مَن وضع العبوة لبنك لبنان والمهجر: أغبياء أم يراهنون على غبائنا… والكيد؟
ناصر قنديل
– وضعُ عبوة بزنة بين عشرة وخمسة عشر كيلوغراماً، وفقاً لكلام المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء إبراهيم بصبوص، أو كيلوغرامين كما قال بيان أمني، أمام مصرف لبناني هو بنك لبنان والمهجر، وفي توقيت الإفطار، عمل مدروس لا يقوم به أغبياء، ولا مبتدئون، فالعبوة ليست أصابع ديناميت غاضبة، ولا عبوة بدائية رمتها سيارة مرّت في المنطقة، ولا هي بحجم يمكن الحصول على مكوّناتها وترتيب وضعها وتأمين التحكم بتوقيت بتفجيرها من جهة غير منظمة وذات خبرة، والواضح من الحجم أنّ المطلوب دوي يهزّ العاصمة، ومن التوقيت أن تكون أقلّ الخسائر، كي لا يطغى حجمها في تفسير الأهداف على الدويّ، خشية أن تتجه الأنظار لمن يتهم بأنه يريد أن يقتل الناس في الشوارع، بينما المطلوب استبعاد هذه الفرضية من عقول اللبنانيين، مسؤولين ومواطنين ومعنيّين، ليتساءلوا، عن جهة لا تريد القتل وتريد توجيه رسالة قوية للقطاع المصرفي عبر اختيار المصرف الذي تردّد اسمه كثيراً في الاتهامات بالتطبيق المجحف والأرعن للعقوبات الأميركية المالية، التي يضجّ البلد بسيرتها وتستهلك أعصابه والنقاشات الدائرة فيه.
– كل شيء يقول إنّ التفجير صنع بطريقة تسمح بالقول همساً أو علناً، لقد فعلها حزب الله، وضاق ذرعاً بالاستهتار بتحذيراته ويريد أن يقول لا تستغضبونا أكثر، وفي هذا النوع من الأعمال، يكتشف المحققون في بلاد العقول الأمنية ما هي الرسالة التي يريد التفجير أن يقولها، ثم يبدأون بالتحقيق مَن هي الجهة التي تريد لهذه الرسالة أن تصل، أيّ أنه إذا كان مضمون الرسالة هو تسهيل قبول اتهام حزب الله بالتفجير، فمهمة التحقيق هي الكشف عن صاحب المصلحة بتوجيه هذا الاتهام، وإلا لكان الوقوف عنده نوعاً من الغباء، والوقوع في مصيدة أرادها صاحب التفجير.
– المنطقي أنّ اللبنانيين، مسؤولين ومواطنين ومعنيين، قد صاروا أصحاب خبرة في التعامل مع لعبة السنوكر التي تقف وراء هذا النوع من التفجيرات، وأنهم صاروا يعرفون حزب الله جيداً، والمنطقي إذن أن نطمئن إلى أنّ اللبنانيين لن يكونوا طعماً سهلاً للاصطياد بهذه الخديعة، وسوف يثبتون ذكاءهم ويتغلّبون على مكيدة من يقف وراء التفجير، ويقولون الحمدالله إن لا ضحايا، وإنّ اللعبة مكشوفة ولن تمرّ، وإنّ الاتهام لن يوجهه أحد لحزب الله، حتى ولو خرج بعض المتحدّثين على الفضائيات المدفوعي الأجر سلفاً لتكملة مهمة المفجّرين بقيامهم بتوجيه مثل هذا الاتهام، ليصير السؤال هل يمكن أن يكون المفجّرون أغبياء إلى هذه الدرجة فيرتكبون ما يعلمون بأنّ الفشل نتيجته الحتمية، أم أنهم لا زالوا يراهنون على غبائنا وكيدنا، وقد خبروهما في التجارب السابقة، واكتشفوا أنه من الممكن المراهنة على اشتغالهما في مثل هذه الحالة.
– الحريصون والعاقلون والمسؤولون مدعوون لقليل من العمق والهدوء في هذه اللحظة التي قد تكون بداية لمسار أمني خطير، بدأ بقانون العقوبات المالية التي تتخذ عنواناً أميركياً للحرب على حزب الله، وأن يكون شبيهاً بمسار افتتحه القرار الدولي 1559، والقطاع المصرفي ومصرف لبنان يشبهان الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي وضع القرار 1559 في حضنه قنبلة موقوتة، كما فعل القانون المالي الأميركي مع مصرف لبنان والمصارف اللبنانية. فكما كان الرئيس الحريري حليفاً للغرب والنظام العربي، جاءه القرار 1559 لإرباك علاقته بسورية والمقاومة، التي بات الغرب والنظام العربي يرفضانها ويعتبرانها عبئاً على مشاريعهما في المنطقة ويدعوانه عبر القرار للاستقواء به وإعلان انحيازه لهما بوجه سورية والمقاومة، فإن قبل صار هو في واجهة الحرب وعليه تحمّل تبعاتها ونتائجها، ويومها كان العنوان وفقاً للقرار التمديد للرئيس إميل لحود وعليه رفض التمديد، ليخرج الغرب والعرب وهم يقولون نقف وراء اللبنانيين في رفض إملاءات السلاح الذي تمثله سورية وحزب الله، وليدفع الرئيس الحريري ثمن الحرب التي سيخوضونها من خلفه، وإن رفض كما حصل وتمسك بالعلاقة مع سورية والمقاومة، كما حدث بقبوله التمديد للرئيس إميل لحود، سيجعلونه هدفاً مكشوفاً بلا غطاء، تتقاذفه المخاطر والتهديدات، من إسرائيل إلى تنظيم القاعدة، ويسقط مضرجاً بدمائه، ويصير سهلاً توجيه الاتهام لسورية والمقاومة.
