تقرير
نشرت صحيفة «سلايت» الفرنسية تقريراً حول الحياة في مدينة الرقة، التي يتّخذها تنظيم «داعش» الإرهابي عاصمة له، وأشارت إلى أنّ آراء الناس في هذه المدينة أصبحت متباينة، بين من لا يزال ينتظر الفرصة للوقوف ضدّ هذا التنظيم والتحرّر من سيطرته، وبين من وجد فيه فرصة لتحقيق حياة أفضل ورضي بهذا الوضع وتأقلم معه.
وقالت الصحيفة، إن روايات شهود العيان تبيّن أن نمط الحياة في مدينة الرقة يعتمد على مجموعة من القواعد الدينية الصارمة، التي يجب إبقاؤها في البال والتقيّد بها لحظة بلحظة، من أجل النجاة من الموت في «أرض داعش»، وكل من يقترف خطأ أو يظهر جهلاً بهذه القواعد يتم مباشرة إلحاقه بدروس دينية، يقدّمها بعض المدرّسين في المسجد، تتمثل في دروس تهدف إلى زرع إيديولوجيا التنظيم في المتعلّمين جميعاً، سواء كانوا من الصغار أو من الكبار.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض من يحضرون هذه الدروس الدينية لا يزالون في سنّ الطفولة، وهم بالأساس من الأولاد الذين كانوا يعانون في محيطهم العائلي، أو كانوا يتعرّضون للاستغلال وسوء المعاملة في المصانع والورش، ولذلك فإنهم فضّلوا الالتحاق بتنظيم «داعش» كي يصبحوا «أشبال الخلافة»، بحثاً عن حياة أفضل. كما أن بعض الكبار يلتحقون بهذه الدروس طمعاً بمبلغ قدره 400 دولار يتقاضونه عند نهاية الدروس.
كما ذكرت أن هذه الدروس تمثّل عقوبة لمن يرتكبون بعض المخالفات البسيطة، مثل التدخين وعدم غلق المحال التجارية في مواقيت الصلاة، وهي مفروضة أيضاً على الفقراء الذين يريدون الحصول على أموال الزكاة، وعلى من تلقوا تعليماً علمانياً في جامعات الدولة السورية أو في خارج البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن «دروس الشريعة» ليست العقوبة الوحيدة التي يعتمدها تنظيم «داعش»، فقد تم إجبار مجموعة من الشباب في الصيف الماضي على حفر خنادق حول مدينة الرقة، ما تسبّب بقتل عدد منهم بسبب الغارات الجوّية التي تستهدف مواقع التنظيم.
وأشارت الصحيفة إلى تباين مواقف شابّين من مدينة الرقة، أحدهما هو «حمدان»، وهو منشقّ عن جيش النظام السوري، والآخر خليل المتخرّج من جامعة حلب، وقالت إنه لدى الاستماع إلى الحوار الذي دار بينهما، يمكن الوصول إلى فكرة واضحة حول حجم الانقسام وتباين الآراء الذي وصل إليه السوريون، في ما يخصّ تعريف هوّيتهم وأهدافهم، إذ إن البعض يعتبرون أن سورية دولة صنعها اتفاق «سايكس ـ بيكو»، وبالتالي فهذه الحدود هي من بقايا الاستعمار البغيض، وآخرون يعتبر أن هوّيته هي الإسلام. وينقسم هؤلاء إلى عدة مجموعات بحسب مذاهبهم وإيديولوجيتهم، بينما يعتبر آخرون أن هويتهم هي العروبة، وهو ما يمثل مصدر خوف للأكراد والكاثوليك السريانيين، الذين يعتبرون الحديث عن الهوية العربية للدولة، تهميشاً لهم ولوجودهم في سورية.
وقالت الصحيفة إن «خليل»، الذي كان قبل سنتين في لبنان ومنع من الحصول على عمل، عاد إلى مدينة الرقة وحصل على عمل كمحاسب في إدارة المياه، بمرتب يبلغ 100 دولار شهرياً، وبذلك نجح في الاستفادة من تنظيم «داعش» من دون الاضطرار للقتال معه.
