الأقصى يدقّ ناقوس الخطر

أسامة العرب

في رمضان الكريم، وبينما يشيح العرب بوجههم عن فلسطين ومقدساتها، تقوم جحافل من المستوطنين بحماية وحدات عسكرية خاصة من قوات الاحتلال، باجتياح المسجد الأقصى يومياً، بغية الاحتفال بشكل استفزازي مقيت، بذكرى احتلال القدس. كما أنّ عدداً من هؤلاء القطعان يقومون بإطلاق هتافات عنصرية خطيرة، منها دعوات إلى حرق المسجد الأقصى، إضافة إلى دعوات لطرد الفلسطينيين من القدس. فيما تتخلل تلك الاقتحامات مشاهد إرهابية، هدفها إثارة الرعب في نفوس المرابطين في المسجد. فصباح يوم الأربعاء الماضي تمّ دهس أحد حرّاس الأقصى لؤي أبو السعد بسيارة تابعة لشرطة الاحتلال «الإسرائيلي» بالقرب من باب السلسلة أحد أبواب الأقصى في البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة. كما ترافق ذلك مع دعوات منظمات الهيكل المزعوم، للمشاركة في اقتحامات المسجد الأقصى، واصفةً إياه بأنه «قلب الأمة اليهودية»، ومطالبةً «ببناء» الهيكل المزعوم مكانه.

وعلى صعيد متصل، فقد أقدمت سلطات الاحتلال على اعتقال المواطنين في المنطقة المحيطة بالحرم، بعد مداهمة منازل ذويهم وتفتيشها، بزعم أنهم من المطلوبين بتهمة تنفيذ أنشطة مضادّة للاحتلال. كما تمّ نشر الآلاف من القوات العسكرية الخاصة بصورة علنية وسرية في المدينة استعداداً لأيّ طارئ. ومن ثم تمّ منع مئات المواطنين الفلسطينيين من دخول الأقصى لأداء الصلاة فيه، وذلك في أول يوم جمعة مباركة من شهر رمضان الكريم، وسط تشديدات أمنية إسرائيلية. كما مُنع رئيس الهيئة العليا لنصرة القدس والأقصى من دخول المسجد، بعد تسليمه قراراً يقضي بإبعاده عنه.

كما كثّفت سلطات الاحتلال الإسرائيلية وبتمويل من جمعية إلعاد الاستيطانية، حفرياتها تحت الأقصى، حيث تسبّبت تلك الحفريات في تكشف حجارة عملاقة من أساسات المسجد وسور القدس التاريخي، حتى وصلت إلى المنطقة الصّخرية. كما ظهر تصعيد في عمليات الحفر، لا سيما أسفل الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد باتجاه الجنوب، إضافة إلى أسفل الجدار الغربي باتجاه الشمال، والتي وصلت إلى أسفل باب المغاربة وحائط البراق، حتى أنه لم يعُد يتسنّى لأحد التعرّف على طول الحفريات لأنّ المنطقة مغلقة ولا يسمح بالدخول إليها. وقد كشفت منظمة اليونسكو مؤخراً بأنّ الاحتلال الإسرائيلي يستخدم أحماضاً كيميائية خلال حفرياته لإضعاف تماسك قواعد المسجد. فيما تطرّقت سلطات الاحتلال مراراً وتكراراً عبر وسائل الإعلام للاعتراف بأنها وصلت إلى القاعدة الصخرية الأخيرة التي يقع عليها المسجد، ما يعني وصولهم إلى أخطر منطقة في عمق بناء الأقصى.

وبموازاة ذلك، أعلنت سلطات الاحتلال أيضاً عن مشروعٍ جديد لها تنوي إقامته شمال القدس المحتلة، يقضي بإقامة 82 وحدة استيطانية جديدة. ولهذا، بات عشرات آلاف المستوطنين الإرهابيين يقومون باجتياح البلدة القديمة في القدس المحتلة، حاملين معهم آلافاً من أعلام الاحتلال «الإسرائيلي»، ومطلقين المزيد من هتافاتهم العنصرية والاستعلائية، وسط حراسة مشدّدة من قوات الاحتلال، حيث تفرض على أصحاب المكان أوامر تقضي بإغلاق محالهم التجارية، وعدم التجوّل في الشوارع.

ومؤخراً التمس بعض المقدسيّين من محكمة العدو العليا أن يُصار إلى تأخير مسيرات المستوطنين نظراً لحساسية التاريخ الذي يتزامن مع شهر رمضان. كما جاء التماسهم هذا على خلفية الاعتداءات الإرهابية التي يمارسها المشاركون ضدّ الجمهور الفلسطيني في المدينة، والتي يتضمّنها إطلاق الشتائم النابية ضدّ الشعب الفلسطيني والمسلمين، والرسول الكريم. ولكن محكمة العدو كالعادة رفضت كلّ تلك الطلبات. وبحسب ما كشفت عنه صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإنّ تلك المسيرات تهدف حقيقةً لتهويد المدينة، ولإطلاق مزيد من الدعوات الرامية لحرق المسجد الأقصى المبارك.

