بوتين عندما يعبّر سياسياً…
باريس نضال حمادة
فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم بالإعلان عن تخفيض عديد القوات الروسية في سوريا، وسحب جزء من السلاح الاستراتيجي والقاذفات إلى روسيا، بعد قرابة الثمانية أشهر من التدخل العسكري الروسي إلى جانب الدولة السورية في الحرب، وهذا ما أدى إلى تغيير كبير في الخريطة العسكرية والجيوسياسية في سوريا صبّ في مصلحة النظام والدولة في دمشق بعد سنوات صعبة من الحرب المنهكة على جميع الصعد.
أتى التدخل العسكري الروسي في لحظة توافق بين واشنطن وموسكو، وفي ظروف دولية مؤاتية عقبت الاتفاق النووي بين غيران والغرب، وكان لهذا التدخل الجوي الدور الكبير في استعادة الجيش السوري وحلفائه السيطرة على أهم المناطق الاستراتيجية والحيوية على الحدود التركية السورية في الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، وفي الريف الشمالي لحلب وأيضاً في ريف حلب الجنوبي الشرقي. وكانت هذه المناطق الخزان البشري والعسكري للفصائل المسلحة وطريق الإمداد الأول والواسع من تركيا إلى داخل سوريا، وبسيطرته عليها أصبح للجيش السوري السيطرة شبه الكاملة على سوريا المفيدة التي تمتد من مدينة الضمير جنوب دمشق إلى حمص في المنطقة الوسطى إلى الساحل السوري، إضافة إلى وجود عسكري فعال وثابت حول حلب من ثلاث جهات.
لا شك في أن الإعلان الروسي أتى نتيجة تفاهمات دولية، واتفاق مع الحليف الإيراني والسوري، بعد الإنجازات العسكرية الأخيرة، وبعد الهدنة التي أعلنها الرئيسان الاميركي والروسي في سوريا. ويبدو ان هناك الكثير من الفصائل التي تريد تطبيقها والانضمام إليها، كما انه من نافل القول التأكيد أن هذا الإعلان لن يغير في المعادلات العسكرية على الأرض لكون القوة الروسية الضاربة الباقية في سوريا كافية لتحقيق التوازن العسكري، ويمكن لها أن تتدخل خلال دقائق معدودة.
في السياسة كسب بوتين التوافق مع واشنطن على تثبيت الوضع العسكري الحالي في سوريا، مع الحصول على موافقة واشنطن والغرب على وضع تنظيم الدولة الإسلامية داعش وجبهة النصرة على لائحة الحرب العالمية على الإرهاب، كما أن موسكو حصلت على موافقة من واشنطن تقضي بعدم المساس بالنظام في دمشق عسكرياً أو سياسياً. أيضاً يأتي هذا الإعلان بعد زيارة الرئيس التركي لطهران، التي أسست لمرحلة جديدة من العلاقات التركية الإيرانية في سوريا، خاصة أن قوات الحرس الثوري الإيراني ساهمت في المعارك الأخيرة في الريف الشمالي لحلب، وفي فك الحصار عن مدينتي نبل والزهراء الذي حررت آلاف المقاتلين الأشداء لتثبيت المنطقة عسكرياً وامنياً بما فيه الكفاية.
في النهاية لا يبدو أن الأميركي كان متفاجئاً من الإعلان الروسي، رغم التسريبات التي تعكس رأياً مخالفاً، في الوقت نفسه أتى الإعلان الروسي لتسهيل عملية حل سياسي، في سوريا ساهم التدخل العسكري الروسي في تهيئة الأجواء المناسبة لها، كما يساهم الإعلان الروسي عن عملية انسحاب جزئي في خلق أجواء دولية تعزّز فرصة الحل السياسي وعملية الهدنة الحالية.