سكين «داعش» ورسم الدويلات
نسيب أبو ضرغم
ظهرت بوضوح أحجام الدعم الدولي والإقليمي لاندفاعة «داعش» غرب العراق، إذ كرّست أحجام الدعم هذه النظرية التي رافقت اندلاع الحوادث في الشام، والقائلة بمؤامرة تفتيت المنطقة عبر «الفوضى الخلاقة». محاولة التفتيت الأولى بدأت في الشام، وكان المُقدّر أن يتهاوى النظام في غضون أشهر ثلاثة، وبالتالي تتهاوى وحدة الدولة والشعب والأرض على وقع الفوضى التي ستعقب انهيار النظام.
ظهرت النصرة، وظهر «داعش»، وظهرت أخواتهم جميعاً، فخيضت حرب طاحنة بين هذه التنظيمات التكفيرية والدولة السورية، آلت في النتيجة إلى انحسار هذه التنظيمات وإنزال هزائم قاسية بها. اللاعبون الاستراتيجيون الذين يحرّكون «داعش» وسواها، رأوا في انتصارات الجيش السوري عقبة غير قابلة للإلغاء، ما حتم تغيير التكتيك، بحيث جرى العمل على خلق شروط انتصار «داعش» في الضفة العراقية، فكان العمل على تأمين الخيانات اللازمة، إضافة إلى الشروط العسكرية والمعلوماتية كافة، فاستطاعت «داعش» أن تجتاح تلك المساحات الواسعة من العراق، وتسيطر على المعابر الحدودية بين العراق والشام، وهذا أخطر ما في الأمر. تمدد «داعش»، لكن ما الواقع الذي استولده هذا التمدد على الأرض:
1 – تم وصل الجغرافيا السورية الواقعة تحت سيطرة «داعش» بالجغرافيا العراقية المشابهة.
2 – تمت السيطرة على آبار عديدة للنفط كافية لتمويل الإمارة «الداعشية» وبالتالي حرمان الخزانة العراقية من هذا المردود.
3 – تحقّق الهدف الاستراتيجي الكبير الكامن وراء هذا الحراك كلّه منذ ثلاث سنوات وهو قطع خط المقاومة من طهران حتى بيروت.
4 – السيطرة على مسافات طويلة جداً من مجرى الفرات ودجلة.
5 – إعطاء الفرصة لإقليم كردستان لوضع اليد على كركوك التي تمثل الشرط الاقتصادي الأول لإعلان الدولة الكردية.
إن الأهداف التي تحققت أعلاه، هي نتاج هذه الغزوة «الداعشية»، وبالتالي فإن «داعش» لم يكن سوى السكين التي استعملها التحالف الصهيو ـ أميركي ـ عربي ـ تركي، لتحقيق الحلم التوراتي وضرب العمود الفقري، العراق، وتطويق دمشق.
إذا كان التحالف الصهيو ـ أميركي وأعوانه الإقليميون، قد أحسنوا الإمساك بالسكين «الداعشية» واستعمالها، فإن في ذلك درساً بليغاً ونحن على عتبة انقلاب دراماتيكي يطول المنطقة العربية بأسرها وليس الشام والعراق فحسب.
هذا الدرس القاضي بضرورة معرفة كيفية كسر هذه السكين، كسر الأداة، مقدمة لكسر المشروع، وهذا لا يتم إلاّ برد استراتيجي كبير على مستوى الخطر المطروح، الرد المتمثل في قيام اتحاد كونفيديرالي بين الشام والعراق، وبالتالي توحيد قوى الجيشين والبدء في حرب طويلة لا يمكن أن تكون نهايتها إلاّ لمصلحة هذا الاتحاد.
المسألة في شكلها ونتائجها الواقعة على الأرض ليست إلاّ مفردة في سياق الصراع الدولي، وليست سوى محطة في مخاض ولادة النظام العالمي الجديد.
ما حصل هو رد أميركي شرس على الثبات الروسي والصيني في مواجهة الاستراتيجيات الأميركية في الشرق الأوسط وأوروبا والشرق الآسيوي، ولأنه كذلك، فإن المعركة طويلة وقاسية، ومن هذه الوجهة نقول، إن المواجهة مع هذا الرد الأميركي ينبغي أن تتم على قاعدة سورية الطبيعية كاملة، القاعدة الضرورية لحشد الطاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية في هذه الحرب العالمية غير المعلنة.
إذا لم نكسر السكين «الداعشية» الأداة، فلسوف ينكسر عنق المستقبل الحر، السيد، الشريف، في هذه المنطقة، وبالتالي سيكون الجميع عبيداً في بلاط يهوذا. فماذا ننتظر كي يقوم اتحاد العراق والشام.