تقرير
المحلّل السياسي الأميركي جاكسون ديل في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية: أصرّ أوباما بلا كلل ولا ملل أثناء حملته الانتخابية قبل أربع سنوات مضت على أن «مدّ الحرب ينحسر»، وحتى في ذلك الحين، بدا هذا الشعار مجافياً للواقع. فلم يكن القتال في أفغانستان يزيد حدّة من دون نهاية في الأفق فحسب، ولكن كانت سورية والعراق وليبيا تنزلق كلّها في دائرة الحرب. وعكس إصرار أوباما على تلك العبارة ليس فقط استراتيجيته الانتخابية، ولكن أيضاً ملمحاً أساسياً في سياسته الخارجية. ولأن أوباما وصل إلى سدّة الرئاسة الأميركية بحفنة قليلة من الأهداف ذات الدوافع الأيديولوجية، فقد بلغ عناد الرئيس في الالتزام بهذه الأهداف إلى التغاضي عن الحقائق المتناقضة على أرض الواقع.
وكان أوّل أهداف أوباما «إنهاء الحروب في العراق وأفغانستان». واضطر أوباما إلى تسريع وتيرة عمليات سحب القوات الأميركية من العراق كي تنتهي في الموعد المحدّد لحملته الانتخابية عام 2012، وقبل أشهر قليلة مضت، بدا ملتزماً بإتمام الانسحاب من أفغانستان قبل مغادرة المنصب. ومن بين الأسئلة المهمة في شأن الأشهر المتبقية لأوباما في السلطة هو ما إذا كان يمكنه أن يتخلّى عن ميراثه المأمول، وبأيّ قدر يمكنه ذلك؟ وهل يمكنه تقبّل أن المصلحة العليا للولايات المتحدة تقتضي ليس فقط الاحتفاظ بتواجد عسكري أميركي في أفغانستان والشرق الأوسط، إنّما أيضاً زيادتها لمواجهة التهديدات المتزايدة من تنظيم «داعش» وحركة «طالبان» و«القاعدة»؟ وهل يستطيع أوباما الإقرار بأن «مدّ الحرب» لم ينحسر ولكن سواء رضي أم لم يرض يتسع؟
ثمّو ثلاثة قرارات مهمة في سجلّ أوباما. ففي تشرين الأول الماضي، تخلّى الرئيس عن خطته الرامية إلى خفض القوة الأميركية في أفغانستان التي بلغ قوامها 9800 جندي، وتحويلها إلى قوة طوارئ تتخذ من السفارة مقراً لها، ويبلغ تعدادها ألف مقاتل، وخلال الشهر الماضي أذن للقادة الأميركيين بمهاجمة أهداف لـ«داعش» و«القاعدة» في أفغانستان. ورغم ذلك لم يغيّر حتى الآن هدفه الرامي إلى خفض القوات الأميركية إلى 5500 شخص، كما أنه لم يردّ على مقترحات بتقديم دعم جوّي قتالي بصورة منتظمة للقوات الأفغانية ضدّ «طالبان»، لوقف المكاسب المستمرة والمثيرة للقلق التي يحقّقها المتمرّدون.
ومثلما أشار القادة الأميركيون السابقون واللاحقون علانية، سيطلب من أوباما قريباً على أقل تقدير وقف خفض عدد القوات للحيلولة من دون انهيار الجيش الأفغاني. وفي العراق، سمح أوباما بخفض مستوى حضور القوات الأميركية إلى 3700 جندي منذ عام 2013، بحساب القوات الخاصة المنتشرة في سورية. ولكن صحيفة «نيويورك تايمز» أفادت مؤخراً بأن مسؤولين في «البنتاغون» يعتقدون أنه سيتعيّن إرسال مئات من الجنود الإضافيين خلال الأشهر المقبلة، إذا كانت القوات الكردية والعراقية ستحصل على فرصة استعادة الموصل، التي تعتبر أكبر المدن التي يسيطر عليها إرهابيون. وتتضمن القوات التي سيتعين إرسالها مدرّبين وقوات خاصة وجنوداً آخرين للقتال على الجبهة، وبعبارة أخرى: قوات مقاتلة. وإلى الآن لم يتخذ أوباما قراراً في هذا الشأن.
وأخيراً وليس آخراً، يواجه أوباما اختياراً حول الوضع في ليبيا، إذ يعتقد فريق الأمن القومي في إدارته أنه لا بدّ من التحرّك بصورة عاجلة لاجتثاث كيان تنظيم «داعش» الذي يعزّز جذوره هناك. وأوضح قائد الأركان المشتركة الجنرال جوزف دانفورد الشهر الماضي، في ما يعكس وجهة نظر «البنتاغون»، أنه من المنصف أن نقول إننا نتطلع إلى القيام بعمل عسكري حاسم. لكن يبدو أن وجهة النظر هذه لا يتقاسمها أوباما، إذ أكد وزير خارجيته جون كيري أن ذلك ليس في الأفق المنظور في الوقت الراهن.