ماذا يريد المغتربون السوريون؟ موقفاً دولياً على الطريقة الروسية
تامر يوسف بلبيسي
لأنّ المغتربين السوريين يعيشون هموم بلدهم، ولأنهم يعيشون في ثنايا وحضانة ورعاية بلاد غير بلدهم، فهم من جهة يرغبون بلحظة تتصالح فيها مشاعرهم التي تشدّهم نحو وطنهم ومحنته وحقه في الحياة ووقف مأساة شعبه المستمرة، وتدفعهم أخلاقياً مشاعر أخرى نحو العرفان بالجميل للبلاد التي تستضيفهم، ويبقون على السلوك الأخلاقي الذي تمليه عليهم واجبات الضيف باحترام سياسات ومواقف الدولة التي تستضيفه ويؤمّن فيها مصدر رزقه وعيشه الكريم، وما يُسهم به في نمو بلده أيام الاستقرار أو في تعزيز صمود أهله أيام المحن.
ولأنها سورية بمكانها ومكانتها، يستحيل الحديث عن حياد خارجي تجاه ما يجري فيها، فكيف عندما تتيح لنا وسائل الإعلام في زمن التواصل المفتوح وثورة المعلوماتية والاتصالات، أن نطلع على الكثير الكثير من الحقائق التي تشير إلى حجم الدور الخارجي في محنة سورية.
لأنّ كلّ هذا صحيح، يعرف السوريون، ويعرف المغتربون منهم أكثر، أنّ الحلّ في سورية رغم أهمية الشق الداخلي فيه، إلا أنه يبقى صعباً، لا بل مستحيلاً بلا معادلة دولية إقليمية تضمن وقف إمداد الإرهابيّين بالسلاح والمال، وتغلق الحدود أمامهم، وتقيم الفصل والعزل بينهم وبين فرق المعارضة التي يمكن إشراكها في الحلّ السياسي، على قاعدة إيمانها بالوطن سورية أولاً ومواجهة خطر الإرهاب عليه وعبره على العالم ثانياً، واستعدادها لمنح المصالحة الوطنية الأولوية لتدعيم الجيش في مواجهته البطولية للإرهاب من ضمن حكومة شراكة وطنية جامعة، والتجربة تقول إنّ هذا لن يحدث بدون توافق الإرادات الدولية والإقليمية المؤثرة والمتأثرة بما يجري في سورية.
التوافق الدولي والإقليمي كان مجرد تمنيات خلال سنوات مضت بسبب تحوّل الحرب في سورية إلى حرب استنزاف طويلة تملك قوى كثيرة خارجية مصلحة باستمرارها دون ظهور منتصر فيها، ولو كانت سورية هي مَن ينزف دماً واقتصاداً ولاجئين، ويتجذّر فيها الإرهاب حتى يبلغ مدىً يصعب معه اقتلاعه.
جاءت الحركة العسكرية الروسية وفقاً لرؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للحرب على الإرهاب والحلّ السياسي في سورية، لتحدث التحوّل اللازم نحو إنتاج هذا التوافق الدولي والإقليمي، رغم الانقسام الذي يظهر حولها، فالنتيجة الطبيعية عندما تتواجد قوى كبرى على جغرافيا عسكرية واحدة، أن تتفادى كلّ احتكاك وتضارب بالاستراتيجيات والخطط، ويجبرها التجاور والتساكن على توحيد المنهج، تماماً كما يحدث عندما تتجاور شركتان عملاقتان في سوق واحدة فتلجآن بدلاً من المضاربة والتنافس إلى توحيد الخدمات وتسعيرها.
لن يكون سهلاً بعد الحضور الروسي العسكري والسياسي مواصلة حرب الاستنزاف، ولا تحييد إرهاب عن الاستهداف بداعي الحاجة إليه في حرب الاستنزاف، وحصر الحرب ببعض آخر، فموسكو تقول إنها لا تعاني مشكلة حليف يقاتل في البرّ، وهذا هو الجيش السوري حليفها، بينما يعترف الغرب وتحالفه ضدّ الإرهاب أن لا شريك له في البرّ، ويعترف أن لا جدوى من غارات بلا عمل بري، ما يعني نجاح الجبهة التي ستتولاها روسيا والجيش السوري، وفشل الجبهات الأخرى ما لم تصبحا جبهة واحدة.
توحيد المفاهيم لتصنيف الجماعات المسلحة بين إرهابية من جهة وصالحة للمشاركة في الحلّ السياسي من جهة مقابلة سيحلّ نصف المشكلة، وبعدها تصير القوة البرية هي الجيش السوري مدعوماً من حكومة ينتجها الحلّ السياسي.
هذه هي عبقرية الرئيس بوتين وهذه هي شجاعته وفروسيته.
الأهمّ أنّ هذه هي معاني الصداقة والوفاء من الأصدقاء، وروسيا تقدّم مثالاً لهما، ولأنّ السوريين أحبّوا، مقيمين ومغتربين، الرئيس بوتين لصدقه وصداقته ووفائه، صاروا ينادونه بتودّد، «أبو علي» بوتين، لأنّ «أبو علي» هو لقب الفارس الشجاع والمقدام والصديق الوفي.
يريد السوريون عموماً، والمغتربون السوريون خصوصاً، نموذجاً للموقف الدولي والإقليمي يكرّر ظاهرة «أبو علي» بوتين، فيتصالح نصفاهما، نصف يدعوهم لتغليب مشاعر التضامن مع محنة أوطانهم، ونصف يدعوهم للوفاء للبلدان التي استضافتهم واحتضنت غربتهم، فلما يصِرْ موقف الدول كموقف روسيا يتعانق النصفان ويتصالحان.
مغترب عربي سوري في الكويت
رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية