نهاية الحريرية… والحقبة السعودية!
ناصر قنديل
– لم ينكر السعوديون منذ العام 2003 وغزو العراق الذي قدّموا له كلّ التسهيلات اللازمة، أنهم يخشون من تغييرات تنتهي بإضعاف مكانتهم الإقليمية، التي توّجوا بموجبها كقوة حاكمة للوضع العربي منذ رحيل جمال عبد الناصر بعد نجاحهم في تمويل وتوفير شروط نجاح الحرب عليه عام 1967، ونجحوا عبر شراكتهم في حرب العام 1973 بالسيطرة على الجزء الأهمّ من نتائجها بجعلها مدخلاً لانتزاع مصر من الصراع مع «إسرائيل» وإخراجها كمنافس على الزعامة من حلبة التنافس من جهة، والتحكم بالجبهة العربية الباقية من جهة أخرى، سواء بالحرب التي خاضوها لتطويع سورية عبر الإخوان المسلمين ومواكبة الاجتياح الإسرائيلي للبنان برعاية اتفاق السابع عشر من أيار، أو الحرب التي نجحوا بجرّ العراق إلى خوضها بوجه إيران، وصولاً للإمساك بخيوط وخطوط حركة النظام العربي الرسمي بعد احتوائهم عودة مصر ضمن منظومة ما سمّي بعرب الاعتدال.
– لم يغِب عن السعوديين الرابط العضوي بين مكانتهم كزعامة خليجية عربية، وبين مصادر القوة الإسرائيلية، وما صرّحوا به في حرب تموز عام 2006 عن رغبتهم بأن يدفع من أسموهم بالمغامرين ثمن مغامرتهم، وأن يقولوا لاحقاً بسحق عظام هؤلاء، كما صرّحت بلسانهم تسيبي ليفني، فهم عرفوا عام 2000 أنّ التغيير الذي أحدثه انتصار المقاومة وإلحاق الهزيمة بـ «إسرائيل»، كان أقرب إلى إعلان نهاية الحقبة السعودية، وافتتاح عهد المقاومة في المنطقة، وهو ما أرّخت له غونداليسا رايس يوم توقعت مع انتفاضة الأقصى وحديثها عن الخطأ الاستراتيجي لأرييل شارون ببداية ذبول الاعتدال العربي ونهوض مناخ لصالح محور المقاومة، وما وصفه باتريك بوكانن أحد زعماء الحزب الجمهوري المنافسين لجورج بوش بالسبب الكامن وراء حرب العراق لردّ الاعتبار لقوة «إسرائيل» ومحاصرة قوى محور المقاومة وخصوصاً سورية وإيران ما ينعش محور الاعتدال العربي مجدّداً وعلى رأسه السعودية.
– مع فشل حرب العراق وأفغانستان في محاصرة وتطويق سورية وإيران وظهور تنامي حلف المقاومة دخل السعوديون في حلف دولي إقليمي وقف وراء حرب تموز، وأبلغوا الأميركيين مبكراً وفقاً لما نشرته «التايمز» صيف 2003 أنّ خسارتهم للعراق لن يعوّضها إلا ربحهم لسورية، وربما ما بين هذه وتلك تصير عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتداعياتها تفسّر ذاتها بذاتها، في التمهيد لموجة مذهبية يحرّكها السعوديون بدماء الحريري في لبنان وسورية تفتتح الحرب على المقاومة والحرب لإسقاط سورية. وبعد عشر سنوات ينهي الزمن دورة كاملة، وتخوض السعودية آخر حروبها في اليمن، وتتكسّر رماحها وتتدحرج عن الشجرة لأنها ترفض النزول المنظم، فتقبل بالتتابع تنازلات هنا وتقهقهراً هناك، من مجلس عسكري محايد لليمن، إلى وفد تفاوضي للمعارضة السورية يلبّي شروط سورية وروسيا، وكلام فارغ عن نية تدخل عسكري في سورية لإسقاط رئيسها بالقوة، لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير يشبه كلام الرئيس التركي الفارغ عن منطقة الحظر الجوي، فيقولان معاً نريد ونريد، وسنفعل ونفعل، وفي ختام الجملة لكن نحتاج قراراً دولياً من مجلس الأمن، وهما يعلمان أنّ الجنة أقرب لإبليس من تحقق هذا الشرط.
– نهاية الحقبة السعودية باتت أمراً واقعاً يصعب على الكثيرين تصديقه، لأنهم اعتادوا أن يروا جبروت المملكة وغطرستها، ويتناسوا أن إمبراطوريات كبرى تزول بلا استئذان ولا إشارات مسبقة، فتسقط وحسب، كما قالت غونداليسا رايس ذات يوم عن نهاية الاتحاد السوفياتي. وبالتزامن مع نهاية الحقبة السعودية، يشهد لبنان سقوط الحريرية كمشروع ورافعة سياسية كبرى ارتبطت عضوياً بالصعود السعودي إقليمياً، وليس مهماً أن يكون السقوط في شمال لبنان لحساب خطاب أشدّ تطرفاً ضدّ سورية والمقاومة، أو فريق أشدّ التصاقاً بالسعودية، فالأمر أنّ الخطاب الذي تتمكّن البيئة المحيطة بتيار المستقبل حمل أوزاره في مناطق الاختلاط السياسي والطائفي كبيروت والبقاع والجنوب، بعد فشل الحرب على سورية وتراجع السعودية وتقهقرها، هو خطاب يجد مَن يعترض عليه في البيئة المغلقة، كما هو حال الشمال، فيصير انقلاب ريفي وانشقاقه وفوزه مجرد موجة ارتدادية للزلزال الذي أنهى المستقبل كمشروع ورافعة وحوّله شظايا.
– على العرب أن يعتادوا معادلة إقليمية لا تلعب السعودية فيها دوراً حاسماً، وعلى اللبنانيين أن يتقبّلوا زمناً ليس ببعيد لا يملك فيه تيار المستقبل دور اللاعب الحاسم. ومثلما ستبقى السعودية لاعباً خليجياً محلياً سيبقى ورثة المستقبل القديم، بحريرية موضعية في بيروت وصيدا وريفية متطرفة في طرابلس مجرد لاعبين محليين، في مناطقهم.