بري يضع قادة الحوار أمام الخيارات على قاعدة لا للتمديد ولا للفراغ ولا للانتظار وكلاء القرار الأميركي… لمنع نجاح الحوار بين حزب الله وجمعية المصارف

كتب المحرر السياسي

في اليوم الأول بعد فيينا وما تكرّس من عناوين سياسية لنصر دبلوماسي روسي، وفشل سعودي في تشكيل تحالف وازن يقابل ما وصفته الرياض، وجماعتها التي تحمل اسم المعارضة السورية، بالخضوع الأميركي للإملاءات الروسية، بدت خيبة الأمل سمة جامعة للمواقف الصادرة عن الرياض وجماعتها السورية، مع غياب كامل لتصورات تحدّد ما ستفعله الثنائية التي تجمع السعودية بهذه الجماعة تجاه ربط العودة لأحكام الهدنة بموقف واضح من جبهة «النصرة» وترتيبات عملية تترجم فك الاشتباك والتداخل معها في الجغرافيا السورية، بما يتيح تطبيق مبدأ استثناء «النصرة» من أحكامها، وربط التقييم النهائي للجماعات المسلحة المنضوية ضمن جماعة الرياض على ضوء كيفية تعاملها مع هذا الطلب الواضح في بيان فيينا، بينما تترقب قيادات «النصرة» سلوك هذه الجماعات للتصرف على ضوئه، فيما تحدّثت مصادر عسكرية عن ارتباك في صفوف قادة «النصرة» بعد البيان وما يمثله من إعلان حرب ستكون «النصرة» هدفاً مشروعاً لها، وكان كلام المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن فرضية تأجيل الدعوة إلى جولة جديدة من محادثات جنيف إلى ما بعد شهر رمضان مؤشراً على خلط الأوراق المسيطر بعد فيينا.

لبنانياً، تقاسم المشهد السياسي حدثان لافتان، كان مسرحهما المجلس النيابي، الأول تمثل بمبادرة رئيس المجلس نبيه بري بالتقدّم بدعوة لقادة الحوار للتقدّم خطوة إلى الأمام نحو خيارات عملية تنطلق من لاءات ثلاثة، لا للتمديد للمجلس النيابي مرة أخرى، ولا للفراغ الرئاسي والنيابي والحكومي، ولا للانتظار الذي لن يجلب جديداً، في ظلّ أوضاع إقليمية دولية تزداد تعقيداً، وقدّم بري مقترحاته كخيارات ليدرسها القادة ويقدّموا أجوبة عملية عليها، وهي إنجاز قانون انتخاب جديد والذهاب إلى انتخابات تقصّر الولاية الممدّدة للمجلس النيابي وتنتج رئيساً فورياً في الجلسة الأولى للمجلس الجديد، أو الذهاب إلى السيناريو النيابي والرئاسي نفسه وفقاً لقانون الستين، أو التوافق على سلة تفاهمات تنتج رئيساً وحكومة وقانون انتخاب، وكانت المناقشات التي شهدتها الجلسة، علامة سلبية على درجة تحمّل أركان الحوار لمسؤولياتهم وقدرتهم على المبادرة.

الحدث الثاني كان الحوار الذي جمع قيادة حزب الله وجمعية المصارف اللبنانية لمناقشة المخاطر الناجمة عن التطبيق الأعمى للقوانين الأميركية المالية، الصادرة تحت عنوان التقييد على حزب الله والتي صار مداها إطاراً لاستهداف شرائح واسعة من اللبنانيين خلافاً للقوانين اللبنانية وأحياناً كثيرة لتعاميم مصرف لبنان، وبحصيلة الحوار الذي لم يحقق تقدّماً يذكر، بدا أنّ اللوبي المصرفي القائم بدور الوكيل للقرارات الأميركية قد نجح بإفشال الحوار ومنعه من الوصول إلى تسوية يرتضيها الفريقان وتعرض على مصرف لبنان لتكريسها.

جلسة للحوار ناقشت مبادرة بري

عقدت جلسة جديدة من الحوار الوطني أمس، وطرح رئيس المجلس النيابي نبيه برّي خلالها مبادرة قائمة على ثلاثة خيارات، الاتفاق على قانون انتخابي جديد أو إجراء انتخابات نيابية وفق قانون الستين أو الذهاب إلى اتفاق دوحة جديد ضمن سلة متكاملة. وطلب الرئيس بري من الأطراف كافة العودة بأجوبة على النقاط الثلاث في الجلسة المقبلة التي تمّ تحديدها في 21 من شهر حزيران.

وغاب عن الجلسة رئيس تكتّل «التّغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، رئيس «اللّقاء الدّيموقراطي» النّائب وليد جنبلاط، ونائب رئيس مجلس النّوّاب فريد مكاري، رئيس «الحزب الدّيموقراطي اللبناني» طلال أرسلان.

التفاصيل ص. 3

إرو إلى لبنان

وفي إطار الحراك الدولي تجاه لبنان لتحريك عجلة الملف الرئاسي، علمت «البناء» أن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إرو سيزور لبنان خلال الأسابيع المقبلة وسيلتقي المسؤولين اللبنانيين للبحث في الملف الرئاسي.

حراك خارج الصحن الرئاسي

وأشارت مصادر سياسية مطلعة لـ»البناء» إلى أن «كل هذا الحراك الدولي يتم خارج الصحن الرئاسي ولو أرادت هذه القوى الخارجية إنهاء الملف وانتخاب رئيس للجمهورية، لفعلت ذلك منذ زمن طويل».

ولفتت إلى أن «ترشيح رئيس القوات سمير جعجع للعماد ميشال عون وترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية لن يوصلا إلى انتخاب رئيس لأن الفريقين من مدرسة سياسية متعارضة، وفي ظل صراع دولي – إقليمي بين قوتين لهما وزن كبير على الساحة اللبنانية، أي إيران والسعودية، وصراع أكبر بين روسيا والولايات المتحدة على المصالح في المنطقة».

حزيران هو الفيصل

وأبدت المصادر مخاوفها «لأن لبنان في هذا الواقع لم يعُد يستطيع الاستمرار بالشغور الرئاسي، ولذلك يعمل الرئيس بري وهو محط أنظار مرجعيات دولية وإقليمية بتنسيق مع حزب الله والقوى الحليفة على إيجاد حل للأزمة الرئاسية. فكان طرح بري على طاولة الحوار للتسريع في الحل». وتوقعت أن تظهر نتائج طرح بري مطلع شهر حزيران الذي سيكون الفيصل للانطلاق بتطبيق مراحل الطرح، مؤكدة أن «التمديد للمجلس النيابي قد انتهى حتى لو كان مطلباً إقليمياً أو دولياً». وحذرت المصادر من أنه «إذا لم يتم انتخاب رئيس في حزيران فأمد الأزمة سيطول كثيراً وبالتالي سينتهي لبنان».

وأضافت المصادر أن «معادلة رئيس 8 آذار ورئيس الحكومة من 14 آذار انتهت، بل إن معادلة رئيس جمهورية يحمل أفكاراً وثوابت 8 آذار، ضمناً لكنه ليس في 8 آذار ورئيس حكومة يحمل ثوابت 14 آذار لكنه ليس من 14 آذار، أقرب إلى التحقق».

مؤتمر تأسيسي؟

ولم تستبعد المصادر أن يتجه الوضع إلى مؤتمر تأسيسي جوهره تحسين صلاحيات رئيس الجمهورية لتصحيح التوازنات بين المسيحيين والمسلمين، ضمن رعاية دولية إقليمية، لكنها اعتبرت أن هذا صعب المنال اليوم «لأن فرنسا لم تعد تلعب دورها السابق في لبنان، كما أن البطريركية المارونية لم يعد لها دور ترجيح كفة أي من المرشحين للرئاسة».

