عن أي حرب وأي إرهاب يتحدثون؟ هل يساير الغرب السعودية في حربها على حزب الله؟
ناصر قنديل
– كل مَن يقرأ تاريخ الحروب وكل مَن يعيشها، يعرف أن حالة التعايش مع عدو لمقاتلة عدو آخر هي من قوانين الحرب الأزلية، ويعرف أن نظرية مقاتلة العدوّين لا بد أن تنتهي بالتساكن مع أحدهما وارتضاء الاكتفاء بمنازلة الآخر، ويكتشف أن الأغبياء أو الخبثاء وحدهم هم الذين يبقون يتحدثون عن مقاتلة عدوين يتقاتلان في آن واحد، الأغبياء يفعلون ذلك أولاً لأنهم لا يعرفون أنهم إن كانوا على عداء مع هذين العدوين في آن واحد، فإن الحروب لا تتم في الفضاء ولا في الفراغ بل بين الناس وبهم، وأن وحدة المشاعر شرط من شروط الفوز بالحرب، ولا يمكن للمشاعر المجزأة والمتناقضة أن تصنع حربا، ويجهلون ثانيا أو لا يكونون قد بلغوا سن الرشد الكافية كي يدركوا أن العدوين المتقاتلين إذا كانا عدوين لثالث فهما يتقاتلان لأن أحداً منهما لا يراه أشد عداوة له من أحدهما، فالخيار هو لقتال الأشد عداوة وليس كل عدو، وتحييد عدو للانتصار على آخر من بديهيات قوانين الحرب، والحمقى وحدهم يذًكرون عدوهم بأنه عدو وهو يقاتل من هو أشد عداوة له ولهم، أما الخبثاء فهم الذي يعرفون كل ذلك لكنهم يحالفون ويناصرون أحد العدوين ضمناً ويخشون انفضاح ذلك لوقعه وتأثيره الكارثي عليهم، فيتغطون لحربهم على العدو الثاني بالتحدث عن عدوين، وهذا نادراً ما يدوم، فيظهر الانحياز عليهم واختيارهم حليفا من بين العدوين.
– بدأت إسرائيل تعاملها مع الحرب في سوريا بالتحدث عن عدو هو القاعدة وعدو هو الدولة السورية ورئيسها وعدو هو حزب الله، وحيث سوريا وحزب الله حليفان، فمنظومة العداء متجانسة ولا تتفكك، لكن أن تضم منظومة العداء عدوين يتقاتلان هما الدولة السورية وحزب الله في ضفة والقاعدة في ضفة، فأمر لا يمكن استمراره، ولأن إسرائيل بين الخبثاء وليست من الأغبياء في فهم قانون الحرب عرفت أنها مضطرة للكشف عن تحالفها مع تنظيم القاعدة بفرعه الرسمي في سوريا الذي تمثله جبهة النصرة وتحدثت علناً عن الحاجة الأمنية إليه لتكوين حزام أمني جنوب سوريا، وصارت تقدم الدعم الناري واللوجستي والدبلوماسي والاستشفائي لتنظيم القاعدة علناً وبلا مواربة ولا حرج، حتى تحدث كل من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشي يعالون عن ذلك جهاراً نهاراً.
– بدأ الغرب وعلى رأسه واشنطن تعامله مع الحرب السورية بإنكار وجود تنظيم القاعدة واعتبار الحديث عن الإرهاب بدعة سورية لإنكار وجود «ثورة»، وتدريجاً بدأ الاعتراف بوجود الإرهاب والقول إنه ثمرة للعنف الذي مارسته الدولة السورية وسيزول بزوالها وانتصار ما أسموه بـ«الثورة»، وصولاً للاعتراف الأعلى فالأعلى، حتى القول إن الإرهاب هو المعضلة، وأن تمركزه في سوريا يهدد العالم وما عاد ممكنا تجاهله أكثر، والإقرار ضمناً بأن النفاق السياسي كان وراء الإدعاءات السابقة، وأن الرهان الحقيقي للغرب وعلى رأسه واشنطن كان على إسقاط سوريا بقوة استخدام هذا الإرهاب أملاً ببقائه تحت السيطرة، لكن الذي جرى ما عاد تحت السيطرة وما عاد يتقبل مواصلة الإنكار، وتدريجاً أيضاً بدأ الغرب وخصوصاً الأميركيون بالتسليم باستحالة الفوز في الحرب على الإرهاب دون حل سياسي يتوج بتوحيد القوى الإقليمية والدولية التي تموضعت قبالة بعضها في خنادق الحرب السورية، والأصل في هذا الحل هو توحيد الفريقين السوريين في إطار الشراكة في هذه الحرب، والغرب يعلم أن ليس بين الذين معه في سوريا من يقدر على الحرب ضد الإرهاب، فمَن معه إما واجهات لا تمثل ولا تملك تأثيراً شعبياً ولا عسكرياً، أو هي التنظيمات والتشكيلات الإرهابية أو المتماهية معها برعاية حلفاء الغرب، خصوصا التركي والسعودي، ووصل الغرب وخصوصا الأميركي، من هنا إلى التسليم بأن الشريك السوري في هذه الحرب هو الدولة السورية برئيسها وجيشها، وان الحل السياسي السوري ما هو إلا تسويغ للانفتاح على هذه الدولة وتطبيع العلاقات معها، بعدما قُطعت هذه العلاقات وعوقبت سوريا في سياق الخطوات الحربية عليها لإسقاطها وليس دفاعاً عن «ثورة» ولا من يثورون ولا مَن يحزنون.
