خطاب السيد نصرالله يؤسِّس للمرحلة المقبلة

عباس الجمعة

أطلق خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بعد أسبوع على استشهاد الرمز المقاوم الشهيد القائد سمير القنطار، انقلاباً استراتيجياً في المنطقة سوف تظهر فصوله في الأيام المقبلة، ليؤسِّس وضعاً جديداً زالت معه قواعد الاشتباك وتلاشت حدود الساحات والميادين في حركة المقاومة واشتباكها المفتوح مع العدو الصهيوني. وقد أسّس قائد المقاومة بذلك لمشهد جديد بالردّ على جريمة اغتيال الشهيد سمير القنطار حيث قال «إنّ الردّ قادم لا محالة»، مؤكداً «أننا لا نستطيع ولا يمكن أن نتسامح مع سفك دماء مجاهدينا وإخواننا في أي مكان في هذا العالم، وإنّ قرارنا حاسم وقاطع منذ الأيام الأولى والمسألة أصبحت في يد المؤتمنين الحقيقيين على دماء الشهداء ومن نصون بهم الأرض والعرض والباقي يأتي، وهذا يؤكد على خيار المعركة المفتوحة مع العدو وهي لم تغلق في يوم من الأيام».

وأمام مضمون خطاب السيد نصر الله الذي شدّد فيه على أن «لا مقاومة بلا تضحية وبلا استعداد للتضحية وبلا عطاء بلا حدود»، مضيفاً: «نحتاج إلى هذه الروح المسؤولة والجادة التي عبر عنها سمير القنطار منذ انطلاقته في صفوف المقاومة الفلسطينية حتى شهادته في صفوف المقاومة الإسلامية على أرض سورية»، لافتاً إلى «أنّ صمود الفلسطينيين في أرضهم هو مقاومة حقيقية، وأنّ المعادلات الطبيعية تقول إنّ الكيان الإسرائيلي إلى زوال».

ومن هنا نؤكد على هوية الشهيد القائد سمير القنطار الفلسطينية الأسمى من المذهبية والطائفية والقطرية، ولم يكن الشهيد القنطار ممن «يطلبون المستحيل»، بل كان كمن سبقه على طريق الشهادة في فلسطين ومن أجل تحريرها.

إنّ كلّ ما تشهده المنطقة من مؤامرات إمبريالية وصهيونية واستعمارية ورجعية هدفه الأساسي توفير حماية كيان الاحتلال ولمصلحته قبل أي شيء آخر، لذلك فإنّ المقاومة تطلق عهدها القومي بإسقاط الحدود جهاراً في الكفاح ضدّ العدو وتقيم قواعد عملها في فلسطين ولبنان وسورية معاً من دون اعتبار لأي عائق وهي تستند إلى شركائها في محور المقاومة، بهدف مواجهة العربدة الصهيونية التي صاحبت ما سمي بالربيع العربي والتي انطلقت من وهم «إسرائيلي» كبير عبر السعي إلى ضرب الدول والمجتمعات وأصلاً وأساساً النيل من محور المقاومة عبر استهداف دول المنطقة المحيطة بفلسطين واستمالة بعض الإسلام السياسي خارج هذا المحور.

من هنا فإنّ المقاومة اليوم، وبعد عملية اغتيال الشهيد القنطار، تسقط جميع الحسابات الافتراضية الصهيونية وتقدم التضحيات بأجيال من الشهداء وتقف، كطليعة قومية مناضلة ضدّ الهيمنة الاستعمارية والغطرسة الصهيونية والإرهاب التكفيري، ليبقى السؤال برسم القوى والنخب الوطنية والقومية التي ترفع شعارات التحرُّر من الاستعمار والتخلف وتنادي بتحرير فلسطين وبالوحدة القومية وبمقاومة عصابات التكفير الإرهابية والتخلص من تهديدها الوجودي. ألم يحن أوان النفير إلى خطة قومية للمقاومة؟ أليس من يستشهدون في فلسطين المحتلة من أبناء فلسطين؟ أليس من يسفك دماء مقاوميها ومنتفضيها وشبابها هو الاحتلال؟

إنّ الردّ على اغتيال القنطار يجب أن يشمل الانتقام والثأر للدماء الفلسطينية، هذه الدماء التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية، لهذا نقول نعم آن الأوان ليس فقط لأن يقلق «الإسرائيلي»، بل ليذرف الدموع كما تذرف أسر شهدائنا ويتألم كما تألمنا، وبذلك تكون المعركة الأساسية مع هذا العدو الصهيوني العنصري الاستيطاني الذي يوغل في عدوانه وغطرسته، منتهكاً بالإرهاب والإجرام والاغتيال كلّ القواعد والقوانين، ومستفيداً من أدواته الإرهابية المتطرفة، التي تنفذ مشروعه الرامي إلى قتل الشعوب وتدمير دولها وتفتيتها.

إنّ شهادة عميد الأسرى المحرّرين قائد عملية نهاريا البطولية المناضل سمير القنطار، هذا البطل المقاوم، الذي نشأ على الصراع، حاملاً في قلبه إيماناً راسخاً بخيار المقاومة من أجل فلسطين، وبهذا الإيمان المشبع بالصلابة والعنفوان، انخرط في جبهة التحرير الفلسطينية ضدّ الاحتلال، وواجه الجلاد الصهيوني على مدى ثلاثة عقود بإرادة الصمود وعزيمة المناضلين الأحرار، واستشهد على هذه الطريق.

لذلك لا بدّ من المقاومة التي يقدر الشعب العربي الفلسطيني على اجتراحها، في ضوء التفاوت الكبير الصارخ في السلاح ، حيث تؤكد الانتفاضة العملاقة أنّ الشعب الفلسطيني عبر مقاومته، يجترح إلى جانب الحجر والسكين عمليات الدهس ، فضلاً عن التظاهرات والاعتصامات، على الأقلّ، إلى حين امتلاكه السلاح، حيث ترسم الانتفاضة بدماء شاباتها وشبابها موازين القوى داخل الصف والساحة الفلسطينية، وستكون لها تداعياتها على الساحة الإقليمية كما لم يسبق، لأنّ الصراع ضدّ هذا الكيان لا ينفصل عن النضال ضدّ الحلف الاستعماري الرجعي الداعم له والذي يشترك معه اليوم في آلة عدوانية واحدة على أكثر من جبهة وفي أكثر من ساحة ، حيث يحرك هذا الحلف بجميع أطرافه وفي قلبه كيان العدو الغاصب عصابات التكفير الإرهابي.

نعم… الشعب الفلسطيني كله احتضن سمير القنطار في مسيرته النضالية، مقاوماً عنيداً صمم على مقاتلة العدو الصهيوني وانتقل فور ظفره بالحرية إلى مواقع جديدة في حركة المقاومة منذ اللحظة الأولى ، معاهداً على العودة إلى فلسطين بالسلاح وساهم في إطلاق حركة المقاومة في الجولان المحتل مدشنا طريق التحول الاستراتيجي الذي يقضّ مضاجع الغزاة الصهاينة فجاهروا بسعيهم إلى قتله ورفاقه وحاولوا ستّ مرات متتالية، وباستشهاده نفتقد قامة وطنية وقومية مقاومة، فهو حمل قضية فلسطين، لأنها بلوغ النصر أو الشهادة، وقد ظفر المناضل سمير القنطار بالشهادة، وهو الذي عاش الانتصار على سجّانيه بحريته.

هذا القائد الشهيد رسم بمسيرته نهجاً يختصر تاريخاً طويلاً من النضال ويقدم لجميع المناضلين العرب وصفة تثبت الأحداث صوابها وهي أنّ أي تحرُّر أو تقدم في الوطن العربي والمنطقة كلها هو رهن التخلص من الكيان الصهيوني قاعدة الاستعمار المتقدمة، وأنّ أي مشروع للتطور والتقدم في البلاد العربية يفترض اعتناق المقاومة سبيلاً لمجابهة الكيان الصهيوني وإنّ الصراع ضدّ هذا الكيان لا ينفصل عن النضال ضدّ الحلف الاستعماري الرجعي الداعم له والذي يشترك معه اليوم في آلة عدوانية واحدة على أكثر من جبهة وفي أكثر من ساحة، ولا سيما في سورية حيث هذا الحلف بجميع أطرافه وفي قلبه كيان العدو الغاصب يحرك عصابات التكفير الإرهابي التي تستهدف دول المنطقة والمقاومة، وميدان كفاح القائد القنطار على جبهة الجولان هو الشاهد على تلك الحقيقة التي عاين وقائعها بالتفاصيل وهي كامنة بالضرورة في جريمة اغتياله بعيداً عن كلّ النقاش في مضمون رسائل العدو خلف الاغتيال فهو تعبير دقيق عن حقيقة الصراع ضدّ الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة.

ختاماً، إنّ ما جسَّده الشهيد القائد سمير القنطار في مسيرته من بطولات وتضحيات وثبات وصمود في مواجهة الأسر، وعلى جبهات الصراع في فلسطين ولبنان والجولان، هو دليل على أنّ خيار الصمود والمقاومة، خيار صائب وهو السبيل إلى تحرير الأرض والإنسان.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى