشعب اللبناني وأنها
تعني توزيع الحصص على المناطق بالتساوي. والشاهد على ذلك، التوازن الذي تحقق بين بيروت «السوليدير، وعكار»!
ح ـ جميل الحديث عن العدالة التي يحققها الإصلاح، ولكن السؤال، وكيف تمّ ذلك؟ إصلاح مالي وزع على اللبنانيين ديوناً بالتساوي بقيمة تفوق الـ 70 مليار دولار، يسدّدونها ضرائب على جهودهم وعملهم واستهلاكهم، والإصلاح الاقتصادي، أنتج طبقة من اللصوص 10 في المئة «فرعون وقارون» سرقوا وحكموا واستغلوا بقية المواطنين.
ط ـ الأرض واحدة ولكن ليست موحدة، ويحق لكلّ لبناني الإقامة في أيّ جزء، ولكن المشكلة أنه، لا يريد، أو لا يقدر، أو يمنع، بسبب ضغف القانون، أو تحيّزه، أو تغيّبه، أما الشعب الذي تتحدّثون عنه، لم يعد شعباً، بل أصبح شعباً وجماعات، بعد أن مزقتموه بأسنانكم، وغرّرت به سياساتكم.
المبادئ العامة هذه، لا تناسب، أو أنها غير كافية، لتجاوز، وإصلاح الواقع اللبناني، بعد إيقاف الحرب اللبنانية،
ولم ولن تتمكن من بناء لبنان الجديد، إذا لم تكن عقبة في طريق بنائه، وهذا ما تجمع عليه أكثرية اللبنانيين، فيما تختلف حول العوامل التي منعت تطبيق «الوثيقة» لمصلحة الجميع، ويمكن القول انّ الخلل الحاصل هو بتأثير عدة أسباب، منفردة ومتحدة:
1 ـ في الكتابة والتعبير.
2 ـ في الفهم والتفسير.
3 ـ في أسلوب وأدوات التنفيذ.
4 ـ عدم إرادة الدولة في التنفيذ.
5 ـ عدم القدرة على التنفيذ.
6 ـ عدم قابلية الوثيقة للتطبيق.
7 ـ منعت الوصاية، والخارج، تطبيقها تطبيقاً سليماً.
8 ـ منع تطبيقها، تبدّل وتطوّر الأوضاع في لبنان والمنطقة.
9 ـ وضعت لكي نصل الى ما وصلنا اليه، عن سابق إصرار وتصميم.
وأخيراً نقول، مهما تعدّدت وتنوّعت العوامل والأسباب فإنّ هذه «الوثيقة» يجب طرحها على بساط البحث، وذلك بهدف التجدّد والتجديد، وأن نتخلص من العودة دائماً الى الوراء، ونستعين بالأجداد، والدين، وسيرة الأنبياء، وفتاوى الفقهاء، لأنّ سيرتهم مرشداً وليست سجاناً للأبناء، ونعود الى العقل، والعلم، والمعرفة، وننتصر على الاتكالية، والجهل، والحماقة، والغباء.
وإلى اللقاء مع «إصلاحات الوثيقة السياسية»