ريفي: جعجع الطرابلسي؟
ناصر قنديل
– في الظاهر يبدو الوزير أشرف ريفي قائد انتفاضة سياسية على خيارات الرئيس سعد الحريري، لكن في الظاهر كان رئيس حزب القوات سمير جعجع قائد انتفاضة على الخيارات التي مثلها حزب الكتائب في زمن الرئيس أمين الجميّل، لكن في العمق كلّ منهما يمثل ما هو أبعد. فالذين يعرفون تجربة الرجلين يعرفون بالتأكيد أنهما تربّيا وكبرا ودخلا السياسة من بوابة المسؤوليات الأمنية والعسكرية، ولا غير ذلك لكون أحدهما ترعرع في كنف الميليشيا والآخر في قلب وعلى رأس مؤسسة أمنية عسكرية حكومية، فقد كان أبرز انشغال الجنرال أشرف ريفي وهو يترأس الأمن الداخلي اللبناني بناء ميليشيا المستقبل الزرقاء التي تفكّكت في السابع من أيار 2008.
– يعبّر كلّ من الرجلين عن تمرّد شريحة اجتماعية لفقراء الحزب أو التيار الذي ترعرع فيه وبنى مكونات زعامته المحلية ضمن منظومته، كما يعبّران عن صورة القائد الشجاع الذي وقف مدافعاً عن مقاتليه الذين أريدَ لهم أن يذهبوا ضحايا التفاهمات والتسويات، لكنهما أيضاً صرخة الاحتجاج على فشل المشروع الأصلي ودعوة حنين مرضي لثوابته التي سقطت في تجربة حزب الكتائب مع التخلي الأميركي «الإسرائيلي» عام 1984 وسقطت في تجربة تيار المستقبل مع هزيمة المشروع السعودي في اليمن وسورية، وتفوق تجربة حزب الله السياسية والعسكرية في الساحتين بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومرض الحنين للماضي، أو نوستالجيا الأيام المجيدة شائع مع تفكك الأحزاب الكبرى في زمن تلقيها الهزائم الكبرى.
– يتلاقى الرجلان على العداء الأعمى لكلّ من سورية وحزب الله، وعلى عداء شمالي للوزير سليمان فرنجية، سواء بصفته كزعيم شمالي، أو بصفته مرشحاً رئاسياً مدعوماً من الرئيس سعد الحريري، كما يتلاقيان على محاولة تقديم أوراق اعتماد تشجيعية للسعودية وأميركا للمزيد من الصمود والثبات والمواجهة، تحت شعار لا زلنا نستطيع المزيد، فلا تخذلونا وتذهبوا للاستسلام والتسويات المهينة التي تكرّس سورية وحزب الله في مكانة أصحاب اليد العليا في معادلة لبنان المقبلة، ويستبشران خيراً بالفصل الذي تقيمه واشنطن بين مقتضيات سيرها بالتسويات خصوصاً مع روسيا وإيران، وبالأخصّ في سورية، وبين الحرب المستمرة على حزب الله، ولا يحرجهما أن يكون ذلك ضمن حرص واشنطن على تخديم المصالح «الإسرائيلية» ومفهوم أمنها.
– ليس خافياً أنّ بين الرجلين ما ستظهره الأيام من تعاون تحت الطاولة، ليصير حلفاً سياسياً وانتخابياً، وليس خافياً أنّ بعض الانفعال الحريري في مخاطبة جعجع عائد إلى هذا الاعتبار، كما ليس خافياً أنّ البيئة الجغرافية الواحدة للرجلين والعداء المشترك للخصوم الإقليميين واللبنانيين والشماليين سيفتحان الباب لتعاونهما لتشكيل حالة شمالية جديدة، لكن ما لم ينتبها له ربما هو أنّ صعود جعجع في التسعينيات وفي منتصف العقد الأول من القرن الجديد لم يكن لأسباب تتصل بإتقانه قواعد اللعبة، أو شطارته بالمعنى البلدي للكلمة، بل بالدور الذي استدعي أميركياً لتأديته في نهاية الثمانينيات كغطاء لاتفاق الطائف الذي كان الإطار اللبناني لمواكبة مؤتمر مدريد بعد حرب الخليج، وهو ما انتهت مفاعيله بمقتل رابين فسحب الغطاء عن جعجع، ليعود مع صعود جديد في التحضير للإمساك الأميركي بلبنان ضمن مرحلة الحرب التي تبلورت بوجه سورية عبر بوابات عديدة، كان من بينها لبنان، وهو ما يتجه للزوال.
– ريفي جعجع طرابلسي، لكن في زمن ذهب ولن يعود.