«إذا جاؤوا»… الحرب المفتوحة

عامر نعيم الياس

ترك السيد حسن نصر لله في خطابه منذ يومين في ذكرى القادة الشهداء، الباب موارباً أمام التسوية في المنطقة، وفق معادلة يترك للسعودية وتركيا والولايات المتّحدة تحديد مسارها وتحمّل تبعاتها.

الملف السوري كان على رأس الأولويات التي تناولها السيد نصر الله في لحظةٍ فارقةٍ من لحظات المواجهة المحتدمة بين محور المقاومة وموسكو من جهة، والغرب والولايات المتحدة والسعودية وتركيا والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وإن كانت استراتيجية الكيان تختلف عن السعودية والتركية اللتين تريدان التدخل في سورية «لا لمحاربة داعش» بل لحجز مكان في التسوية السياسية أو «صب البنزين على نار الحرب» في سورية وفق التعبير الحرفي للسيد نصر الله.

التدخل اليوم يأتي تحت ستارة «حماية السنّة» والتحالف مع «الدول العربية السنّية»، فالسيد تحدّث من دون مواربة مسمّياً الأشياء بمسمياتها، من دون الأخذ في الحسبان ارتدادات وتدعيات الأمور، وأرسى معادلةً جديدةً يجب أن تؤخذ بالحسبان بالنسبة إلى الوضع السوري، الذي بدا السيد نصر الله الحديث عنه بلمحةٍ تاريخية عن قرابة سنوات خمس مضت فشل معها مشروع إسقاط الدولة في سورية، وفشل معها «حتى الآن» مشروع التقسيم»، وكل ذلك جرى بجربٍ كونية وإعلامية «لم يشهد لها العالم مثيلاً على الإطلاق»، لكن على رغم ما سبق فقد انتصرت سورية وصمدت ومحورها الذي يقاتل علناً في طول البلاد وعرضها وفق معادلةٍ تكرّست فأصبحت من الثوابت «سيتواجد الحزب في أي زمان وأي مكان وأينما اقتضت ظروف الحرب»، هذا الثابت يمهّد لمعادلة من نوعٍ جديد بدأت تظهر مع فكرة طرح التدخل السعودي ـ التركي البرّي في سورية الذي يتم التحضير له في سياق التحالف الإسلامي والدولي للحرب على الإرهاب ممثلاً بـ«داعش» اليوم، لكن هذا أمر لن يمرّ، فمن انتصر خلال السنوات الماضية سينتصر اليوم لكن الفارق في نقل المعركة والبدء بحربٍ إقليمية مفتوحة على مصراعيها تتحوّل إلى حرب دولية وربما «عالمية» وفق التعبير الذي أطلقه رئيس الوزراء الروسي ديميتري مدفيديف.

«إذا جاؤوا»، أي السعوديون والأتراك، فإن للأمر نهاية وإن كانت طويلة وهي «تغيير وجه المنطقة»، وفق تعبير السيد نصر الله، وإراحتها من الهيمنة الإخوانية العثمانية وهيمنة البترودولار على مقدراتها، هنا لا مجال للتسوية كما هي الحال لو اهتدت أنقرة والرياض للمنطق وتعاملتا مع التطورات في سورية بواقعية سياسية حقيقية لا «بحقدٍ» لا متناه، فالواقعية من شأنها أن تدفع إلى تسوية سلمية للأزمة السورية وأيضاً على المدى الطويل، أما التدخل في سورية فسيغيّر وجه المنطقة إلى الأبد.

من منطلق القوة يتحدث السيد نصر الله، ومن منطلق إدراكه لحجم إمكانيات محور المقاومة، وفي ضوء المعطى الاستثنائي المتمثل بالتدخل الروسي في سورية والعلاقات الإيرانية الروسية السورية الاستثنائية التي ترقى إلى القيادة المركزية الموحّدة للعمليات العسكرية في سورية، تلك القيادة التي قلبت موازين القوى رأساً على عقب، وكرّست التعاون الروسي الإيراني أكثر من أيّ وقت مضى باعتباره حلفاً استراتيجياً لا مجرد تعاونٍ على مستوىً عالٍ، فاليوم، وعكس الصورة المتداولة في بعض الإعلام، لا تعارض بين طهران وموسكو في دمشق التي تشكل «عمود خيمة المقاومة» بحسب السيد نصر الله، فالمصلحة الاستراتيجية تقتضي بقاء سورية بشكلها الحالي مركزاً للمقاومة وهو ما تريده موسكو التي كرّمت أول ما كرّمت من ضباط الجيش السوري العقيد «سهيل الحسن» الذي يعتبر الأكثر عقائدية من بين الضباط العاملين حالياً في الميدان السوري.

الحرب المفتوحة بانتظار الجميع ولا مجال للحلول، إن جاءت أنقرة والرياض إلى سورية، فالمواجهة الطويلة الممتدة على الساحات المختلفة من دون أيّ ستارة ستكون هي الطريق الوحيد للنهاية، حيث لا مجال لاتفاق ما ومخرجٍ ما، إلا النصر الواضح لمشروع على الآخر ليس في سورية فحسب بل في كل المنطقة.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى