ماذا يستطيع لبنان أن يفعل بوجه القانون الأميركي؟
ناصر قنديل
– تنتظم جوقة سياسية إعلامية وراء معزوفة واحدة تقول إنّ القانون الأميركي الذي يستهدف حزب الله مالياً هو المشكلة التي يطلب حزب الله حلها، وهذا أمر أكبر من قدرة أحد على الحلّ، لأنّ النظام المصرفي العالمي كله مربوط بالمرجعية والسيطرة الأميركيتين ولا يمكن لأيّ مصرف في العالم كبر أم صغر أن يشتغل خارج إطار القواعد والأطر التي ترسمها واشنطن، فالاعتمادات المصرفية تمرّ عبرها، مقاصة الشيكات من خلالها، وقيمة ايّ بنك عالمي تبدأ بحساباته في نيويورك وتنتهي بإسم البنك الأميركي المراسل الذي يعتمده، ووفقاً لهذه الجوقة فإنّ حزب الله الجاهل بهذه الحقيقة يتخيّل أنّ بمستطاع مصرف لبنان المركزي والبنوك اللبنانية شقّ عصا الطاعة على التعليمات الأميركية، ولذلك فعلى الحريصين على حزب الله ولبنان والمصارف وفقاً للجوقة أن يشرحوا لحزب الله هذه الحقيقة، وان يساعدوه على تفهّم هذا الواقع وتقبّله، والتأقلم معه، لأنّ المصارف التي تتمرّد على التعليمات الأميركية تعرف النتيجة سلفاً شطبها من لوائح مراسلها في نيويورك وضياع وجودها وودائعها وزبائنها، الذين ستتوقف أعمالهم فوراً، ولن يبقى لهم وجود في الحياة المصرفية اللبنانية والعالمية.
– ما يقوله المنتمون للجوقة عن موقع ومكانة واشنطن في النظام المصرفي العالمي صحيح، وكذلك ما يقولونه عن عجز النظام المصرفي اللبناني عن التمرّد على التعليمات الأميركية صحيح أيضاً، لكن ما يقولونه عما يريده حزب الله محض كذب، وما يقولونه عن جهله بحقائق النظام المصرفي والوقائع التي تحيط به افتراء وتزوير، فهم عايشوا حوارات طويلة ومعمّقة مع قيادات من حزب الله، ووصلتهم رسائل من حزب الله عبر وسطاء خبراء في الشؤون المصرفية مثلهم أو أهمّ منهم خبرة وفهماً لقواعد الحياة المصرفية العالمية، والسؤال التوضيحي الذي يكفي لكشف المستور، هو لماذا أصدر مصرف لبنان تعميماً حول كيفية وآلية تطبيق قانون العقوبات الأميركي، كحصيلة للحوار مع حزب الله؟ ولماذا أعاد التأكيد على توضيح شقّ تقني من التعميم يتصل بمهلة الثلاثين يوماً لصدور القرار النهائي عن هيئة التحقيق المصرفية بحق كلّ حساب ملاحق بموجب القانون، وإلا صار للمصارف حرية التصرف، فجاء التوضيح يقول إنّ نهاية المهلة دون قرار تعني تمديد المهلة وليس إطلاق يد المصارف، ولا زال الجدال قائماً حول صدقية التوضيح طالما أنه شفهي ولا يغيّر في نصوص التعميم الخطي، والتعميم الخطي يلزم المصارف بعدم القيام بإقفال أيّ حساب دون تحقيق الهيئة المصرفية وموافقتها.
– في الحوار الذي أجراه حاكم مصرف لبنان مع قناة «سي أن بي سي» وتسبّب بأزمة وسوء فهم مع حزب الله واستدعى تعليقاً من كتلة الوفاء للمقاومة، وفي التوضيح الذي تلاه وعمّمه الحاكم بأشكال متعدّدة، يقول حاكم مصرف لبنان إنّ الهيئة المصرفية رفضت إقفال حسابات نواب ووزراء حزب الله، وأنّ كلّ ما أغلق من حسابات خلال أعوام لا يتعدّى العشرات، وليس بينها ما يتصل بحزب الله، فهل يعني هذا انّ مصرف لبنان والقطاع المصرفي تحت تأثير ضغط لا يحتمل، وأنّ حزب الله يطالب بالتمرّد؟ أم أنّ الحاكم يقول إنّ الأمر لا يستدعي القلق وليس بحجم ما يجري تداوله وانه قادر على تولي المهمة والحدّ من الخسائر فلا داعي للذعر؟
– إذن ماذا يريد حزب الله؟ وما هو الخلاف مع القطاع المصرفي أو بعضه البارز والفاعل على الأقلّ؟ وماذا يستطيع لبنان أن يفعل؟ خصوصاً بعد أن جاء التفجير ليكشف أنّ الأهداف الحقيقية للحملة الأميركية العقابية ليست توهّم إلحاق أذى مالي لن يلحق بحزب الله، الذي لا يتعامل بالحسابات المصرفية، بل هي خلق بيئة تصاعدية سياسياً وإعلامياً من التوتر عنوانها قطبية التجاذب بين حزب الله والمصارف، والإمساك بطرف خيطها الرخو أمنياً وهو المصارف، للضغط عليه وتحميل حزب الله المسؤولية، وتدفيع لبنان ومصارفه وليرته لاحقاً الثمن لأنّ الذين يدّعون الفهم ويسهمون في التوتر الإعلامي ضدّ حزب الله، لا يريدون ان يفهموا بسبب كيدهم وعمى بصائرهم وأبصارهم أن أضعف العناصر في هذه المعادلة هي العملة الوطنية التي سيصلها ضغط التأثر في حصيلة التراكم ما لم يتمّ الاستدراك مبكراً.
– ماذا يريد حزب الله؟
– يريد جواباً على سؤال، هل من يجرؤ اليوم على القول إنّ حزب الله أكبر وأشدّ وطنية ومسؤولية وحرصاً على أمن البلد والقطاع المصرفي فيه وعلى مصالح مواطنيه وفكرة الدولة، من أن يكون وراء التفجير الذي استهدف مقرّ «بنك لبنان والمهجر»، وأنّ حزب الله ومن يستهدفهم القانون الأميركي هم ضحايا ظلم وعدوان وافتراء وهم ليسوا إرهابيّين، بل مقاومين شرفاء يدفعون نيابة عن لبنان واللبنانيين فاتورة قتالهم لمن احتلّ أرضهم ويعتدي على بلدهم، واللبنانيون لن ينسوا لهم التضحيات وبيبعونهم بالبخس من المال استرضاء لصاحب القرار المالي في العالم، ويتضامنون معهم بوجه هذا العدوان الذي يعتبرونه عدواناً على لبنان، وستتولى المؤسسات اللبنانية في الحكومة ووزارة الخارجية ومصرف لبنان التفاوض مع الإدارة الأميركية لبلوغ أفضل الممكن من جهة، وفي المقابل ستعقد الحكومة وجمعية المصارف والهيئة المصرفية العليا اجتماعات مفتوحة للوصول إلى أفضل أشكال الحماية للمواطنين اللبنانيين من ضغط القرارات الخارجية.
– يريد حزب الله ألا تتبرّع مصارف لبنانية للتذرّع بالقانون الأميركي لتطييف حسابات زبائنها ومودعيها والتبرّع بتقديم لوائح عنها للأميركيين وإلى جانبها تصنيفات طائفية وجغرافية وأحياناً صور مناسبات يحييها رجال الأعمال المودعين، كإفطارات يرعاها نواب ووزراء مع إشارة لهوية الرعاة وانتمائهم لحزب الله، وكتابة ملاحظة، ربما تتضمّن هذه المناسبات حملات تبرّع لحزب الله ومؤسساته، وألا تتحوّل هذه المصارف إلى أدلاء أمام العدوان المالي لخراب البيت اللبناني كما تصرّف الأدلاء من عملاء الاحتلال أمام دباباته، يتسبّبون بجرّ البلاء على بلداتهم وأبناء وطنهم وكثيراً من الأحيان بلا سبب إلا تقديم أوراق الاعتماد للعدو إثبات الولاء له.
– يريد حزب الله ألا تتبرّع بعض المصارف باستدعاء زبائن ومودعين وفقاً للون طائفي وإبلاغهم بأنها تقوم بتجديد بيانات المودعين، والسعي للحصول على معلومات سياسية، أو تضمين الاستمارة ما يشبه التبرّؤ من أيّ علاقة مع حزب الله والمقاومة، أو التبرّع بتزويد هؤلاء المودعين من لون طائفي معيّن بأسماء وسطاء يمكن لهم المساعدة في منع تعرّضهم للملاحقة بموجب قانون العقوبات الأميركي، وهؤلاء الوسطاء ليسوا إلا أتباع السفارات ووكلائها المُراد تنصيبهم مراجع سياسية وإنتاجهم كقيادات جديدة، وفتح دفتر الطائفة التي يعيش حزب الله في قلبها على مشاريع تجنيد العملاء وقيادة حملات التنكر، أو التهديد بسيف العقاب، بقوة القانون الأميركي.
– يريد حزب الله ببساطة أن يقنعه مصرف لبنان وتقنعه المصارف، ويقنعه السياسيون أنّ قانون العقوبات أميركي فقط، وليس جزءاً من لعبة أميركية تمّ إنتاجها بالتشارك مع لبنانيين للعبث في غرفة نومه، لأنه ببساطة ومن دون أيّ مساس بالأمن، لأنّ هذه ليست لعبته للداخل اللبناني، ما لم يقتنع بذلك فسيحمي غرفة نومه، ولن يكون وحده من لا ينام.