ولذلك دعت الهيئة العليا لنصرة القدس والأقصى، كافة الفلسطينيين الذين يستطيعون القدوم إلى الأقصى للاعتكاف فيه طيلة أيام الشهر الفضيل، وبشدّ الرحال إليه يومياً وبإقامة الصلوات الخمس والتراويح فيه. كما تقدّمت الهيئة بصرخات استغاثة لعموم العرب والمسلمين لنصرة قضية القدس والأقصى في كلّ وقت وحين. وبدوره قال مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني إنّ دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس تؤكّد بأنّ بناء المسجد الأقصى حصل قبل آلاف الأعوام، وبالتالي فإنّ الكشف عن أساساته والمواصلة بأعمال الحفر في مواقع حساسة أسفله، سوف يؤدّي حكماً إلى انهياره مستقبلاً.

وعليه، فإننا نستغرب حقيقةً سبب هذا الصمت العربي المريب حيال ما نشهده من سياسات إسرائيلية إجرامية حاقدة على الأقصى والقدس، لا سيما أنّ تلك الممارسات تظهر للعالم أجمع مدى تطرف الصهاينة، كما تفضح فكرهم الإجرامي الداعي إلى انتهاك حرمة الأديان والاعتداء على المقدسات ودور العبادة، من دون أدنى اكتراث لأحكام القوانين والأعراف الدولية الداعية لاحترام مقدسات الآخرين.

ولهذا يبدو واضحاً، بأنّ عملية تل أبيب التي أسفرت عن مقتل أربعة إسرائيليين لم تكن سوى ردّ فعل واضح عن الغضب الشديد لدى الفلسطينيين من سلطات الاحتلال ومن الجرائم التي ترتكبها بحقهم منذ 49 عاماً. فالجيل الجديد من الشباب الفلسطيني يصرّ على المقاومة في ظلّ ما يتعرّض له شعبه من إعدامات واعتقالات وتهديدات من مسؤولين إسرائيليين متطرفين، من بينهم وزير دفاع العدو أفيغدور ليبرمان، الذي يطالب يومياً بترحيل الشعب الفلسطيني وتطهيره فلسطين عرقياً.

ومن هنا، فإننا نتساءل هل ما زالت فعلاً قضية القدس والأقصى موجودة على أجندات دولنا العربية؟ ولماذا لا يُصار إلى الاستجابة إلى استغاثات الفلسطينيين الرامية لوجوب التحرك السريع لحماية مقدسات العرب والمسلمين وإرثهم التاريخي، وحضارتهم الضاربة جذورها في أعماق التاريخ؟ وأين هي مواقفهم الحاسمة والواضحة في مواجهة تدنيس المقدسات وتهويد المزيد من المناطق العربية؟ وهل وصلت أمتنا فعلاً إلى الحضيض؟

لذلك، فنحن بحاجة ماسة إلى مشروع مقاوم موحّد ومتكامل، مشروع قوامه جمع العرب والمسلمين في سفينة واحدة، وتوحيد جهودهم للتعاون والتكامل وللعمل في سبيل حفظ الكرامات، وعلى أن يُصار إلى تجميد الجزئيات والكفّ عن نبش الماضي وآثاره والسعي مقابلةً لتحقيق وبناء مجتمعات متماسكة. فأخطر ما مرّت به دولنا هو آفة الاحتلال الأجنبي، والذي لحقتها آفة الاستعمار، وهذا ما جعل كلّ بلادنا تئنّ تحت وطأة الحروب الطائفية والمذهبية، وتحت شعارات تقسيم المقسّم، وتمزيق الأمة وإسقاط القوة والمقاومة والممانعة فيها.

ولذلك، فإنّ محور المقاومة مشكوراً، ما يزال يحاول أن يضع حدّاً لكلّ تلك المخططات الفتنوية البغيضة، خصوصاً تلك المتعلقة بإثارة نيران التفرقة والتمييز المذهبي والعنصري، متداركاً الخلل وباذلاً قصارى جهده لمنع التداعي والانهيار المروّع للمنطقة. أما بالنسبة للمستقبل، فلا بدّ من العمل على توعية المواطن لحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه ودعوته أيضاً للمشاركة بالعمل المقاوم؟ فقد آن الأوان لكي نضع خلافاتنا العبثية جانباً، وأن نتوحّد لحماية مقدساتنا التي باتت على شفير الانهيار، لا سيما أنّ الثوابت التي تجمعنا كثيرة جداً، ثوابت بسيطة مفادها بأنّ من ينصر فلسطين ينصر الأمة، وأن من يستبسل بالدفاع عن أراضينا ومقدساتنا وأمتنا فهو الأجدر بأن يتّبع؟ ولذلك، فلنسارع معاً لدقّ ناقوس الخطر تجاه أقصانا المبارك، ولنسلّط الضوء يومياً على المخاطر المحدقة به، ولنبارك جميعاً عملية تل أبيب البطولية، والتي تمثّل نقلة نوعية في عمل الانتفاضة. مؤكدين في الوقت نفسه بأنّ أمة فيها مقاومة كهذه، وبواسل كهؤلاء لا خوف عليها أبداً!

محام، رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى