الأمم المتحدة… بين القرار والتنفيذ
شهناز صبحي فاكوش
مع آخر أيام عام 2015 والأزمة السورية تقارب نهايات عامها الخامس وهي تتعطر بدماء الشباب السوري، جيشاً ومدنيين، أحببت أن أشعل شمعة، كالتي في داخلي، تتساقط قطراتها أمام قارئيّ، كدموع الأمهات والأبناء على أرواح الأبرياء.
السبب حرب إرهابية تلفحت زوراً بالدين الإسلامي نصرة لبني صهيون، ضدّ الدولة الوحيدة التي بقيت في مواجهة أطماعها ومشروعها التوسعي في المنطقة العربية. الشعب الذي لم يساوم على سيادته، والدولة التي لم تخذله والقائد الذي لم يتخلّ عنه.
الحديث عن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن له شجونه… ليس مع الشعب السوري في أزمته هذه ولكن على مدى سنوات طوال، مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، الذي ما زال يعاني التهجير والاضطهاد تحت نير الاحتلال.
دأبت الأمم المتحدة على مدى سبعين عاماً من عمرها، على اتخاذ قرارات تؤدي من خلالها الدور الذي وجدت من أجله، أي تحقيق السلام والأمن الدوليين وإنصاف الشعوب المقهورة، مستندة إلى مواثيقها وعهودها.
قرارات تتخذ تجاه العدو الصهيوني المحتل لفلسطين، في محاولة حفظ حقّ الشعب الفلسطيني تنوف عن ستين قراراً، ذهبت أدراج الرياح. أدارت لها الصهيونية العالمية والمحتلين لفلسطين ظهورهم، وليس من محاسب أو حساب.
رغم كلّ المواقف التي تجابه بها قرارات الأمم المتحدة، ما زالت الدول المشاركة تلجأ إليها لأنها الهيئة الدولية الوحيدة التي يمكن التقدم إليها، عند انتهاك حرمة أي دولة لعرض الأمر على دول العالم و تحريك الرأي العام العالمي لصالح الشعوب والدول المظلومة.
آخر ما حرّر في الأزمة السورية، بعد كلّ الجلسات الأممية المتعلقة بالأزمة السورية، بين مدّ وجزر وهي التي استنفذت زمناً من عمرها، كما في مجلس الأمن القرارين 2253 /2254 جاء التركيز الإعلامي على القرار 2254 لماذا؟
جاء القرار 2254/ من روح فيينا 1/2 و من جنيف، ففي متنه أربع نقاط هي الأهم: وقف إطلاق النار، حكومة وحدة وطنية، الدستور، والانتخابات. نقاط كانت دائماً في حسابات الدولة السورية، ولا اعتراض عليها.
أما السؤال الأهم فهو: لماذا يتجاهل الإعلام القرار 2253 الذي يؤكد على محاربة الإرهاب، وعدم دعم «داعش» ولا علاقة له و«النصرة» بالعملية السياسية في سورية؟ هذا القرار الذي اتخذ بالإجماع، وهو الأساس الذي بُني عليه القرار2254 فتمريره قبلاً لم يكن عبثياً أو عفوياً.
وقف إطلاق النار مطلب سوري، ولكنّ أيّاً ممن يدعي المعارضة، التي ستدخل في العمل السياسي، يمكنه أن يكون قادراً على تنفيذ ما يخصّ هذه الجزئية من القرارات الأممية، وإلى أي مدى يمكنها أن تؤثر على المسلحين لوقفه.
العمل الميداني لا بدّ أن يكون حاضراً، فإن لم نكن أقوياء على الأرض، سنفقد شيئاً من السيادة التي يعترف بها الجميع، وسيُملى على الدولة السورية وشعبها دستوراً وانتخابات تفقدها شرعيتها وحرية قرارها.
مقتل زهران علوش جاء خطوة ميدانية متقدمة، تقرب مع خطوات عسكرية أخرى نحو الحلّ، ما فكك صفوف المرتزقة والإرهابيين، ليس في «جيش الإسلام» الذي يتبع له فقط، بل في جميع التنظيمات الإرهابية.
كما أنّ المجتمع الدولي لا بدّ أن يتساءل عن الموقف القطري الذي يحاول عدم الربط بين قوائم الإرهاب والوصول إلى طاولة المفاوضات. كما أنّ دمج المسلحين بالعملية السياسية كما يريدون، ثم الحساب بعدها مرفوض. فلا تفاوض مع قاتل.
أما تنفيذ القرار 2253 فلا بدّ أن تكون له الأولوية في محاربة الإرهاب، قبل البدء بعملية التفاوض وفق القرار 2254، وهو المطلب السوري ومحور المقاومة، والتفاوض لا يكون إلا مع قوى معارضة وطنية غير مرتبطة بأعداء سورية.
أما دي ميستورا الذي دعم القرار 2254 جهوده، فإعلانه عن جولة جنيف في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2016 وقبول الدولة السورية بالموعد، يبدو أنه أحرج معارضة الرياض، التي لا تستطيع التفوُّه بأكثر ممّا أملي عليها.
محاربة الإرهاب التي وضعت الدول الداعمة له، وفق القرار الأممي تحت الفصل السابع، ستظلّ بموازاة العملية السياسية، مع تقديم قوائم المجاميع الإرهابية وأسماء الأشخاص التي يجب أن تتضمنها، حتى لا يمكنهم التنقل بين عصابة وأخرى.
أما استنكار حكام بني وهاب، ومعارضات خارجية، مقتل علوش الذي قتلت قذائفه أبرياء مدنيين، معتبرين أنه يعطل الحلّ السياسي، لأنهم لا يهتمون بالدم السوري كيف يمكن لهذا الشعب الصامد أن يثق بهم، وهم غير أمينين عليه.
الإنجازات الميدانية تلغي مصالح المعارضة التي تحتمي بالإرهاب، في الحصول الإقصائي على السلطة، وتغير موازين القوى على الأرض، ما جعلهم يحلمون بأنّ ما لم يحققوه بسفك الدم السوري، يمكنهم الوصول إليه على طاولة المفاوضات.
بريطانيا التي أقرّت بفشل التحالف ضدّ سورية، رغم ممارسة أكثر من خطة، ثم رضخت القرارات الأممية لإرادة الشعب السوري في حقه بتقرير مصيره ووحدة تراب سورية وسيادتها، والأهم تجفيف منابع الإرهاب تحت الفصل السابع.
الصمود السوري في الميدان يمنح القوة للصمود السياسي، أما التشويش الإعلامي الذي يُجيش ضدّ الموقف السوري، فلن يجدي نفعاً أمام موافقة سورية على حضور جنيف.
لكن… هل ستنفذ القرارات الدولية ضدّ الإرهاب؟ هل ستغلق الحدود التركية؟ هل سيعاقب داعموه؟ هل من احترام للدم السوري من أجل استقلال سورية وقرارها الحر؟
عام جديد يطلّ برأسه على سورية وشعبها وعلى العالم، مودِّعاً عاماً تزامن في أواخره عيدي مولد النبي عيسى عليه السلام، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، من أرض المحبة والسلام… فهل فيها بشائر خير كما حياة الخيار على هذه الأرض الطيبة؟