وعلمت «البناء» أن «الحريري سعى خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمسؤولين الفرنسيين لإيجاد حل لأزمة الرئاسة من ضمن حلول عدة، كما عمل على تسويق نفسه لرئاسة الحكومة ضمن أي صيغة للحل».

لقاء المصارف – حزب الله

تعديلات على بيان الحاكم

على صعيد قانون العقوبات الأميركي على حزب الله، عقد أمس لقاء بين وفد من جمعية المصارف برئاسة الدكتور جوزيف طربيه ووزير الصناعة حسين الحاج حسن والنائب علي فياض والنائب السابق أمين شري عن “حزب الله” في المجلس النيابي، استكمالاً لجولة يقوم بها وفد المصارف على بعض المسؤولين للتوافق على مقاربة مشتركة حيال تطبيق القانون المذكور. ويرأس رئيس الحكومة تمام سلام اجتماعاً اليوم يضمّ وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء المقبلة.

وعلمت” البناء” أن الاجتماع كان صريحاً عرض خلاله وفد جمعية المصارف الجهود التي بذلوها منذ عام 2014 باتجاه القوانين الأميركية والعمل على تعديلها بالتعاون مع أعضاء في الكونغرس من أصل لبناني. واستعرض وفد جمعية المصارف المخاطر المترتبة على الاقتصاد اللبناني في حال عدم الالتزام بتنفيذ القوانين. وأبدى الوفد من ناحية أخرى تفهّماً لمخاوف حزب الله.

وعرض وفد حزب الله من زاويته، بحسب ما علمت “البناء” الارتدادات السلبية على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في لبنان. وقال: إن المستهدف هي البيئة غير الحزبية التي تحيط بالمقاومة وظهرت تباينات فيما يتعلق بقراءة القوانين الأميركية. وأكد على مرجعية البنك المركزي في تحديد القواعد والإجراءات وفي تفسير القوانين الأميركية وحذّر من المبالغة في تنفيذ القانون الأميركي بما يتجاوز ما يريده الأميركيون أنفسهم. وتمّ الاتفاق على مزيد من التشاور وعقد مزيد من اللقاءات بالتعاون مع البنك المركزي وضرورة تحويل البيان الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى تعميم ملزم قانوناً بعد إدخال التعديلات عليه.

سلامة خالف الاتفاق
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إن «الأزمة بدأت مع صدور بيان كتلة الوفاء للمقاومة الأسبوع الماضي، الذي ردّ على التعميم رقم 137 الصادر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والذي أتى بعد مفاوضات وجلسات طويلة بين فياض وشري وبين سلامة لإيجاد حل للأزمة، لكن المفاجأة كانت بإعطاء الحاكم تعليمات للمصارف بتطبيق القانون الأميركي بما يخالف اتفاقه مع الحزب الذي يقضي بعدم تطبيق القرار اعتباطياً بل في إطار التشاور بين المصارف والمصرف المركزي على فتح الحسابات أو عند وجود إشكال على أي حساب، لكن جرى الإخلال بما اتفق عليه وتم التطبيق على القاعدة الأميركية لا على القاعدة اللبنانية».

ولفتت المصادر إلى أن «حزب الله يرى أن هناك بعض الأطراف والمصارف متحمّسة للقرارات أكثر من أميركا ونفسها، ولدى الحزب معلومات محددة عن بنك لبناني معين يلعب دوراً على الصعيد المالي بالتحريض على المقاومة، وهو بنك البحر المتوسط كما لعب جهاز أمني في السابق بتحريض خليجي – غربي ضد المقاومة، ما يعني أن ما طبق معيارياً بالأمن في السابق يطبق اليوم على الصعيد المالي، وكما حاولت أدوات الخارج الأمنية كشف لبنان أمنياً أمام الخارج تحاول أدواته المالية تشريع لبنان مالياً».

المواجهة بخيارات واسعة

وأوضحت أن «الأخطر من كل ذلك أن القانون الأميركي لا يلحق الضرر بالمقاومة وبيئتها فقط بل يطال عموم الطائفة الشيعية ومؤيدي المقاومة من كل الطوائف، وبالتالي الوضع مقبل على مواجهة سياسية قاسية بين حزب الله والمصارف والمصرف المركزي، إذا استمرت سياسة الحكومة والقطاع المصرفي والمصارف على حالها».