– لا تختلف حال السعودية وتركيا هنا عن حال إسرائيل والغرب وخصوصا أميركا، فأكثر مَن يعلم كم بذل وماذا فعل لحساب تنظيم القاعدة وداعش كي تسقط سوريا هم الأتراك والسعوديون، وأكثر مَن يعرف وكان يجاهر بأن أولوية إسقاط سوريا تستحق المخاطرة بتسليمها لتنظيم القاعدة بمتفرعاته المختلفة هم الأتراك والسعوديون، ولذلك كان الفريقان قادرين على طي خلافاتهما العميقة بقوة الحقد الذي يجمعهما على سوريا، وكانا قادرين على رفض أن يكون عنوان الحرب في سوريا هو أولوية المواجهة مع الإرهاب، وبذلا ولا يزالان كل جهد للحفاظ على ما أمكن من التشكيلات الإرهابية لدمجها في أي عملية سياسية، وكانا ولا يزالان خارج التسليم بمفهوم لحل سياسي في ظل الرئاسة السورية وهما يعلمان أن هذا يعني تعطيل فرص هذا الحل وصولاً للاستحالة، ويطرحان إسقاط الرئاسة شرطاً للحل لعملها أن في ذلك إسقاط للحل نفسه.
– الكل إذن كان يعرف قوانين الحرب وكان يتذاكى، والكل كان من معسكر الخبثاء، ولو بدرجات متفاوتة من التورط بالأفعال، لكن على درجة واحدة من الخبث والنفاق، لكن الآن وقد وجد العالم نفسه وجهاً لوجه امام الخطر الداهم والدماء المسالة في شوارع الغرب على أيدي من أسماهم لوران فابيوس بأبطال الحرية قبل أربعة أعوام، وهو يصافح على الحدود التركية السورية جماعة مسلحة جاءت تقاتل في سوريا من طريق أوروبا وعلى رأسهم محمد الحاراتي الذي يقود وحدات من داعش اليوم في ليبيا، ونخب الغرب تقول اليوم لم يعُد ممكناً للنفاق والخبث أن يستمرا واقعياً، وصار على العالم الغربي العاجز عن إرسال الرجال للقتال ضد الإرهاب، أن يدرك أن إشعال النار السورية لم يجذب هؤلاء المتطرفين من بلاده ليبقوا هنا ويأتوا بمن يواليهم معهم، بل ليستعدّوا بوهم أنهم على طريق المهاجرين الذين عادوا إلى عاصمتهم مكة، للعودة فاتحين إلى العواصم التي غادروها مكرَهين في الغرب نفسه، وهكذا صار الإجماع على أن إطفاء النار السورية شرط لوقف منصة الاستنهاض التي تمثلها للتطرف والمتطرفين، بعدما قالت التقارير الأمنية الغربية إن الذين كانوا يعدون بالمئات في بلد أوروبي من المتطرفين قبل الحرب السورية صاروا ألوفا على إيقاع دعوات التطوع والتعبئة للقتال في سوريا، فقد ذهبوا مئات وسيعودون ألوفاً، وصار إطفاء نار الحرب في سوريا ضرورة لكسبها في أوروبا، و إطفاء النار لا يتم إلا برجال يقاتلونهم هنا في سوريا ولبنان والعراق واليمن، فمن سيقاتلهم غير الجيش السوري وحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين، فهل من مكان لحربين مع عدوين، الإرهاب من جهة ومن يقاتلونه من جهة أخرى؟
– مناسبة السؤال ليست إصرار السعوديين على العداء لسوريا والحوثيين والحشد الشعبي، وهي عداوات سيضطر السعوديون للتراجع عنها، لأنها حروب لا يملكون وحدهم التصرف بها، عندما تصير هذه الحروب حروب الغرب وقد صارت، مناسبة السؤال هي الحرب الضروس التي تشهرها السعودية بوجه حزب الله، وتتقدم على الحرب مع تنظيم القاعدة بالطريقة السابقة ذاتها، فهل يظن قادة الغرب أن بمستطاعهم مسايرة الإسرائيلي والسعودي في الحديث عن إرهاب القاعدة وداعش وبالوقت ذاته التحدث عن إرهاب حزب الله، إن حدث ذلك فستكون قمة الغباء، والأيام ستقول كيف ولماذا؟ طالما أن حقن دماء مَن لا يحقن دمك ليس من مهمتك، وطالما أن المال السعودي أغلى على الحاكم الغربي من دماء مواطنيه، فليحمه المال السعودي ولن يجد من يبذل الدم ليحميه وهو يطعنه من الخلف، زمن الاستغباء انتهى!