السعودية وفن الهزيمة
ناصر قنديل
– كل ما فعلته القيادة السعودية في عهد الملك سلمان ونجله ومعهما فيلسوف الحكم عادل الجبير كان يراد له ان يصرف في صندوق القمة الإسلامية في اسطنبول، ولذلك جرى حشد التوقيت المتسارع للأحداث، فتتابع الإعلان عن هدنة اليمن بزيارة القاهرة، والإعلان عن استعادة جزيرتي تيران وصنافير من السيادة المصرية، وزف البشرى لإسرائيل بإطلاق الجسر البري بين السعودية وسيناء وصولاً إلى حيفا ومنحها امتياز نافذة الخليج الأوروبية في النفط والترانزيت على حساب قناة السويس، وكل ذلك خلال أيام قليلة أعقبها وصول الملك ووفده إلى أنقرة بينما نجله يتنقل بين عمان وأبو ظبي لترتيبات في الساحات الحليفة، تمهيداً للمرحلة المقبلة، مرحلة زعامة السعودية للعالم الإسلامي، بقيادة مصالحة مصرية تركية وتشكيل حلف يضم تركيا وباكستان ومصر تقوده السعودية بوجه إيران، وجعل حزب الله ملاحقاً بقرار من القمة بعد تصنيفه كتنظيم إرهابي على لوائح الدول الإسلامية.
– فشلت السعودية في تحقيق المراد، فقاطع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قمة اسطنبول، واتخذت تركيا وباكستان بحساب المصالح العليا لدولتيهما القرار بعدم التصادم مع إيران، لتشابك المصالح الأمنية الحدودية ولحجم التطلعات الاقتصادية على العلاقة مع إيران بالنسبة لتركيا جسر الغرب التجاري والاستثماري نحو إيران في زمن رفع العقوبات ولباكستان جسر أنابيب النفط والغاز الإيرانية إلى الهند والصين، فانتهى الأمر قبل أن يبدأ ووقع الفشل في الجوهر، وبدت الرسالة واضحة أن لا مكان ولا فرصة للسعودية التي تذهب لمصالحة الحوثيين على قاعدة الإقرار بكونهم مكوناً يمنياً أصيلاً أن تخوض بالغير حرباً لتصنيف حزب الله إرهابياً بتهمة دعمهم، فكيف أن تأخذهم لحرب على إيران وهي التي فشلت بحربها في اليمن. والمعادلة بسيطة، وهي أنه لو خرجت السعودية منتصرة في اليمن لتغير كل شيء.
– فيلسوف المملكة الذي اعتبر النص المتفق عليه لبيان القمة الإسلامية عن حسن الجوار مع إيران هزيمة، أراد أن يعمق الهزيمة، فذهب إلى الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي حيث تسلم الدول نسخاً معدّة عن أوضاع تخصها ولا تطرح لمناقشة الوزراء ولا القادة، وهي عادة نصوص تحترم فيها قواعد حصر المضمون بالتضامن مع الدولة المعنية، كما الفقرة الخاصة بلبنان من إعداد الحكومة اللبنانية وتتضمن مساندة لبنان وجيشه بوجه الإرهاب وتشجيع مسارات الحوار والتوافق بين مكوّناته وسائر الأطراف فيه، لكن الفيلسوف المعمّق وضع نصوصا تدعو للتضامن مع السعودية بوجه ما تعرضت له بعثاتها الدبلوماسية، ونصوصاً بلسان دول الخليج تدين ما تتعرض له من أعمال إرهابية، قالت إنها مدعومة من إيران وحزب الله، وكان هذا سقف ما يستطيع إضافته، لأن الفقرات التضامنية الملحقة بالبيان ليست بياناً سياسياً ولا هي مشاريع قرارات يمكن أن تضمن مواقف بحجم تصنيف حزب الله إرهابياً.
– تكحيل الفشل بالمزيد من الفشل والضعف بالمزيد من الضعف أظهر هزال حال السعودية في القمة، وكاد يؤدي إلى فشل القمة وانفراط عقدها، فتداركت الأمر الوساطات التركية الباكستانية، التي كانت تسعى السعودية لحشدها في معسكر الاشتباك مع إيران، ومرت الفقرات المهربة بعد تعديلات تجميلية تركية، وغياب الوفد الإيراني وتحفظ وفود عديدة، خصوصاً لبنان على الفقرة التي ورد فيها ذكر حزب الله، لكن الأهم أن السعودية التي كانت قد أدركت فشل مسعاها بقيادة مصالحة تركية مصرية وقيادة تحالف يضمّ مصر وتركيا وباكستان بوجه إيران واستصدار قرار بتصنيف حزب الله تنظيماً إرهابياً، كانت قادرة على توظيف النص المتفق عليه في البيان الختامي إيجاباً بتحويله إلى نقطة انطلاق لحسن نيات لبدء حوار وتفاوض بشراكة تركية باكستانية مع إيران، فتكفلت عبقرية الجبير بإضافة خسارة للخسارة الأصلية، وكسرت الجرة بلا أن تشرب ماءً.
– عندما يكون صانع الدبلوماسية السعودية من قال إن سياساته نجحت بتغيير موقف روسيا من الحرب في سوريا وعليها، لمصلحة القبول بالتفاوض مع السعودية على مستقبل سوريا بلا رئيسها، لأن روسيا سئمت من تحمل الأعباء في سوريا. ويكون هذا الكلام في الثامن والعشرين من آب السنة الماضية أي قبل يومين من قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببدء تموضع عسكري استراتيجي في سوريا دعماً للدولة ورئيسها وجيشها، وتغيير وجهة الحرب لمصلحتهم، نعرف درجة النباهة والحكمة التي تمتلكها هذه الدبلوماسية التي لا تتقن إلا صناعة الهزائم.