وتساءلت المصادر: هل يفهم الطرف الآخر رسالة حزب الله التي ظهّرها بيان كتلة الوفاء للمقاومة لا سيما تهديده بمحاذير وتبعات القانون التي قد تؤدي إلى انهيار مالي في لبنان؟ وجزمت بأن حزب الله لن يسكت إزاء هذه العشوائية والمبالغة التي يتم العمل بها مع جمهوره التي تجعل البعض ملكيين أكثر من الملك، مؤكدة أن «الحزب لديه خيارات واسعة للمواجهة، لكن لن يكشفها قبل تبيان تصور الحاكم لآلية الحل».

.. وجلسة حكومية اليوم

إلى ذلك يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية اليوم لاستكمال البحث في بنود جدول أعمال الجلسة الماضية، على أن يفرض موضوع قانون العقوبات وتعاميم مصرف لبنان نفسه على الطاولة.

وتستكمل الاستعدادات للجولة الثالثة والرابعة من الانتخابات البلدية في محافظتي الجنوب والنبطية الأحد المقبل وفي محافظة الشمال الأحد الذي يليه، وفي السياق، دعت هيئة التيار الوطني الحر في طرابلس في بيان مناصري وعائلات التيار الوطني الحر كافة في قضاء طرابلس عدم الاقتراع لصالح اللائحة المزمع إعلانها تحت ما يُسمى توافقية في الانتخابات البلدية في مدينتي طرابلس والميناء.

ماذا بعد إقفال الناعمة؟

وفي غضون ذلك، انتهت منتصف ليل أمس المهلة التي حدّدها مجلس الوزراء لفتح مطمر الناعمة أمام النفايات القديمة المتراكمة من أزمة تموز الفائت، وسط غموض يكتنف الجهة التي ستنقل إليها النفايات اعتباراً من صباح اليوم. وأعلنت شركتا «سوكلين» و«سوكومي» انتهاء مهمتهما لجهة رفع النفايات التي تراكمت خلال الأزمة.

وطمأن وزير الزراعة أكرم شهيّب إلى أن «النفايات لن تعود إلى الشوارع»، موضحاً أن «كل الترتيبات أُنجزت حتى لو أقفل المطمر الليلة.

وأعلنت أمس نتائج مناقصات تلزيم الردم والطمر في موقع «الكوستا برافا» خلدة لجهة عرض الأسعار الأفضل، كما أجريت مناقصة لتلزيم مطمر برج حمود.

واستبعدت مصادر مطلعة على الملف انفجار أزمة النفايات من جديد وتكرار مشهد أزمة العام الماضي وتراكم جبال النفايات في الشوارع، وأوضحت أن «خطة الحكومة تتألف من بنود عدة يجري العمل على تطبيق بعضها وبعضها الآخر تواجهه عراقيل في بعض المناطق كإجراء مناقصات وإيجاد مواقع للتخزين وتعيين لجان فنية».

وأشارت إلى أن «الدولة وجدت بدائل عن مطمر الناعمة واختارت مواقع للتخزين في أكثر من منطقة، فضلاً عن ردم البحر لطمر النفايات لكن لم تجد مواقع للطمر في الشوف وعاليه حتى الآن»، وأن ما تقوم به الحكومة هو في إطار الحل المؤقت على أربع سنوات، لكنها حذرت من أن هذا الحل لن يبقى مدة أربع سنوات إذا بقيت كميات الطمر في المكبات على حالها حيث ستمتلئ بالنفايات في غضون سنتين». وأضافت أن «لا حل نهائي لأزمة النفايات بل كل ما يحصل هو ترقيع ولا مؤشرات للانطلاق بالحل النهائي الذي يحتاج إلى استراتيجية طويلة الأمد من ضمنها إيجاد بيئة صناعية وإدارة متكاملة لقطاع النفايات».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى