مأزق النظام السعودي في اليمن وانعكاساته
ابراهيم ياسين
رغم مرور عدة أشهر على الحرب العدوانية التي يشنّها النظام السعودي بدعم أميركي من بعض الأنظمة العربية، فإنّ هذه الحرب لم تتمكن من تحقيق أهداف السعودية في إخضاع الشعب اليمني وإعادة تعويم نظام عبد منصور هادي التابع لها.
فالسعودية، على الرغم من أنها استطاعت تدمير البنية التحتية لليمن، زادت من الظروف القاسية التي يعيش في ظلها الشعب اليمني، إلا أنها تبدو غير قادرة على حسم الصراع عسكرياً، لا بل أنّ جميع المؤشرات تشير إلى أنّ حكام السعودية قد تورّطوا في حرب استنزاف طويلة ستكون لها تداعيات سلبية على السعودية على كافة المستويات السياسية الاقتصادية الاجتماعية فضلاً عن علاقة السعودية بالشعب اليمني. إذا كانت القوات السعودية الإماراتية قد نجحت من خلال الدخول إلى عدن في الإخلال بميزان القوى لمصلحة قوات هادي، وتالياً السيطرة على بعض المحافظات في الجنوب، إلا أنّ ذلك لا يعني استتباب الأمر للنظام السعودي وسياساته، بل إنه سيؤدّي إلى مزيد من التورّط السعودي، وتحديداً في حرب استنزاف مديدة صعبة.
فعدا عن استمرار القتال مع أنصار الله والجيش اليمني، إن كان في الداخل اليمني أو في المناطق السعودية في جيزان وعسير ونجران، عدا عن ذلك، فإنّ تواجد القوات السعودية في الجنوب سيثير معارضة الحراك الجنوبي الذي يطمح إلى استقلال الجنوب عن الشمال، وهذا ما يتعارض مع المخطط السعودي الذي يسعى إلى تحويل الجنوب إلى منطلق لمواصلة الحرب على أنصار الله والجيش اليمني من ناحية، وتثبيت أقدام هادي في الجنوب بما يتعارض مع رغبة الجنوبيين.
من هنا فإنّ استمرار التورّط السعودي في هذه الحرب سوف يؤدّي إلى تحميل السعودية أكلافاً مالية باهظة ستكون لها انعكاسات خطيرة كبيرة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في السعودية. فمن المعلوم أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي أقوى دولة اقتصادية في العالم ويبلغ ناتجها القومي حوالي 15 تريليون دولار لم تستطع تحمّل كلفة الحرب واستمرار احتلالها للعراق نتيجة للمقاومة العراقية التي أدخلتها في حرب استنزافية يومية، فكيف سيكون في إمكان السعودية تحمّل كلفة حرب مماثلة في اليمن أكثر صعوبة، فيما حجم اقتصادها السنوي لا يبلغ أكثر من خمسمائة مليار دولار، في وقت تراجعت فيه أسعار النفط بنسب كبيرة، وأدّت إلى تنامي العجز في الموازنة السعودية. لذلك يبدو من الواضح أنّ استمرار الحرب سيتسبّب بتوليد أزمة كبيرة للنظام السعودي بسبب عدم قدرته على تحقيق أهدافه من ناحية، وبسبب الاستنزاف المادي الكبير الذي تتكبّده السعودية من جراء هذه الحرب.
من هنا يمكن تفسير الحركة السعودية السياسية الأخيرة باتجاه روسيا التي رشحت عن إبلاغ ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد سلمان، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تخلي السعودية عن المطالبة بتنحية الرئيس بشار الأسد، واستعدادها للدخول في حلف إقليمي دولي لمحاربة الإرهاب بالإشتراك مع الدولة السورية.
هذا التراجع في الموقف السعودي إزاء الأزمة السورية ما كان ليحصل لولا دخول السعودية في أزمة كبيرة نتيجة الحرب في اليمن. كذلك الفشل في تحقيق أهدافها في سورية. وإذا كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد تراجع عن التزام السعودية والتعهّد الذي أعطاه محمد بن سلمان للرئيس بوتين، والذي أطلق على أساسه مبادرة لتشكيل تحالف دولي إقليمي لمحاربة الإرهاب، فإنّ ذلك جاء رضوخاً للضغط الأميركي الذي لا يريد التخلي عن المطالبة بتنحية الرئيس الأسد لإبقاء ذلك ورقة في المفاوضات ليساوم بها سورياً للحصول على تنازلات.
لكن من الواضح أيضاً أنّ الموقف السعودي هذا قد أصبح منسجماً مع الإستراتيجية الأميركية بعدما كان على خلاف معها بالنظر إلى حلّ الأزمة في سورية. كلّ ذلك يؤشر إلى أنّ السياسة السعودية باتت مربكة نتيجة غرقها في الأزمة المتولدة من الحرب في اليمن، وبالتالي باتت في حاجة إلى من يساعدها للخروج من هذه الحرب العبثية المكلفة، وهذا ما يجعلها أكثر ارتهاناً للولايات المتحدة الأميركية.
في مطلق الأحوال فإنّ النظام السعودي الذي خسر رهاناته على إسقاط النظام الوطني في سورية أيضاً وفقد السيطرة على اليمن، بات أمام حقيقة فشله في احتلال ايّ موقع أو دور إقليمي مؤثر على مستوى المنطقة، وفاقم هذا الفشل الاتفاق الإيراني مع السداسية الدولية حول البرنامج النووي، وما أدّى إليه هذا الاتفاق من تعزيز قوة وحضور دور إيران وحلفائها في المنطقة، ما أثر سلباً على النفوذ الأميركي السعودي في المنطقة، والذي كان يطمح إلى إضعاف إيران والقضاء على محور المقاومة لفرض الهيمنة الأميركية الخليجية على كامل المنطقة، وتمكين العدو الصهيوني من تصفية القضية الفلسطينية.
ناشط سياسي