– مصرف لبنان والمصارف اللبنانية يشبهان الرئيس الحريري في الكثير، ويشبه وضعهما مع حزب الله اليوم، ومع القانون الأميركي وضع الرئيس الحريري مع القرار 1559 وسورية والمقاومة آنذاك. فالقرار الذي بدا حبراً على ورق بلا آلية لتنفيذه تبين أن الصراع الذي سينتج بسببه سيتكفل بتوليد دينامية تتناسل تدريجاً بشكل تصاعدي حتى تصير هي الآلية، وبدم الرئيس الحريري تخرج القوات السورية من لبنان وبدمه تشوّه وتشيطن صورة المقاومة، وبالرغم مما قيل عن أن عدم امتلاك حزب الله لحسابات مصرفية كسبب كافٍ لبقاء القانون الأميركي حبراً على ورق، فما جرى منذ صدور القانون وما يجري مع هذه العبوة، يشيران إلى أن الأمر أشد خطورة بكثير، يستدعي العناية بما هو أعلى وأعمق بكثير، فمصرف لبنان والمصارف اللبنانية، يحرصان حكماً على أفضل العلاقات بالغرب، خصوصاً بأميركا بحكم طبيعة وتعقيدات وشروط العمل المصرفي، ويصلان حد الاستسلام والخضوع، وهما صورة لبنانية مرغوبة نحو الخارج، ويلقيان إعجاباً لبنانياً مشفوعاً بالرضى أو عدم الرضى، ويشكلان حجماً ومكانة وحساسية تضعهما في مكانة شبيهة بتلك التي كان يمثلها الرئيس الحريري، وأي تبدل وانزياح في هذا الحجم وتلك المكان أو استثارة تلك الحساسية تغير الكثير في لبنان، وهذا يعرفه وينتبه له مَن يحبونهما ومَن لا يرضيهما أداؤهما، تماماً كما كان الرئيس الحريري، وهما حالة زئبقية حساسة ولزجة وازنة تملأ فراغاً كبيراً للبنان داخلياً وخارجياً، إذا تركت احتلت كل الحيز المتاح وابتلعت كل شيء، وإذا ضغطت أكثر مما ينبغي يكون انفجارها مدوّياً ومؤذياً ومدمراً، ويعرف الغرب قواعد هذه اللعبة معها جيداً، ويعرف كيف يُهيّئ لها شروط الانكشاف وتركها عرضة للانفجار، وكيف يوظف انفجارها بتوجيه أصابع الاتهام، وتزخيم مفعولها إعلامياً وشعبياً وسياسياً، لينتقم من الخصم الذي ضاق به ذرعاً، والذي يمثله حزب الله.
– التفجير إنذار للبنانيين، لسياسييه وأمنييه ومصارفه ومصرف لبنان المركزي وحزب الله وإعلامييه ومواطنيه والجميع بلا استثناء، ليس فقط للتنبّه لخطورة الوقوع بالفخّ الصغير الذي يمثله التسرع بالاتهام، بل بالفخّ الأكبر الذي نعيش في قلبه، وقد يفاجئ كل يوم بجديد في مجال يزيد الأمور تعقيداً ويأخذنا في سياق لا نملك السيطرة عليه، نحو حرب تستهدف مصرف لبنان والقطاع المصرفي، يغذيانها بعبثية واستهتار عدم السيطرة على الإجراءات الخارجية، وعبادتها كنصٍّ مقدس، ويتصرّفان بإدارة ظهر لكل اعتبارات الروية والتفهّم والإنصات التي تحتاجها المرحلة، وهي الحرب التي تستهدف حزب الله المدعوّ لعدم التصرّف بثقة مبالغ بها تأسيساً على الثقة بأن حزب لا يوجه رصاصاً أو ناراً للداخل، ولن يكون بين اللبنانيين من يصدق الاتهامات التي يروّج لها أعداؤه، ويكتفي بذلك ببساطة الإيمان، دون الاستنفار لتشكيل شبكة حماية وطنية تهتم بالتعاون مع المخلصين في الدولة ومؤسساتها وقياداتها الأمينة والمالية والمصرفية والسياسية والإعلامية، تضع المخاطر المرتقبة وتحاول احتواءها بالحوار والتنسيق وحسن الإدارة، وترتقب الألغام وتسعى لتفكيكها والسيطرة عليها.