وذكرت الصحيفة أن «خليل» عبّر عن رضاه على العيش تحت راية تنظيم «داعش»، واعتبر أن هذا التنظيم نجح في إدارة الأمور بشكل جيد رغم أنه عاجز عن وقف الغارات الجوّية، كما أن خليل تزوّج منذ فترة، ولذلك فهو يشعر أن حياته تسير إلى الأمام.
أما «حمدان» فهو لا يخفي كرهه لعناصر التنظيم، ورفضه التام لكل ما يقوم به، خصوصاً معاملته الوحشية للمدنيين في سورية، إذ إن الأكراد الذين عاشوا طوال حياتهم في الرقة تم إجبارهم على مغادرة المدينة. وقد شهدت الرقة منذ سيطرة تنظيم «داعش» عليها في كانون الثاني 2014 تغيّراً كبيراً في خريطتها الديمغرافية، إذ توافد عليها المقاتلون الأجانب مع عائلاتهم فيما يشبه الاستعمار، وشرعوا في السيطرة على المنازل الفاخرة والوظائف المهمة.
وقالت الصحيفة إن تنظيم «داعش» نجح في مرحلة لاحقة في استقطاب عدد من السكان المحليين، يتمثلون خصوصاً في الشباب العزّاب، من الذين كانوا يعيشون مع أهاليهم وأغراهم تنظيم «داعش» بتزويجهم بعد إنهاء التدريب العسكري.
كما ذكرت الصحيفة أن سكان الرقة ممنوعون من مغادرة المدينة، من دون الحصول على ترخيص كتابي من مكتب «الحسبة»، وهي الشرطة الدينية. وقد تمت مصادرة منازل أولئك الذين نجحوا في الهروب من المدينة، وقام التنظيم أيضاً بالسيطرة على منازل الموظفين الحكوميين وكل المباني التي كانت تسيطر عليها الدولة السورية، لأن مبدأ التنظيم في التعامل مع هذه المباني هو بكل بساطة: «هذه المباني ملك للدولة، ونحن الدولة».
وقالت الصحيفة إن مدينة الرقة لم تعد فقط معقلاً للإرهاب، فقد أصبحت أيضاً تعاني من العزلة بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه تنظيم «داعش»، والذي حرم السكان من تغطية شبكة الإنترنت، بعد إزالته كل معدّات التقاط الإشارة، كما أصدر قراراً في 18 تشرين الثاني الماضي، بمنع امتلاك اللاقط الهوائي لاستعمال الإنترنت، وقرّر غلق كلّ مقاهي الإنترنت وعدم السماح بفتحها إلا بترخيص من إدارة التنظيم.
وادّعت الصحيفة أن سكان الرقة لا يعانون فقط من تنظيم «داعش»، بل أيضاً من غارات التحالف الدولي، إذ أصبحت هذه الغارات تتم بشكل يومي وتكثفت وأصبحت أكثر عشوائية وحدّة، مع دخول الطائرات الروسية والفرنسية على الخط، وقد تسببت بتدمير بعض المنشآت التي تقدّم خدماتها لسكان المدينة، ودمرت أيضا جسراً على نهر الفرات يستعمله السكان في تنقلاتهم، وألحقوا ضرراً بالمدنيين بزعم قطع طرق إمداد تنظيم «داعش»، رغم أن التنظيم لا يستعمل هذه البنى التحتية.
وقالت الصحيفة إن الناس في الرقة يحاولون مواصلة حياتهم بصفة طبيعية رغم الواقع المرير، فكلما سمعوا هدير الطائرات فوقهم يلتفتون إلى السماء، ولكن بمجرد سماع سقوط القنابل في مكان آخر يعودون إلى شؤونهم بشكل عادي، حيث إنه لم يعد هناك فرق بين الحياة والموت في هذه المدينة.